الخميس، 26 نوفمبر 2009

ماء. . ماء. . غذاء



كاظم فنجان الحمامي

لا أريد أن أتكلم عن الغذاء والفواكه والخضر فنحن نستوردها الآن من دول الجوار والحمد لله. نستوردها من الكويت المحشورة بين ذاريات رمال حفر الباطن, ورذاذ المياه البحرية المتلاطمة. ونستوردها من السعودية المدفونة تحت كثبان البوادي الغائرة في جوف الصحراء.
لكنني أريد التحدث عن الغزو الملحي الذي اجتاح البصرة, وعن عطشها وأحزانها, وشح إيراداتها المائية, واثر هذه الشح على تغلغل الموجات المدية في منعطفات شط العرب, أريد التحدث عن هذه الكارثة البيئية التي تفاقمت هذه الأيام, في الوقت الذي تشهد فيه البصرة حراكا علميا فجرته ورشة العمل المقامة هنا تحت عنوان (المياه مصدر الحياة ومنطلق الازدهار الاقتصادي), والتي تفاعلت فيها الطاقات العلمية الوطنية المخلصة, وعصفت بعلومها وخبراتها وتجاربها الميدانية والمختبرية من اجل توفير الماء والغذاء.
حضرت إلى المكان الذي أقيمت فيه الورشة, وكنت متحمسا للتعبير عما يجول في صدري من أفكار ومقترحات, فانا ابن شط العرب, واسكن على ضفافه, ومازلت أمارس عملي اليومي في قيادة السفن الساحلية الصغيرة, متجولا بين مرافئ الفاو والمعقل منذ سبعينات القرن الماضي.

اقترحت عليهم تأسيس خلية طوارئ لإدارة الأزمة, وإعداد العدة للتصدي لهذه الكارثة بقوة وحزم, فالحلول السياسية ميؤوس منها تقريبا, والخيارات المتاحة أمامنا محددة في إطارات ضيقة, ولا نمتلك الوقت الكافي لانتظار وقوع المعجزة, أو انتظار ما تجود به علينا الظروف الطبيعية المتقلبة, إذن ينبغي مواجهة الواقع المر, وإعادة النظر بخططنا التي يفترض أن تكون متوازية ومتناظرة مع خطط البلدان الخليجية التي تعاملت مع البحر بأساليب حضارية مدروسة, فجاد عليها البحر من خيراته, ولم تعد لديها أية مشكلة. وهكذا انتصرت الكويت بعقلها وحكمتها على ظروفها الجغرافية القاسية, فسخرتها لخدمتها, وتفوقت علينا في الزراعة, وسقت حقولها بقطرات الندى, وصارت تأكل من إنتاجها, وصدرت الفائض منه إلينا عبر منفذ صفوان, فالكويت تولّد المياه العذبة من البحر بمقدار يزيد على عشرة أضعاف إنتاجنا المحلي, اما السعودية الواقعة بين البحر الأحمر والخليج العربي, فكانت سباقة في  بناء محطات التصفية والتحلية, وصارت تصدر المياه المعلبة إلى محافظاتنا الجنوبية, وصرنا نأكل البطاطا والقثاء المقطوف من مزارعها وبساتينها المنتشرة بين اليمامة والدهناء, ونجحت السعودية في زراعة الحنطة, وأرسلت منها كميات كبيرة إلى هولندا, ونستورد منها اليوم الحليب والاجبان التي تنتجها حقول (المراعي).

دعونا إذن نسعى سعي أقطار الخليج, ونستفيد من تجاربها وخبراتها, ونسارع إلى تنفيذ البرامج والمقترحات والأفكار البناءة من دون تردد, واقترح أن تبادر محافظة البصرة إلى استنفار طاقة الشركات الوطنية الكبرى الرابحة, والعاملة ضمن رقعتها الجغرافية, وإلزامها ببناء محطات عملاقة للتحلية على نفقة تلك الشركات, على أن يتم التنفيذ خلال ستة أشهر غير قابلة للتمديد. واقترح إعفاء الناس من الرسوم الجمركية والضريبية والرسوم المينائية المترتبة على استيراد وحدات التحلية لمن يرغب بإنشاء محطات للتحلية لصالح القطاع الخاص, واقترح أن تسري هذه الإعفاءات على جميع عبوات المياه المستوردة, وإعفاء الأجهزة والمضخات المستخدمة في استخراج المياه الجوفية للمزارع والحقول من كل الرسوم الحكومية.
نحن بحاجة إلى فزعة عربية صادقة وفورية في التصدي لهذه الكارثة, وبحاجة إلى ثورة في إصدار التشريعات العاجلة التي تعطي محافظ البصرة الحق في التصرف, وتمنحه الصلاحيات الكاملة, والمرونة اللازمة في التنفيذ الفوري, وذلك في ضوء التوصيات التي سترفعها له خلية إدارة الأزمة التي ينبغي أن يكون هو رئيسها, وهنا لابد من منح البصرة حصة ضئيلة من مبيعات مخزونها النفطي لتغطية نفقات وتكاليف المشاريع المستقبلية العملاقة. مع الأخذ بنظر الاعتبار زيادة أطلاقات المياه المخصصة لها إلى المستوى الذي يجعل مياه شط العرب قادرة على كبح جماح الموجات المدية المتمردة, وينبغي الإسراع بترميم ناظم شط البصرة الذي مازال مفتوحا بوجه المياه البحرية المتدفقة نحو الشمال منذ عام 2003, وهذه هي ألف باء الحلول والخطوات المقترحة لتوفير الماء والغذاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق