الخميس، 26 نوفمبر 2009

ماذا عن غياب الدور العربي الاقليمي ؟



بقلم: عوني فرسخ
       يغلب في قراءة "المحللين السياسيين العرب للواقع الاقليمي القول بغياب الدور العربي مقابل ما يبدو من تنامي الدورين التركي والايراني ، مع احتفاظ اسرائيل بدورها الذي اقيمت من أجله ، ما يعني أن القائلين بذلك لا يرون للعرب انظمة وشعوبا تاثيرا فاعلا في مجريات الامور في الاقليم .
وأنه باتت القوى الفاعلة والمؤثرة فيه إنما هي الانظمة التركية والايرانية والاسرائيلية .
 وهي رؤية مؤسسة على تسليط الضوء على بعض ظواهر الواقع الاقليمي دون الاحاطة بكامل الظاهر والخفي من حقائقه .

     ولا شك أن النظام التركي ، في جانبه المدني ، يراكم انجازاته الاقليمية منذ غضبة اردوغان في مواجهة شمعون بيريز على خلفية رفض رئيس الوزراء التركي الصارخ للمحرقة الصهيونية في قطاع غزة .
 وكما وجد موقفه صداه الايجابي في الشارع التركي ، بما عبر عنه استقباله الجماهيري الحاشد غداة عودته من مؤتمر دافوس ،  كانت له اصداء غاية في الايجابية على مدى الوطن العربي .
 والمؤشرات كثيرة على أن الدور الاقليمي التركي في تصاعد طردي محققا ترحيبا عربيا رسميا وشعبيا متناميا غير مسبوق في تاريخ العلاقات العربية - التركية منذ الربع الاخير للقرن التاسع عشر .
 وذلك في مقابل القلق وعدم الرضا اللذين تعكسهما أجهزة الاعلام الصهيونية ، تجاه ما تعتبره بداية تحول في الموقف الرسمي التركي عن الاستراتيجية التي التزم بها صناع قراره عبر السنوات الستين التي مضت على الاعتراف التركي بالكيان الصهيوني ، وما حفلت به من تفاعلات تركية - اسرائيلية واسعة على الصعيد الشعبي ، وما ابداه صناع القرار التركي والنخب الفكرية والسياسية طوال هذه السنوات من حرص على تطوير علاقات الطرفين سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، والتي عززها السير المشترك في الركب الامريكي .


     كما انه لا خلاف ان لايران دور اقليمي متنام ، غير انه لا يلقى عربيا على الصعيدين الرسمي والشعبي ما لنظيره التركي ، على الرغم من حداثة بروز الاهتمام التركي بالشؤون العربية .
 إذ لا يكاد قطر عربي واحد لا يشهد انقساما بينا ، خاصة على الصعيد الشعبي ، حول الموقف من النظام الايراني .
 فهناك من ينظرون بقلق متزايد لما يعتبرونه تدخلا ايرانيا في الشؤون العربية ، بل وعامل إثارة مذهبية تهدد السلام الاجتماعي في اكثر من قطر عربي . وهناك من تتقدم لديهم أهمية التحول الكيفي في موقف النظام الايراني تجاه اسرائيل منذ سقوط نظام الشاه سنة 1979 ، برغم تحفظاتهم على ممارساته وما يصدر عنه ، وبخاصة في العراق المحتل ، ومذكرين بما عرفت به الشعوب العربية من محدودية استجابتها لدواعي الفتنة المذهبية .

      والذي لا يأخذه بالحسبان المتحدثون عن غياب الدور الاقليمي العربي كون العامل الاشد تأثيراً فيما يبدو من حضور تركي وايراني واسرائيلي انما هو ما يجري على الارض العربية ، وبخاصة ما له صلة بالصراع العربي الصهيوني ، وبالمقاومة المتنامية للتحالف الامبريالي - الصهيوني على الاخص .
 بل ويشكل الاهتمام بذلك قاسما مشتركا اعظم لحراك القوى الثلاث .
 وسبقت الاشارة الى أن بداية بروز الدور التركي إنما كانت على خلفية موقف اردوغان من المحرقة الصهيونية على قطاع غزة .
 فضلا عن أن اعادة إعمار القطاع وفك حصاره وإدانة العدوان الصهيوني على حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، أبرز معالم الموقف التركي المرحب به عربيا رسميا وشعبيا .
 وهل كان المشروع النووي الايراني يحتل اهتمامات الدول العظمي لولا أنها تنظر إليه من زاوية ما يقال عن تهديده لاسرائيل ،  حائزة ما يقارب ثلاثمائة راس نووي ؟ .
 ثم هل كان الحاق اسرائيل بالقوة البحرية لحلف الاطلسي مؤخرا لولا السعي لنشر مظلته على قرصنتها في المتوسط ، تحسبا مما الحقته بقوة ردعها قوى المقاومة في لبنان وقطاع غزة ؟ .
 ما يعني في التحليل الاخير أن دور قوى الممانعة والمقاومة العربية لا يقل حضورا ، إن لم يفق ، الحضور المنوه عنه لكل من تركيا وايران واسرائيل .

      ولأن كلا من تركيا وايران ليستا فقط جارتين  تاريخيتين وطبيعتي الوجود للامة العربية ، ويجمعها بهما الاسلام وتراث ثقافي ممتد في عمق التاريخ ، بل ويشاركانها الانتماء للفضاء الحضاري العربي الاسلامي ، وتكفي الاشارة لحجم الكلمات العربية في اللغتين التركية والفارسية ونسبة الاسماء العربية لذكور واناث الجارتين .
 فضلا عن انهما تشاركان الامة العربية في كثير من التحديات الخارجية التي تواجهها . ولأن ذلك من ابرز معالم الواقع الراهن كان طبيعيا أن ينتهي الفكر القومي العربي الى إدراك إنتفاء التناقض العدائي المحتم للصدام بين العرب وجوارهم التركي والايراني .
 دون أن يعني ذلك تجاهله التناقضات الثانوية غير العدائية ، وعدم تطابق المصالح العربية تطابقا تاما مع مصالح كل منهما .
 الأمر الذي يرجح جانب التفاعل الايجابي والسلمي على السلبي والصراعي معهما .
 ومن منطلق هذا الادراك ، وسعيا لتعظيم ما هو مشترك بين العرب وكل من الاتراك والايرانيين ، وتحجيم مواطن الخلاف التي لا تنكر مع الطرفين ، نظم "مركز دراسات الوحدة العربية" منذ بضع سنين ، ندوتين حول العلاقات العربية - التركية ، والعربية - الايرانية ، شاركت فيهما رموز فكرية وسياسية عربية وتركية وايرانية .
 ومؤخرا صدرت من مفكر عربي مرموق الدعوة لاقامة تحالف عربي - تركي - ايراني ، باعتبار ذلك الدرع الواقية للاقليم من تداعيات مخطط التفتيت العرقي والطائفي الذي يحتل المقام الاول في استراتيجية التحالف الامبريالي - الصهيوني .

       والدعوة وإن هي جديرة بالتقدير إلا أن الشرط الاول لتحققها قيام تكامل قومي عربي يسد الفراغ القائم على صعيد العمل الرسمي العربي .
لأنه بدون ذلك لن يكون للعرب وزن يفرض على الجارتين مراعاة المصالح العربية ، واعادة النظر في كل ما تشكو منه الانظمة والشعوب العربية وترى فيه افتئات على الحقوق الوطنية والقومية العربية المشروعة .
 فضلا عن العمل لتعزيز قدرات قوى الممانعة والمقاومة العربية ذات الحضور الاقليمي  الفاعل ، والتي استنهضت الدورين التركي والايراني ، واسقطت اساطير التفوق الصهيونية ، بل وفرضت على "اسرائيل" نشدان الحماية الدولية " ، وآخر مظاهر ذلك التعلق بذيل القوة البحرية لحلف الاطلسي .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق