الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

أين أموال الناس يا حماس؟

د. فايز أبو شمالة

أشهد أن للحب نبعاً في القلب لا ينضب، وأن للكراهية ندفاً يتبخر مع حرارة اللقاء، وأشهد أن للخصومة أصولاً، وللخلاف بين البشر قواعد، وكم قائد شجاع أدى التحية لعدوه بعد موته لأنه نازله برجولة، والرجولة الفلسطينية لا تمنع أن نتباعد كفلسطينيين مؤقتاً، وأن نكره بعضنا ونتخاصم مؤقتاً، وأن نتواجه في ساح الوغى مؤقتاً؛ فقد سبقتنا معظم شعوب الأرض، واحتكمت إلى السلاح، بل وحشد كل خصم الحلفاء الخارجيين ضد خصمه، وأحسب أن مصر العربية قبل سنين لم تكن بعيدة عن قطاع غزة، عندما اختصم على حكمها الوزير "شاور السعدي" مع الوزير"ضرغام بن عامر"، ووصل الخصام بينهما إلى حد الانقسام، والاستعانة بالصليبيين في بيت المقدس، أو بالأيوبيين في بلاد الشام لأجل الاحتفاظ بالحكم، ولكن بعد انجلاء غبار معركة الانقسام، التقى الشقّان، الشقيقان في مصر تحت راية صلاح الدين الأيوبي، التي جلّلها التسامح والصفح والتفكير بالغد المشترك، الذي ظل يذكّر المتخاصمين بأن للخصومة نهاية، تلجم المتخاصمين عن تجاوز حدود معينة من الكراهية، وتحثهما على نزاهة الخصومة، ووصف الخصم بما فيه، دون افتراء عليه قد يسيء للمفتري نفسه.

لا بد للخصومة الفلسطينية من نهاية، وكشف حساب يرفض ما نشر في أحد المواقع الإلكترونية، والذي يقول: "بعد توقف الدعم المالي الإيراني، عصابات الموت في غزة تقوم بجباية مائة مليون دولار شهرياً من أهالي قطاع غزة على شكل ضرائب وخاوات، وتحت شعار جمع زكاة المال من التجار ورجال الأعمال، إلى جانب ما تجلبه أنفاق الموت في رفح، وقد تم إبلاغ "هنية" للمباشرة في تطبيق هذا القرار التعسفي عبر كافة الوسائل المتوفرة لدى سلطة الانقلاب في غزة وفي مقدمتها المليشيات المسلحة وتشكيلاتها الأمنية".

خبر يحيِّرُ العاقل؛ فمن أين لقطاع غزة المحاصر فائض مالٍ يصل إلى مائة مليون دولار شهرياً؟ ولو طرحنا كل قطاع غزة في سوق الاستثمار الدولي، فهل يساوي مائة مليون؟ وهل يدفع فيه محتكر ديناراً واحداً؟ قطاع غزة خسارة بمعنى الكلمة التجارية والاقتصادية والزراعية والسمكية، وحتى العسكرية. ولكن قطاع غزة مَرْبَحٌ من حيث قيمته الجغرافية، وتأثيره الحضاري على مجل الحدث السياسي في الشرق العربي، وهذا ما يعطي لقطاع غزة الأهمية، ويجعل من جوع أهله وخزَ قلقٍٍ في بطن الغربيين.

اتصلت بالسيد إسماعيل محفوظ وكيل وزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية، وما زال، وسألت عن أموال الناس! فعرفت: أن المبلغ الذي تجمعه حكومة حماس من المواطنين في غزة عن طريق الجمارك والضرائب والرسوم والتراخيص، وفق القانون الذي لم يتغير، لا يمثل سوى 5% فقط مما تنفقه حركة حماس على قطاع غزة، الذي يحتاج إلى 66 مليون شيكل رواتب، وعشرين مليون مصروفات جارية، وستة مليون شيكل توزع على البلديات، أي ما يعادل 92 مليون شيكل تقريباً. تقدر بمبلغ 25 مليون دولار شهرياً.

لا أدافع عن حماس، وإنما أدافع عن الحق بالمنطق ذاته الذي يقول: إذا كانت حماس تجمع مائة مليون دولار شهرياً من قطاع غزة المحاصر، فكم مليون دولار كانت تجمع السلطة الفلسطينية شهرياً من قطاع غزة والضفة الغربية معاً قبل الحصار؟

وبالمنطق ذاته؛ لماذا نلهث خلف الدول المانحة، ونتذلل لها سياسياً؟

وبالمنطق ذاته؛ أين مال الناس يا سيد عباس؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق