الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

نتنياهو واستراتيجية استعادة الهيكل مواصلة الأحلام

د. مصطفى يوسف اللداوي

كاتبٌ وباحث فلسطيني

هل سيأتي اليوم الذي يهدم فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرف، ليظهر مكانهما هيكل سليمان المزعوم، وتقوم مملكة إسرائيل الثالثة، إذلم ينس بنيامين نتنياهو أحلامه وطموحاته المتعلقة بالقدس، والتي حملها معه خلال مناصبه المتعددة، بدءاً من الأمم المتحدة، مروراً بعددٍ من الوزارات التي تقلدها ومن أهمها وزارة المالية، وصولاً إلى رئاسته للحكومة الإسرائيلية للمرة الثانية، التي تزايدت فيها حملته ضد الوجود العربي في القدس، وفي عهده خرجت الخطط الإسرائيلية من الأطر السرية إلى الأروقة العامة، فسمح نتنياهو لليهود بصفةٍ عامة بالتعبير عن مشاعرهم وأراءهم علانيةً تجاه القدس، وترجمة هذه المشاعر والأحاسيس إلى طقوسٍ وممارساتٍ عملية في المدينة والمسجد الأقصى، معتدين بذلك على حرمة المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى، ومؤخراً دعت جماعاتٌ يهودية متطرفة الحكومة الإسرائيلية إلى التعجيل في هدم المسجد الأقصى، وتفكيك حجارته وزخارفه وقبة الصخرة المشرفة ونقلها إلى مكة المكرمة، كون هذين المبنيين " أمرٌ كريه نصبه المدنسون فى مكان المذبح فى الهيكل" ، ونقل عن يهودا عتصيون وهو أحد زعماء التنظيم اليهودى السرى الذى تآمر لتفجير مسجد قبة الصخرة فى السابق، " أن تفجير قبة الصخرة لابد أنه سيأتى إذا لم تتمكن الدولة من تفكيك المبنى ونقله إلى مكة" ، وكان جيرشون سولمون زعيم أمناء جبل الهيكل قد دعا إلى نقل حجارة المسجد وقبة الصخرة إلى مكة المكرمة، وذلك بعد تفكيك المسجدين من قبل مهندسي الجيش الإسرائيلى، فيما قال نوعام لفنات من زعماء حركة حي قيوم "إذا ما وجد ثلاثة آلاف شخص يهودي يحجون إلى الجبل، فلن يعتبر تفجير المساجد عملاً جنونياً" ، ويذكر أن عشرات الجمعيات اليهودية تعمل حالياً لإعادة بناء أدوات الهيكل، وبدأت معامل خياطة بحياكة الملابس الخاصة برواد الهيكل والمعبد، وتقوم الجمعيات المذكورة بشراء منازل وأراضي عربية كى تزرع فيها مستوطنين يهوداً تمهيداً لتكاثر أعدادهم بالنسبة إلى السكان العرب المسلمين والمسيحيين، وكانت المحكمة العليا في إسرائيل قد سمحت في 25 يوليو / تموز 2001 لحركة أمناء جبل الهيكل ، بوضع الحجر الأساس للهيكل الثالث قرب باب المغاربة في القدس القديمة، الأمر الذي يعني بالمفهوم الديني اليهودي اقتراب موعد تدمير أساسات مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى معاً، ولهذا تعمل التنظيمات اليهودية المتشددة على تكديس السلاح في التجمعات الإسلامية والعربية في القدس، تمهيداً لاستخدامها في تدمير المقسات الإسلامية، إيذاناً بالشروع في بناء الهيكل .

ويحرص نتنياهو على عدم الخوض الإعلامي في موضوع الاستيطان في القدس، أو موضوع الحفريات تحت المسجد الأقصى، ويصف الأخبار التي تتناول موضوع الحفريات بأنها دجل وخرافات، وقال أمام أحد الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء بالقدس، إن الادعاءات القائلة أن إسرائيل تحفر أو تعتزم الحفر أسفل القدس هى أكذوبة فجة، تروجها أقلية متطرفة، ولكن الحقيقة أن نتنياهو أصبح يفضل العمل بصمتٍ، بعيداً عن صخب الإعلام والتصريحات المدوية، وقد أطلق العنان للمجموعات اليهودية المتطرفة، لتمارس طقوسها ومعتقداتها الخاصة، بل إن وزير دفاعه أيهود باراك يصدر تعليماته إلى قادة جيشه بضرورة تأمين المجموعات الدينية اليهودية المتطرفة خلال محاولاتها اقتحام المسجد الأقصى، وتبرر الجماعات اليهودية المتطرفة اعتداءاتها على المسجد الأقصى المبارك بأنها تقوم بأعمال التنقيب عن هيكل سليمان والبقرة الحمراء، إذ يعتقدون أن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل، وأن البقرة الحمراء موجودة في الهيكل، وأن الزمان قد حان لإعادة بناء الهيكل الثالث، واستعادة السيطرة اليهودية عليه، حيث يزعم اليهود أن نبي الله سليمان بنى هيكله في ذات المكان الذي بني فيه المسجد الأقصى بعد ذلك، وكان قد جعله مكاناً لحفظ تابوت العهد، وأن هذا الهيكل يزخر بالرموز الوثنية والأساطير الخاصة بعبادة الآلهة الكنعانية، وأن نبى الله سليمان بنى الهيكل لإله اليهود "يهوه" أو "ياهو" ، وقد حان زمان العودة إلى الهيكل والمعبد .

وفي ظل حكومة نتنياهو الثانية رغم أنه لم يمض عليها وقتٌ طويل، إلا أن بلدية القدس نجحت في هدم مئات البيوت المقدسية، وشردت آلافاً من سكانها، وبدأت في وضع الخطط العملية لتوسيع حدود بلدية القدس على حساب الأحياء العربية، وصادرت مئات الدونمات بحجة بناء منتزهاتٍ ومرافق عامة، ويعمل نتنياهو على تكريس يهودية الدولة العبرية، والتي تعني يهودية القدس كعاصمة للدولة العبرية، وكرس جهوده الدبلوماسية لنيل الاعتراف الدولي بيهودية دولته، ويمارس ضغوطه على السلطة الفلسطينية لتعترف بدورها بيهودية إسرائيل، وتؤيده في ذلك المنظمات اليهودية المتطرفة التي تبارك سياستة، وترى أن الرب يباركه، وأن يدَ الله على وجهه، وأنه يسير خلف الله، ويفعل ما يأمر به الرب، ويقولون إنه بحق عطية الله، ويصفونه بأنه استمرار لسلالة الملوك الكبرى من نسل داوود و سليمان، ويطلقون عليه لقب منشئ الهيكل الثالث، رغم أنهم يدركون أنه غير متدين، وأن سلوكه الخاص لا ينسجم والتعاليم الدينية التوراتية، إلا أنه يخدم الأهداف اليهودية .

ويعتقد اليهود أنهم باتوا أقرب ما يكونون من تحقيق حلم إعادة بناء الهيكل الثالث، وجاءت تحركاتهم في الأسابيع الأخيرة، وفي موسم الأعياد اليهودية برهاناً على ذلك، حيث أراد الآلاف منهم اقتحام المسجد الأقصى والصلاة فيه، ولم يعقهم عن هذا الإعتداء سوى الموقف الذي اتخذه سكان القدس وفلسطينيو 1948، الذين اعتكفوا داخل المسجد وأبدوا استعدادهم للتضحية حماية للأقصى، وكانت منظمات إسرائيلية متطرفة قد أعلنت رسمياً أنها ستقوم باقتحام المسجد الأقصى في عيد الغفران، وبدأت هذه المنظمات في الاستعداد والحشد، وفي يوم الأربعاء 7/10/2009 تم وضع حجر الأساس لمرحلة جديدة لمستوطنة " حس نوف تسيون " في القدس الشرقية، وجاء وضع حجر الأساس في احتفالية استفزازية صهيونية، شهدها سياسيون وبرلمانيون عنصريون، ونقل عن عضو الكنيست الإسرائيلي مايكل بن آري أن هذه الاحتفالية رسالة انتصار موجهة إلى الشيخ رائد صلاح، وكانت جماعات دينية يهودية قد دعت المصلين اليهود إلى الصلاة في باحات المسجد الأقصى المبارك، ويسجل القائمون على خدمة المسجد الأقصى أن ما يزيد عن مائة ألف يهودي يدخلون المسجد الأقصى سنوياً، للصلاة فيه أو لأغراض السياحة الدينية، والتي لا تخلو في أغلبها من ممارساتٍ استفزازية.

كما يعتقد نتنياهو أن معركة القدس قد بدأت، ولهذا يشجع كل الإجراءات المادية والعملية لضم القدس وتهويدها من خلال تطويقها بالأحزمة الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وسحب الهويات المقدسيه، وإجراء التغييرات الجغرافية والديموغرافية التي تضمن مستقبل وجودهم في المدينة، وقد باشرت الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة العمل على هدم المسجد الأقصى، من خلال الترويج لمعتقدهم بضرورة هدمه قبل بدء الألفية الثالثة وإقامة الهيكل على أنقاضه، وتبارك الحكومة الإسرائيلية هذا الطرح وتشجعه، من خلال سماحها إقامة المؤتمر السنوي السابع لحركة إعادة بناء الهيكل، حيث أقسم آلاف اليهود على هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم مكانه، لوضع العالم كله بما في ذلك الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية أمام أمر واقع مفاده أن القدس جزء من إسرائيل وعاصمة دولتهم .

الإسرائيليون كلهم بكل أطيافهم السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مروراً بأحزاب الوسط، تجمع على تهويد القدس وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، ومنع أي سيادة عربية عليها أو على أي جزءٍ منها، ولكن مصير القدس لا يمكن أن تقرره إسرائيل، فالقدس ليست مدينة فلسطينية فحسب، ولكنها مدينة ذات بعد عربي وإسلامي، وهي جزء من ديننا، وهي آيةٌ من كتاب ربنا، نتلوها إلى يوم القيامة، ولذا فهي خط أحمر بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم المسيحي، وإن أي مساس بالوضع الديني والقانوني للمدينة المقدسة، أو جعلها محل مساومة لا يعتبر تنازلاً فحسب، بل يرقى إلى مستوى خطر هو أقرب ما يكون إلى الخيانة، وإن أي وضع ينشئ عن مثل تسوية كهذه محكوم عليه بانهيار سيقود حتماً إلى كارثة يصعب التكهن بنتائجها، وسيضع المنطقة كلها على فوهة بركان جديد .

دمشق في 2/11/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق