الأحد، 7 فبراير 2010

يستحقها "الحاج رجب"



كلما كنت أتأمل ردود الفعل على انفتاح رجب طيب اردوغان أو «الحاج رجب» على العالمين، الإسلامي عامة، والعربي خاصة، تصيبني في الحلق غصة، وفي القلب حرقة، وفي العين دمعة!
هو يتقدم نحونا كعمق استراتيجي، جغرافي، وتاريخي، ونحن نقابله بمسلسلات مدبلجة على شاكلة «سنوات الضياع»!
هو يقابلنا «كفاتح دافوس» متصديا لعربدة العجوز بيريز، انتصارا لأطفال غزة، ونحن نقابله بوضع مقطع أغنية «رجب حوش صاحبك عني»، كخلفية لذلك المشهد المليء بالعزة والفخار والشهامة!
نكران ما بعده نكران، وجحود ما بعده جحود، كنت أردد بعده عبارة: وا حرقة قلبي على أمة فقدت بوصلتها، ولا تجيد ترتيب أولوياتها، ورسم أجندتها، لا تميز بين العدو والصديق، تعض اليد التي تمتد إليها، ليصدق فيها قول عامل النارجيلة التركي «عرب ناموس يوق»، أي أن العرب بلا ناموس (وانقل هذه العبارة على لسان الاستاذ فيصل جلول).
والحق أن عبارة «عرب ناموس يوق» لازمتني طويلا، وأصبت بخيبة أمل من هذا التجاهل، والتخاذل العربي نحو سياسات هذا الفارس التركي الممتطي صهوة العزة والكبرياء، المهرول نحونا بينما نحن «مكانك راوح»! إلى أن أعلنت نتائج جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والتي منحتها المملكة العربية السعودية لفخامة «الحاج رجب»، خادم المسلمين وأملهم في هذا العصر المليء بالعتمة، وتساءلت: ومن أحق بالجائزة أكثر منك أيها الرجل الطيب؟
لقد نزل الخبر على قلبي الملتاع بردا وسلاما، وقلب كل عربي ومسلم غيور على نجاح التجربة التركية، التي تمطرنا يوميا بالمفاجآت في أروع صورها وأرفع تجلياتها، ولعل آخرها الاعتذار الصهيوني لتركيا عما واجه سفيرها في تل ابيب من إهانة. الاعتذار الذي طوى صفحة العصر الذهبي للكيان الذي كان يعربد متى شاء، وأين شاء، وكيفما شاء، دونما رقيب ولا وحسيب، كما نزل بردا وسلاما على الحاج رجب نفسه، الذي أيقن أن انفتاحه نحو العرب لم يذهب أدراج الرياح، وأنه آن أوان الحصاد.
إن فوز أردوغان بالجائزة جاء في مكانه المناسب، وللرجل المناسب، وفي التوقيت المناسب، ومن بلد مناسب، بلد الحرمين الشريفين. فقد قدم الإسلام السياسي في أروع صوره دون تشدد أو أي خطاب موتور، كما قدم نموذجا للسياسي المستنير، الملتزم دون تقديم تنازلات، ونموذجا مشرفا للتسامح القائم على العدالة والتنمية. ولأنك نظيف اليد، وتشن حربا على المفسدين، وعندما سئلت عن استراتيجيتك لتخليص بلدية اسطنبول من جحيم ديونها اجبتهم: «لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه.. إنه الإيمان. لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام».
تستحقها لأنك مسحت الغبار عن القسطنطينية، عاصمة الخلافة الإسلامية فجعلتها شهية كالتفاحة الحمراء (اسم من أسماء اسطنبول)، وهي المدينة التي بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتحها {لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش}.
وتستحقها لأنك تؤمن بان من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وقدوتك الفاروق عمر بن الخطاب عندما قال: «لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها»، فما بالك بموت أطفال غزة الذين استقبلت بعضهم في المستشفيات التركية وشحنات العاطفة تملؤ صدرك، ودموعك تسيل على خدك، تقبل أياديهم، قائلا: «إن إسرائيل ستغرق بدموع الأطفال والنساء المظلومين الذين قتلتهم، وبدموع الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن، إن الله سيعاقب أولئك الذين ينتهكون حقوق الأبرياء، عاجلا أم آجلا».
وتستحقها لأنك انتصرت للايغور من المسلمين في الصين، قائلا إنهم «جسر للصداقة المتينة بين تركيا والصين، انهم إخواننا».
ولأنك صاحب نظرية جديدة في مواجهة «صراع الحضارات»، بقولك «إن الإسلاميين في حاجة لتغيير الصورة ولغة الخطاب، لكي يحوزوا ثقة المجتمع الدولي إذا وصلوا للحكم».
وإذا كان بعض الموتورين ممن ظلموا الدين والدنيا معا بفتاواهم، سيقولون إن هذا إسلام أميركاني، فأنا أقول: اذا كان هذا هو إسلام أميركا، فأدعو الله أن يكثر من أمثاله.
                                                                                                           عمر طهبوب
كاتب وإعلامي فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق