الأحد، 7 فبراير 2010

مطبخ بايــدن ومائدة الاجتثـاث


 علي الجفال

حين كتبت قبل أسبوعين عن الاتصالات الأمريكية ببعض من شملهم قرار الاجتثاث، وقلت إن الأمريكان ابلغوا بعض هؤلاء بالاستمرار في تحضيراتهم الانتخابية دون الالتفات إلى جعجة المالكي واللامي وجوقة المنطقة الخضراء، اعترض بعض الأصدقاء، سياسيين وإعلاميين، مشككين بصحة المعلومة، بل إن صديقاً إعلامياً عربياً كبيراً اتصل بي معاتباً، معتبراً أن نشر مثل هذه المعلومات والاستنتاجات يدخل في باب تخدير الشعب ومنح فرسان الاجتثاث فسحة من الوقت من أجل المضي في تنفيذ خطط التأجيج الطائفي وإلقاء البلد مجدداً في أتون الحرب الطائفية.
والطامة عندي ليست في قصور رؤية بعض الأصدقاء لقوة الدور الأمريكي ووهم هامش استقلالية القرار العراقي، بل في الدور الأمريكي ذاته الذي استمرأ لعبة وضع الأراجوزات في مقدمة المشهد السياسي العراقي، مانحاً إياهم دوراً محدداً يتلخص في السلب والنهب وإدارة معارك طواحين الهواء بين بعضهم البعض.
أين عربدة المالكي واللامي والدباغ والصغير حول السيادة وعدم السماح لواشنطن بالتدخل في قرارات لجنة المساءلة والعدالة سيئة الصيت والأهداف؟
والأهم، ما هي ملامح التغيير في عراق ما بعد الانتخابات، مهما كانت نتائج تلك الانتخابات، طالما أن القرار العراقي يُطبخ في دائرة نائب الرئيس الأمريكي، وما على العراقيين إلا الضرس؟
قرار الاجتثاث، ووفقاً لمعلومات مؤكدة، ودون عتب أو اعتراض من احد هذه المرة، اتُّخذ في الكويت بعد إعلان تكتل علاوي- المطلك، وفور انضمام الهاشمي إليه، وبإيحاء ودعم ومباركة من طهران، وتنفيذ مباشر ودون تردد من جوقة المالكي- الجلبي، رافقه صمت أمريكي له وقع أشد من وقع الاعتراض.. لماذا؟؟
صانع القرار الأمريكي في العراق على دراية تامة بالمساحة المسموح لهؤلاء (الأراجوزات) بالتحرك ضمنها، لأنه هو من رسم أبعادها، كما أنه على دراية تامة بمدى ارتباطاتهم الذليلة ببعض العواصم الإقليمية، والأهم أنه، وربما للمرة الأولى، يتفق مع الشارع العراقي على ضرورة تحييدهم خلال المرحلة المقبلة، وربما محاكمتهم في مرحلة لاحقة، لذلك مارس نفوذه الصامت من خلال السماح لهم بالزعيق حول اجتثاث بعض القوى ولأسباب طائفية مكشوفة لضرب ثلاثة عصافير بحجر الاجتثاث، الأول كشف أبعاد ونوايا الدور الكويتي- الإيراني وارتهان الجانبين لعقدة الحروب الماضية التي جرت زمن النظام السابق، وثانيهما تقزيم الشخصيات التي هيمنت على مقدمة المشهد السياسي العراقي بفعل شعارات المظلومية والتخندق الطائفي.
وفي المقدمة من (الهؤلاء) نوري المالكي الذي فقد ظله إلى الحد الذي جعل قيادات في حزبه تفكر جلياً في إبعاده وإحلال العبادي بدلاً عنه، لأنه، وحسب احد قيادات حزبه، أصبح ورقة متهرئة تؤثر سلباً في حاضر الحزب ومستقبله، والثالث، إعطاء جرعة شعبية للقوى (المجتثة) تمنحها فرصة الاستحواذ على أكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة، مما سيتيح لواشنطن مرونة في سحب قواتها من العراق والإبقاء على نفوذها فيه دون تغيير يذكر، فهل ستستمر اللعبة الأمريكية بالقواعد ذاتها مع تغيير (الأراجوزات)، أم أن وقت اللعبة الأمريكية في العراق أوشك على الانتهاء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق