الجمعة، 19 مارس 2010

دولة ما بعد 5 مارس


محمد طعيمة

لا يتوقع أحد ان تأتي عودة الرئيس مبارك من سفره الثاني لألمانيا، مريضاً لدرجة "تفويض صلاحياته" بتغيير دراماتيكي في موقفه من التغيير، رغم "أقاويل" عن قرب اعلانه تعيين نائباً له. فالنتيجة العملية للتفويض هذه المرة تقول ان الأمر لم يعد يتوقف على شخص أو جهاز واحد، فمصر بعد 5 مارس 2010 تختلف عنها قبله.. هناك إنتقال تم للسلطة، مؤقتاً. هذه المرة لم يقد دفة التفويض (نظيف) أو لجنة السياسات، ربما.. "ترويكا" تمتد جذور ثلاثتهم لـ"الكتلة الصلبة"، حتى أول أمس الجمعة.
من بديهيات الدول، توقع ان سيناريوهات ما بعد مبارك نُوقشت في أجهزة عدة طوال مخاض مرير بلغ ذروته الأولى عام 2005 مع دوائر جدل سياسي حركتها (كفايه). وقتها، قيل ان "الخروج الآمن" لُمح به لأول مرة، وربما جاء تغيير المادة 76 رداً عليه، وربما على زخم كفايه واقتراحها طرح "مُنافس تغيير"، رأته بداية.. "أحد الأباء"، قادر على جمع دوائر الحراك حوله.. للضغط على النظام في "إستفتاء" الرئاسة قبل تعديل المادة 76. كان الأستاذ (هيكل) في مقدمة الأباء المُقترحين، لكنه أعتذر.. مع نصيحة بإستبعاد من وصفهم بـ"الكُهْنه" من كبار السن، واستقرت كفايه على (حمدين صباحي) بعد تداول أسماء مثل طارق البشري وحسام عيسى، وجاء التعديل المشوه للدستور ليُجهض الفكرة.
لم يكن البرادعي ظاهراً في المشهد، حتى طرحه عملياً رائد جراحة الكلى د. محمد غنيم، قبل عام وثلاثة أشهر، في جلسة ضمت شخصيات "مهمومة" بالتغيير، منها جورج إسحق.. أول منسق عام لكفايه، ود. عمرو الشوبكي.. الخبير بمركز الأهرام، والزميل عبد الله السناوي.. رئيس تحرير العربي، وتولى بعدها د. غنيم إبلاغه بالفكرة، كمرشح تغيير، وتشجيعه على قبولها. غير أن اسم البرادعي اكتسب فاعلية أكبر مع أول مشاركة "علنية" لرجل دولة، بدون ألف ولام تعريف الدولة، بحجم (هيكل) فى جدل ما بعد مبارك، بالمصري اليوم.. 20 أكتوبر الماضي، كثاني مُرشح لعضوية مجلس أمناء مُقترح لفترة إنتقالية.. يلي اسم عمرو موسى. في نفس توقيت إشهار مشروع هيكل، كان أول تلميح من عمرو موسى، رجل الدولة، بإستعداده للمنافسة على الرئاسة في حوار مع (الشروق).
"تزامن" قرأه البعض "صدفة محضة"، ورأه أخرون تعبيراً عن بلوغ قلق قطاعات بالدولة مداه من تردي أوضاعها. فالأول ليس فاعلاً فيها الآن.. لكنه "شريك" في التفكير والتخطيط لتأسيس أخر تجلياتها قوة، والثاني جزءً منها ويدها في المنظومة القومية. والبرادعي، مع الدوائر الشعبية المحيطة به، ظل جزءً من دولاب خارجيتها لسنوات. "صدفة التزامن" تكررت مع حسم البرادعي موقفه في حوار مع الشروق.. وإنتقال عمرو هذه المرة للحديث مع المصري اليوم، 23 ديسمبر الماضي، مشدداً على أن طريق الرئاسة مُغلق حال ترشح الأب.. "لكن" إذا تقدم الابن "ماينفعش نكون مجرد مشاهدين". بعدها تواترت تصريحات رموز الحزب الحاكم بأن الأب هو مرشح الحزب للرئاسة.
للأسماء الثلاثة علاقة وثيقة، تاريخية أو آنية، بالدولة المصرية. البعض لا يتصور، مثلاً، ان عمرو تحرك منفرداً.. بعيداً عن قطاع ما منها لتحديد "سياق الإلتزام بالشرعية"، في ظل "قلق عام" من مؤشرات تفكك بُنى الدولة العريقة.. و"شوق عام" لتجاوز نفق دخلته لأكثر من ثلاثة عقود. هل كانت "ماينفعش" عمرو رسالة من قطاع ما في الدولة؟، ربما. فعمرو تراجع عن "تلميحات المنافسة" بعد "تطمينات" قيادات الحزب بخروج (جمال) من المنافسة، ولو مؤقتاً، ليقتصر المشهد على البرادعي، لكن عمرو سرعان ما إنتقل إلى "تلميحات التأييد" بإستقباله البرادعي في مقره الرسمي.
للكاتب المصري (مصطفى الحسيني) مقال فريد عن موقف "تنوعات" الكتلة الصلبة من مُرشحي الخلافة، كتبه قبل زخم البرادعي في (النهار) اللبنانية. لكن أخرون يرون أن القضية لم تعد أسماء تترشح، بل حالة عامة تستعيد أفكار مثل مجلس.. أُمناء أو حكم إنتقالي، كما طرح الراحل محمد السيد سعيد، وفي كلاهما تقف الكتلة الصلبة داعمة له.
لا أحد يملك معلومات حاسمة، لكن البديهي أن سيناريوهات ما بعد مبارك.. نشط النقاش حولها وتبلورت أكثر بعد 5 مارس. فالدولة العريقة لن تشهد أي فوضى، وتدخل كتلتها الصلبة ستحكمه تداعيات زخم مطالب التغيير الشامل.. حول البرادعي، أو مع موجة حراك أخرى تليه.
العربي
الأحد 21 مارس 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق