الجمعة، 19 مارس 2010

في عيد الشباب التونسيّ : الحكومة أمام خيارين


إسماعيل دبارة

تستعدّ الأوساط الرسمية للاحتفال يوم 21 مارس الجاري بعيد الشباب ، ومن المنتظر أن يقترن هذا العيد بسلسلة من الإجراءات التي يغلب عليها الطابع الدعائيّ والروتينيّ للبرهنة على "أهمية الشباب في بناء الدولة الحديثة ورفع التحديات" كما يردّد الفريق الحاكم في كل مناسبة من هذا القبيل.

وتستغلّ الحكومة هذه المناسبة عادة لـ"التباهي" والدعاية لما تحقّق لفائدة الشباب التونسيّ من مكتسبات وانجازات طيلة السنوات الماضية.

وتضلّ" الاستشارات الشبابية" التي تشرف عليها الحكومة محطّ أنظار المسؤولين في كلّ سنة بالرغم من أنها لم تخرج هي الأخرى عن السياق الدعائيّ الممجوج الذي لا نتلمّس فيه إرادة حقيقية لحلّ مشاكل الشباب التونسي المتراكمة يوما بعد يوم ، ولعلّ أبرزها البطالة وضعف الإقبال على العمل السياسي والجمعياتي و "غزو" الأفكار الأصولية المتشددة والاتجار بالمخدرات و الممنوعات والهجرة السرية وانتشار استعمال العنف المادّي و اللفظيّ وشغب الملاعب ...إلخ.

سياسيا ، لا يزال الشاب التونسيّ عازفا – حسب البيانات الرسمية ذاتها – عن العمل السياسي والانخراط في الأحزاب والاهتمام بالشأن العام ،و يتواصل حرمان الشبان من أبسط حقوقهم في التعبير والتفكير والانتخاب والتجمع والتظاهر في مناخ سياسيّ وحقوقيّ عام تنعدم فيه أبسط الحريات الفردية والعامة ويعاقب فيه الشباب بالسجون والتعذيب والهرسلة الأمنية المتواصلة (الطلبة النقابيين، المحكمون في قضايا "الإرهاب"، المعطلون إلخ)،

ولا تتسامح الحكومة مع الشباب الراغب في ممارسة نشاط سياسيّ أو نقابيّ أو حقوقيّ مستقلّ عن الحزب الحاكم ، ولعلّ أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس والمحاكمات المتكررة التي تستهدف كوادره خير دليل على ما نقول .وتواصل الحكومة حرمان الشباب من المشاركة الفعلية في مختلف مجالات الحياة السياسية لاسيما صياغة القرارات المصيرية التي تهمه بشكل مباشر كقضية التعليم والتشغيل،و البيداغوجيا ومُمثليه في الكليات.

وما يزيد وضع الشباب التونسيّ سوءا وتعقيدا ، هو بلا ريب تصلب الحكم ونهجه الاقصائيّ ورفضه إشراك الفاعلين السياسيين في بلورة استراتجيا شاملة تضع حلولا قابلة للتطبيق لإنقاذ الشباب مما هو فيه ، بل نلمس إصرارا من طرف الحكم على عدم الاعتراف الصريح والشجاع بفشل خياراته والإقرار بأزمة التشغيل وتزايد البطالة واليأس في صفوف الشباب الذي يعتبر المتضرر الأول من البطالة المتفاقمة والتي تجاوزت نصف مليون عاطل عن العمل معظمهم من الشباب وحملة الشهائد العليا. بل على العكس تحاول الحكومة في كل مناسبة التلاعب بالأرقام وطرح مجموعة من الحلول الترقيعية و(المسكّنات) التي لا تصمد أمام هول المشاكل وارتفاع حدتها وخطورتها وتأثيراتها.

ويبدو أنّ ما غاب عن الحكومة إلى حدّ الآن هو الحقيقة التي تقول إنّ البحث عن بدائل حقيقية تعالج فيها أغلب مشاكل الشباب يتطلب لزاما فتح حوار وطني صريح تساهم فيه كل مكونات المجتمع المدني المستقلة دون إقصاء أو تهميش أو إبعاد ، فالحكومة اليوم وبعد هذه السنوات الطويلة من الفشل تبدو اعجز عن إيجاد الحلول بمفردها لمشاكل تعقدت وصارت تنبأ بالخطر المحدق ليس على فئة الشباب فحسب ، بل على عموم شرائح المجتمع.

والحكومة في عيد الشباب لهذه السنة ستجد نفسها ضرورة أمام خيارين ، خيار الإصلاح والمشاركة وتحمّل المسؤوليات مع بقية الفاعلين السياسيين لتحسين أوضاع الشباب و القطع مع الحلول الترقيعية والأمنية، أو مواصلة نهج التصلب وإقصاء الشباب و ترويعه بالأمن والقضاء والسجون ، وحينها سيتحمّل الطرف الحاكم لوحده تبعات هذا النهج المنافي لروح العصر ، فالشباب فئة ترنو نحو التمرّد وشقّ عصا الطاعة ، ولا نعتقد أن الجرة ستسلم في كلّ مرة ، بل إن التصلبّ يولّد الانفجار وهذا ما تتجاهله الحكومة باستمرار بالرغم من أن بوادر الانفجار تلوح في الأفق وما أحداث "سليمان" الدمويّة و انتفاضة شباب المناجم وغيرها سوى نتائج طبيعية لذلك التصلب الذي بلغ حدا لا ينبئ بالخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق