الجمعة، 26 مارس 2010

ماذا يريد العراقيون من قمة سيرت


د . خالد المعيني
    • محركات العنف في العراق
    • القمم وذاكرة العراق الأليمة
    • مقترحات عراقية أمام القمة
    لاشك إن العرب اليوم قد أدركوا وسيدركون حجم الخلل الذي أصاب منظومة الأمن القومي العربي من خلال خسارة العراق كحجر زاوية في معادلة توازن القوة  في المنطقة وقد أغرى الكثير من القوى الإقليمية الطامعة لمد نفوذها أبعد من العراق  ، ويجعل من إستمرار حالة بالتغافل واللامبالاة جراء ما يجري في العراق وما ستؤول إليه الأمور أشبه بالانتحار البطيء الذي سيطرق أبواب الكثير من العواصم العربية ما لم يتنادى العرب اليوم في قمتهم إلى وضع حد لهذا التداعي والعمل الجاد والواضح على إعادة العراق إلى رحمه العربي ليكون عراقا عربيا مستقلا قويا ويقوم بوظيفته التاريخية كمانع ديمغرافي وسياسي وعسكري ضد الأطماع والاندفاعات الإقليمية إلى العمق العربي وليكون ذخرا ماديا وبشريا لإخوته في الملمات .
   لقد ورد في البيان الختامي لقمة قطر العربية الحادية والعشرين في مارس آذار 2009 النص التالي بخصوص العراق : ( نجدد التزامنا باحترام وحدة العراق وسيادته واستقلاله وهويته العربية والإسلامية ، ودعمنا للمسار السياسي الذي يرتكز على المشاركة الكاملة لمختلف مكونات الشعب العراقي .... ). 
     وعند تفكيك النص أعلاه تتضح مدى عمومية الموقف العربي الرسمي من قضية العراق وضبابيته ، وخاصة الشق المتعلق " بهوية العراق العربية واستقلاله " فواقع الحال يشير إلى إن عروبة العراق قد تم طمسها سواء في نص الدستور الحالي الذي يمثل الوثيقة القانونية الأسمى في النظام السياسي الحالي ، أو من خلال المناهج التدريسية الجديدة ، كما إن العراق على الارض لا يزال محتلا من قبل قوات الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من 250 ألف جندي ومرتزق ، وهذه الحقائق يجب عدم إغفالها من قبل جامعة الدول العربية ، واعتبارها  خطا أحمرا عند التعاطي مع مسألة تمثيل العراق فكيف يمثل العراق من لا يعترف أصلا بعروبته ؟  . 
محركات العنف في العراق
   نشأت عقب الاحتلال بؤر ومحركات مستديمة للعنف وعدم الاستقرار في العراق ولا تزال هذه البؤر تقف خلف جريمة قتل العراقيين المستمرة الامر الذي سيترك أثرا سلبيا في الذاكرة الوطنية للشعب العراقي في مدى مصداقية مفهوم العروبة وقيمة الالتزامات إذا كان هذا الشعب يذبح يوميا وسط تفرج أشقائه وعدم اكتراثهم بل ومشاركة البعض منهم في هذه الجريمة .
    إن الحديث عن استقرار العراق والمنطقة يبقى من التمنيات ما لم يوضع حل جذري ويجري التعامل الجدي مع هذه البؤر ، البؤرة الأولى تتمثل باستمرار حالة الاحتلال والتواجد الأجنبي على أرض العراق بغض النظر والمسميات والأشكال الوهمية التي تتخذها هذه الحالة ( سلطة ائتلاف ، قوات متعددة جنسية ، اتفاقية أمنية ) والتي يعمل بها طبقا لمقتضيات مصلحة مشروع الاحتلال وأهدافه وليس لمقتضيات سيادة واستقلال ومصالح الشعب العراقي. البؤرة الثانية تتمثل في وجود عملية سياسية تم تأسيسها من قبل الاحتلال ، تقوم على أخطر مبدأ وهو مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية التي تم تكريسها في كافة مفاصل هذه العملية إبتداءا من الدستور وآلية تشكيل القوات المسلحة والبرلمان والوزارات ، وهذه العملية مصممة على تجزئة العراق وتحويله إلى كيانات ضعيفة وهزيلة متناحرة على السلطة والثروة ، والأخطر فإن هذه العملية السياسية تلغي هوية العراق العربية كما ورد في المادة (3 ) من الباب الأول في الدستور الخاص بالمبادئ الأساسية والتي تعرف العراق على إنه " بلد القوميات والأديان والمذاهب ".  وعندما ترد مثل هذه المادة  في بنود دستور دائمي غير قابل للتعديل فإن ذلك بالتأكيد لم يكن سهوا أو إعتباطيا ، بل إن المشرع قد تعمد تشويه هوية العراق العربية بما يضمن تشظي ولاءات أجياله القادمة من خلال تغييب عقيدته القومية وتحقيق أحد أهم أهداف الاحتلال وهو إخراج العراق كقوة عربية متوازنة ماديا وبشريا من معادلة الصراع العربي الصهيوني
القمم وذاكرة العراق الأليمة
   حفرت بعض المشاهد المؤلمة في الذاكرة الوطنية للشعب العراقي حول تجاهل الوضع في العراق ، يتقدم هذه المشاهد تساؤلا كبيرا للشعب العراقي نضعه أمام أنظار القمة العربية, لماذا تحمست الجامعة العربية في إدانة العراق عند احتلاله للكويت, بل إن بعض الدول العربية ضالعة في الهجوم عليه تحت صخب الشرعية الدولية والقانون الدولي , في حين تلوذ هذه الجامعة والنظام الرسمي بالصمت منذ سبع سنين إزاء جريمة غزو مستوفية لشروط العدوان طبقا للقانون الدولي راح ضحيتها أكثر من مليون شهيد ومليوني جريح وملايين الايتام والارامل وملايين المشردين وسط إستباحة كاملة لسيادة العراق وثرواته وإستقلاله . والأدهى من ذلك فأن هذه الجامعة تحاول التطبيع والتعامل مع حكومة الاحتلال كأمر واقع متناسية واجباتها الأساسية طبقا لميثاقها ونظامها الداخلي تجاه ملايين من الشعب العراقي ومتجاهلة حالة الاحتلال ، وكأنها بهذا الفعل تذكر العراقيين بموقف هذه الجامعة المؤلم عندما تبنت قرارا مترجما عن الانكليزية والتصويت لأول مرة في هذا القرار بالأغلبية وليس بالإجماع على إدانة العراق لاحتلاله دولة الكويت قبل إعطاء فرصة للقادة العرب لحل القضية عربيا ، وقد أعطت بذلك الضوء الأخضر كمنظمة إقليمية لمجلس الأمن لشن الحرب عام 1991 وتدمير الشعب العراقي وحصاره لمدة ثلاثة عشر عاما .
 يتسائل العراقيون عن طلب القمة العربية وتعهد أمين عام جامعة الدول العربية عقد مؤتمر للقمة العربية القادم 2011 في بغداد, كيف ستطأ أقدام القادة العرب العراق وهو يرزح تحت حراب المحتل في حين واجبهم الاساسي مساعدة أحرار العراق على تحرير هذه الأرض ، وكيف يمكن عقد قمة عربية على أرض ناهيك عن نظامها السياسي وطبقتها الحاكمة طبقا للدستور لا يعترف أصلا بهوية العراق العربية في دستوره
مقترحات عراقية أمام القمة
أولا - تحتاج الدول العربية لتحسين شروط دخولها إلى الملف العراقي في هذه القمة والذي يتصادف مع متغيرات أقليمية ودولية مناسبة نتيجة تدهور أوضاع أيران الداخلية والخارجية ، وإنحسار الدور الامريكي نتيجة الخسائر الباهضة التي تكبدتها في العراق وأفغانستان ، من خلال رعاية أطراف وركائز الحركة الوطنية العراقية المتمثلة بالقوى والهيئات والفصائل والأحزاب والشخصيات الوطنية المناهضة والمقاومة للاحتلال الأمريكي ومشروعه السياسي في العراق, بغية سماعها وتوحيد تصوراتها ورؤاها السياسية , وذلك من خلال تبني لقاءات ومؤتمرات علنية تحت قبة ورعاية النظام الرسمي العربي, فمن باب أولى بعد اعتراف إدارة الاحتلال الأمريكي ببعض الفصائل المسلحة وتوقيع بروتوكول رسمي معها برعاية تركية أن تغادر الدول العربية حالة الخجل والخوف وتستقبل علنا رموز الحركة الوطنية العراقية ودعمها على الأقل من الناحية الاعتبارية , وذلك للمناورة والضغط على الحكومة العراقية من جهة وتعزيز التواجد الفعلي العربي على الأرض من جهة أخرى ، ويمكن بهذا الصدد استقبال وفد من هذه القوى إلى قمة سيرت بصفة مراقب ، أو على الاقل أن يقع الاختيار على شخصية عراقية وطنية تحظى بإجماع ورضا وقبول معظم هذه الأطراف ولديها ثقل إقليمي وعربي وإسلامي والاهم من ذلك ليس لديها طموح أو طمع بالسلطة تلك هي شخصية الشيخ الدكتور حارث الضاري ذات الارث التاريخي والوطني العميق .
  ثانيا من المتوقع تماما كما حصل إبان انتخاب حكومة المالكي قبل أربع سنوات لجوء حكومة الاحتلال الخامسة إلى المنظومة العربية لرعاية جولة قادمة من المصالحة, وبهذا الخصوص يمكن الاعتماد على قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1770 في 10/8/2007 الذي سحب بموجبه ملفات المصالحة الوطنية وإعادة النظر بالدستور العراقي المادة(3,1) وهي قضايا خلافية رئيسية , وجعلها من صلاحية مجلس الأمن الدولي وذلك بعد فشل وعجز حكومات الاحتلال المتعاقبة من حل هذين الملفين اللذان يشكلان أساس أي حل في العراق بالإضافة طبعا إلى إنهاء الاحتلال الأجنبي وهذا الأمر يشكل مدخلا مهما وقانونيا لجامعة الدول العربية في المساهمة بحل الأمور, على أن تكون هناك ضمانات وليس كما حصل في مؤتمر جامعة الدول العربية للمصالحة عام 2005 – 2006 عندما نكثت الحكومة العراقية بوعودها وتنصلت جامعة الدول العربية عن ضماناتها لنتائج هذا المؤتمر.
ثالثا - يمكن المطالبة عبر جامعة الدول العربية والتي يعد العراق عضوا مؤسسا فيه بتشكيل لجان قانونية لمساعدة الشعب العراقي الذي لا يزال تحت الاحتلال الأمريكي للتحقيق في :
- خلفية العدوان على العراق ومدى شرعيتها وشرعية التعامل مع إفرازاتها السياسية والدبلوماسية طبقا للقانون الدولي .
- جرائم الإبادة البشرية التي طالت أكثر من مليون عراقي ومليوني جريح وملايين المشردين إضافة إلى سرقة ونهب آثاره الإنسانية وثرواته النفطية .
- انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية بحق سجناء وأسرى سجن أبو غريب وبقية السجون والمطالبة بإطلاق سراح ربع مليون عراقي وتعويضهم طبقا للقانون الدولي .
- خرق اتفاقيات جنيف وقيام قوات الاحتلال الأمريكي بإعدام أسرى حرب وفي مقدمتهم الرئيس الشرعي للعراق .
  - تصفية واغتيال آلاف العلماء والأساتذة العراقيين في اختصاصات الطب والهندسة والذرة, ويتعرض الذين افلتوا من التصفية إلى اغتيال من نوع آخر وهو قتلهم علميا من خلال إهمالهم في المنافي.
   رابعا - من دواعي وفاء العرب لأبناء العراق وتضحياتهم ودمائهم التي طالما سفحت دفاعا عن ثرى الكثير من عواصم العرب ، أن ينتخي اليوم قادة العرب للعراق  وعلى أقل تقدير أن يراعوا ملايين الأيتام والأرامل ويحافظوا على خبراء وعلماء وكفاءات العراق . وأن يشكلوا لهذا الغرض صندوقا ماليا لدعم ملايين العراقيين المشردين في المهجر والمنافي ، كما يمكن إستصدار قرار لحسم نسبة من واردات العراق في صندوق خاص بإشراف مفوضية اللاجئين وتوزيعها على المهجرين بالتنسيق مع سوريا والاردن الدولتين اللتين تحملتا الامرين بصمت مأساة العراقيين في وقت تنهب فيه ثروات العراق من قبل الاحتلال وحكوماته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق