الجمعة، 26 مارس 2010

عندما ندمر التعليم الجامعي بأنفسنا!


ا.د. محمد اسحق الريفي
الجهل أشد فتكاً بالتعليم الجامعي من الصواريخ التي دك بها العدو الصهيوني عدداً من المباني الجامعية خلال حربه الأخيرة على غزة، فبينما استهدفت تلك الصواريخ مباني المختبرات العلمية؛ لضعضعة البحث العلمي، فإن الجهل يستهدف بناء الإنسان الفلسطيني؛ عبر استهداف عقله مباشرة والحد من قدرته على التفكير.
فمع الأسف الشديد، هناك ممارسات خطيرة تمارس في بيئات التعليم الجامعي في غزة، فتؤدي بقصد أو بغير قصد إلى تدمير التعليم وتحويله إلى مجرد وسيلة للحصول على شهادات جامعية؛ ليتمكن صاحبها من الحصول على وظيفة وراتب شهري، دون أن يكون مؤهلاً تأهيلاً أكاديمياً حقيقياً للوظيفة.  وتنم تلك الممارسات على استهتار بجملة مهمة من القيم والمبادئ الضرورية لبناء الإنسان بناء صحيحاً متكاملاً يؤهله للعطاء، ويجعله يصمد أمام المغريات والتحديات الكبيرة؛ ليأخذ مكانه في مسيرة النهوض والبناء.  وتنم تلك الممارسات أيضاً على جهل كبير، ليس فقط بالتعليم الجامعي ومعاييره، بل أيضاً بدور التعليم الجامعي في بناء الإنسان وتنمية المجتمع والارتقاء به وتطويره.
فإذا لم يتعلم الطالب في الجامعة أنماط التفكير، وإستراتيجيات التعلم المستمر، وأساليب البحث العلمي، وتحمل المسؤولية، والاعتماد على الذات؛ في الحصول على المعرفة والوصول إلى المعلومة والحقيقة، فما الغاية من إضاعة مدة مهمة من حياة الطالب بين أسوار الجامعة وعلى مقاعد الدراسة؛ يقضيها في الحفظ والتلقي والتلقين، دون تنمية لقدرات العقل على الفهم والتفكير والإبداع ومواجهة المشكلات وحلها بطريقة علمية؟
تشمل الممارسات التي نحن بصددها: بيع حلول التعيينات الجامعية (أو الواجبات) للطلاب، وبيع حلول أسئلة بعض مساقات الرياضيات والفيزياء والهندسة للطلاب أو توزيعها عليهم مجاناً، بيع الأبحاث والمشاريع الجامعية الجاهزة للطلاب وخصوصاً في حقل تكنولوجيا المعلومات أو القيام بها نيابة عنهم مقابل المال، نسخ الأساتذة للخطط الدراسية للمساقات من مواقع لجامعات غربية عبر الإنترنت دون الالتزام بمضمونها أو مراعاة اختلاف البيئة التعليمية والإمكانات الجامعية...
والمصيبة أن بعض الجهات الطلابية وجهات أخرى تحظى بغطاء تنظيمي هي التي تتولى مهمة بيع حلول التعيينات على الطلاب الجامعيين، والتي ينال مقابلها الطالب نسبة كبيرة من درجات المساق، وذلك بهدف الكسب أحياناً أو التقرب من الطلاب واستقطابهم حزبياً أحياناً أخرى.  ووصل الأمر ببعض الجهات الطلابية إلى إتاحة حلول التعيينات الجامعية في كافة المساقات للطلاب عبر مواقع الإنترنت الخاصة بهذه الجهات.  وهذا تدمير للعقل وللتعليم الجامعي والمجتمع والأمة، علاوة على أنه غش منهي عنه شرعاً وقانوناً.
أما بالنسبة لحلول أسئلة المساقات العلمية والهندسية؛ فمعروف عالمياً أن هذه الحلول تحجب عن الطالب، ولا توزعها دور النشر إلا بطلب رسمي من الجامعات على الأساتذة الجامعيين فقط دون الطلاب؛ لأن إتاحة حلول الأسئلة للطالب يخدر عقله ويمنعه من التفكير، ويجعله مجرد وعاء لمعرفة لحظية سرعان ما تتبخر، وليس منتجاً لمعرفة أو مهارات حقيقية مستديمة، ويعيق لحد بعيد قدرته على كل مهارات التفكير وأنماطها وخصوصاً التفكير الإبداعي.  ولهذا فمن المستهجن جداً أن تتولى جهات رسمية طلابية توزيع هذه الحلول على الطلاب وترويجها في الجامعة دون أن ينتبه القائمون على العملية الأكاديمية.
والمصيبة الأكبر؛ أن هناك جهات مختصة ببيع الأبحاث الجاهزة والمشاريع التي تشكل جزءاً مهماً من متطلبات النجاح في المساقات الجامعية وإتمام متطلبات الدرجة الجامعية، وأحياناً يلجأ بعض الطلاب إلى سرقة المشاريع من مواقع الإنترنت، لتتحول الجامعات إلى وسيلة للحصول على الوظيفة والراتب على حساب المجتمع والشعب، حيث ينعكس هذا الخرق الكبير في التعليم الجامعي على التعليم في المدارس، فيصل الطالب إلى الجامعة ضعيفاً، ليبدأ في البحث عن طرق النجاح في المساقات دون تحصيل العلم والمعرفة، ودون اكتساب للمهارات وتنمية القدرات؛ ليعود معلماً أجوفاً إلى المدارس، وهكذا تستمر عملية التجهيل والهدم والتدمير.
وأخيراً؛ تدل تلك الممارسات الخطيرة على أن الاهتمام بجودة التعليم هو اهتمام شكلي فقط؛ لأن العملية الأكاديمية تفتقد إلى المتابعة والرقابة.  فقد يضع الأستاذ خطة للمساق، وغالباً ينسخه من مواقع جامعات أخرى، ولكنه لا يتبع هذه الخطة، ولا توجد آلية لمتابعة مدى التزام الأستاذ بخطته، ولا توجد آلية لمتابعة تقارير نهاية الفصل؛ إن وجدت، ولحل المشاكل والتحديات التي يواجهها الأستاذ وطلابه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق