الجمعة، 26 مارس 2010

القدس بركان يغلي


بقلم: د. فوزي الأسمر

وصلتني  قبل فترة رسالة الكترونية من شخص تحمل نتيجة دراسة تقول، أن عدد المسلمين في العالم يصل إلى مليار ونصف المليار إنسان. وأجبت على تلك الرسالة بجملة قلت فيها: "ليذهبوا لتحرير الأقصى". ورد عليّ ذلك الشخص برسالة غاضبة. وقد كان ردي نابع عن قناعة بأن الدول الإسلامية لن تفعل أكثر من إطلاق التصريحات، وكتابة بيانات تدين فيهما "بشدة" الاعتداء الإسرائيلي على حرمة المسجد الأقصى كما عهدناها دائما.
كما أنني لا أعتقد أنه يجب أن يكون البُعد الديني أساسا في المطالبة بحقنا في القدس، على الرغم من قدسيتها، ويجب أن لا نحول الصراع إلى صراع ديني، بل يجب أن نبقيه صراعا قوميا يحمل كل مقومات الحقوق القومية العربية مثلها مثل كل بقعة من أرض فلسطين.
فإسرائيل تعمل جاهدة على تحويل هذا الصراع إلى صراع ديني لأسباب تتعلق بإستراتجيتها الصهيونية والعالمية، ففي مثل هذه الحالة سيكون لها اليد العليا في هذه المعركة، لأنها ستحصل على دعم من المنظمات المسيحية الصهيونية، ذات التـأثير الكبير على الرأي العام المسيحي، خصوصا في الولايات المتحدة، هذه المنظمات التي تعتقد أن أرض فلسطين منحها الله لليهود. حسب ما جاء في التوراة، فهذه المنظمات الصهيونية المسيحية تتبنى ما جاء في العهد القديم بدون تساؤل أو استجواب.
وسبب آخر هو أنها بتجسيد الصراع على أنه صراع ديني، فإن إسرائيل ستحصل على دعم اليهود خارج إسرائيل، والذين ينتمون لقوميات مختلفة ولكن يجمعهم الدين، والقدس في عرفهم مكان يصلون له كل صباح بقولهم "السنة القادمة في القدس" والمعنى هو الحج إلى القدس وليس السكنى في القدس كما تفسيره الصهيونية.
وهنا يأتي المزج الإسرائيلي بين الدين والسياسة، والذي عبر عنه بنيامين نتنياهو في خطابه أمام منظمة "ايباك" (23/3/2010) عندما قال: لقد بنى اليهود القدس قبل ثلاثة آلاف سنة وهم مستمرون ببنائها اليوم. وأضاف أن إسرائيل لا تبني "مستوطنات" في القدس، فالقدس ليست مستوطنة. وأكد أن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل الأبدية.
ولهذا السبب خصص نتنياهو جل خطابه عن القدس، بل كان ذلك مخطط صهيوني، فقد دوى التصفيق في القاعة كلما ذكر نتنياهو إسم القدس، وأشارت إلى هذه الظاهرة صحيفة "يدعوت أحرونوت" (22/3/2010) قبل أن يلقي نتنياهو خطابه بيوم واحد بمعنى أنها كانت عملية مدروسة مسبقا. وأن هذا التصفيق كان هدفه إشارة إلى موافقة الجالية اليهودية الأمريكية على موقف حكومة اليمين المتطرف بالنسبة للقدس.
كما كان التصفيق  بمثابة إشارة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأن يكون مستعدا أثناء لقائه مع نتنياهو بأنه سيشير إلى دعم يهود أمريكا لموقفه، وهو موقف يأخذه كل رئيس أمريكي بحسابه، وعن عدم تنازل إسرائيل عن مسيرة بناء المستعمرات اليهودية والوحدات السكنية في القدس المحتلة.
ولكن هناك حقائق تاريخية حديثة يعرفها كل من درس وضع القدس، بما فيهم الرئيس أوباما، ويجب أن توضع نصب أعيوننا، وهي أنه لم يحصل أي اعتراف من أية دولة في العالم بالقدس عاصمة إسرائيل بعد قيام هذه الدولة  في عام 1948، وكل السفارات الأجنبية موجودة  اليوم في تل ـــ أبيب.
كما لم تعترف أية دولة  بضم شرقي القدس إلى إسرائيل في أعقاب حرب عام 1967، ولم يعترف العالم بوحدة المدينة  تحت الحكم الإسرائيلي، ولا بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. وفي كل هذه الحالات لم تعترف الأمم المتحدة بهذا الواقع أيضا.
فإذن كل ما تحاول حكومة إسرائيل الحالية عمله الآن، هو فرض هذا الواقع على العالم، فقد أقحمت القدس في هذا الصراع بعد أن كانت كل الحكومات الإسرائيلية السابقة تحاول أن تناقش موضع المدينة في المرحلة الأخيرة من المفاوضات، مع حق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
فاليمين الإسرائيلي الحاكم (بما في ذلك حزب العمل) يرى أن الانتصار في معركة القدس، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تنفيذ المآرب الصهيونية  في الصراع الدائر، ويؤدي إلى تدجين الفلسطينيين وإجبارهم على قبول الأمر الواقع. إضافة إلى أن هذا اليمين يحاول أن يضم لرصيده السياسي أنه هو الذي أجبر العالم على الاعتراف بيهودية القدس الموحدة كعاصمة أزلية لإسرائيل.
كما أن مثل هذه الانتصار سيكون له أبعاد على سيطرة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، بعد أن تكون قد حطمت مواقف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بالنسبة للقدس وبناء المستعمرات اليهودية على أراضيها.
طبعا هذا هو التفكير الإسرائيلي، الذي يستشف من المقالات المكثفة التي تنشرها الصحف الإسرائيلية للمحللين السياسيين.وسيكون هذا نهاية المطاف إذا لم تقم الدول العربية بوضع إستراتيجية معاكسة، تشمل حملة إعلامية واسعة خصوصا في الولايات المتحدة.
ففي مقدرة العرب أن يضعوا ضغطا حقيقيا على أمريكا الشمالية والدول الأوروبية، وتجنيد دول عدم الانحياز والدول الأفريقية والأمريكيتين، الجنوبية واللاتينية لوضع حد للغطرسة الإسرائيلية، هذا إذا كانت هناك نية عمل جدي لدى هذه الدول
وإصرار حكومة إسرائيل على وضع قضية القدس، وقضية الحدود النهائية على الطاولة أمام العرب وأمام أوروبا والولايات المتحدة، بل وأمام الرأي العام العالمي هو إستراتيجية مدروسة
فالرئيس الأمريكي أوباما قال كلمته أنه يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، هو مصمم على ذلك كما تبين من خطبه وتصريحاته المتكررة حول هذا الموضوع. والآن، وبعد أن خطى خطوة تاريخية كبيرة بتوقيعه على قانون العناية الصحية، وارتفاع شعبيته في استطلاعات الرأي العام الأمريكي، فإن في مقدوره التقدم أكثر من خطوة في اتجاه الحل العادل للقضية الفلسطينية.
ولكن هذا لن يحدث بدون موقف عربي قوي وإستراتيجية عربية نافذة. فرغم كل تصريحات التأييد لإسرائيل من الرسميين الأمريكيين، إلا أن رجال السياسة، والعسكريين الأمريكيين بدأوا يشعرون بتضارب المصالح بين واشنطن وتل ــ أبيب، وهذا مفتاح  يجب على الدول العربية وقادتها أن يستغلونه، وهي فرصة نادرة قد لا تسنح لهم مرة أخرى. فالتحدث عن الحق أمر غير كاف، طالما لا توجد قوة تسنده.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق