السبت، 20 مارس 2010

التبشير المسيحيّ مرتديا عباءة العمل الخيريّ


 عبد الكريم بن حميدة
قامت السلطات المغربيّة مؤخّرا بطرد عدد من المبشّرين الأجانب الذين يستهدفون أطفالا قالت وزارة الداخليّة المغربيّة إنّهم لا يتجاوزون العاشرة من العمر..
وفي ديسمبر 2009 طرد المغرب خمسة أجانب، اثنان من جنوب إفريقيا واثنان من سويسرا وواحد من جواتيمالا، لنفس المبررات...
وفي الخامس من فيفري أعلنت سلطات الرباط طرد مبشّر أمريكيّ مؤكّدة أنّه "ضُبط وهو يرتكب مخالفة التبشير بالمسيحيّة".
لا عجب في الأمر، فالكلّ يمارس العمل الخيريّ.. ويتدثّر بردائه.. وينشط تحت غطائه.
أولئك المطرودون كانوا مسؤولين ومقيمين في مؤسّسة تعنى باليتامى في بلدية عين اللوح بولاية إفران.. وهكذا يكون العمل الخيريّ، إذ يركّز على المناطق الفقيرة والمعدمة أحيانا، فيتمّ استغلال فقر بعض العائلات.. وتبدأ الأنشطة الخيريّة بدوافع "إنسانيّة"، فيقدَّم الطعام واللباس والهدايا.. ثمّ الكتاب المقدّس والمنشورات والأقراص المدمجة!!
إنّ المغرب الأقصى ليس استثناء.. قد تكون الأنشطة التبشيريّة أكثر حدّة هناك بسبب الصعوبات الاقتصاديّة. لكنّ هؤلاء المبشّرين يمارسون أنشطتهم في أغلب الأقطار العربيّة والإسلاميّة، ويستهدفون ضرب العقيدة، واستقطاب مزيد من المسلمين إلى ديانتهم. وهم لا يتوقّفون عن فعل ذلك رغم أنّهم يدركون أنّ القوانين السارية في معظم بلاد المسلمين تمنع مثل هذه النشاطات وتعدّها جريمة يعاقَب مرتكبوها.
ونحن أيضا في تونس نحتاج إلى إعلان رسميّ دقيق وواضح عن حجم حركة التبشير المسيحيّ ومداها ومخاطرها على النسيج الاجتماعيّ والوحدة الوطنيّة التي كان للإسلام دور أساسيّ في الحفاظ على تماسكها وبقائها. ذلك أنّنا نفخر دائما بأنّنا استطعنا في بلادنا أن نصهر كلّ أشكال التنوّع ومصادره الثقافيّة والحضاريّة في نسيج متماسك متناغم ينأى بنا عن الهزّات والصراعات التي اكتوت بها أقطار عربيّة كثيرة، بل إنّنا نعتقد دائما أنّ هذا الموروث الحضاريّ المتنوّع هو الذي أتاح لنا هذا القدر الهائل من التسامح والتعاطي مع الآخرين بكثير من الانفتاح والتعقّل
 والحكمة.
على أنّ التسامح الذي نقصده ليس ذاك الذي يقود إلى التفريط في ثوابتنا أو جوهر عقيدتنا، إذ أنّ صيانة القيم الدينيّة وتثبيت أسس العقيدة يقفان على رأس هذا التسامح، بل قبله. وإنّ الذين يدعوننا إلى إلغاء القوانين المجرّمة للتبشير أيّا كان شكله لأنّها تتناقض في رأيهم مع حقوق الإنسان وحرّيّة المعتقد إنّما يطالبوننا بأن نتخلّى عن عنصر من عناصر تثبيت هويّتنا وتعزيز انتمائنا. بل إنّهم يريدون منّا أن نكون لهم عونا في تدمير وحدتنا الوطنيّة وتهيئة الأسباب للتدخلات الخارجيّة مستقبلا.
لماذا يصرّ كثيرون حتّى من أبناء جلدتنا على نعتنا بالانغلاق والتحجّر وغياب تقاليد الحرّيّة والديمقراطيّة في موروثنا الفكريّ والحضاريّ، ويدعوننا إلى الأخذ بالنموذج الغربيّ والاقتداء به لضمان حقوق الإنسان وكرامته، ثمّ لا يجدون حرجا في الدفاع عن الاستفتاء السويسريّ الشهير بمنع بناء المآذن؟ وكيف يطلبون منّا أن نتعامل مع حركة التبشير بأقصى درجات التسامح، في حين أنّ كثيرا من المسلمين في بلاد الغرب كانوا يتواروْن بعقيدتهم وشعائرهم خوفا من الملاحقات والتضييقات الرسميّة والشعبيّة لا سيّما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؟
إنّنا نعتقد أنّ الأنشطة التبشيريّة المتنامية في البلاد العربيّة إنّما تستهدف خلق أقلّيّات مسيحيّة تبرّر التدخّل الخارجيّ مستقبلا بذريعة حمايتها من بطش السلطات القائمة حتّى إن كانت تلك السلطات علمانيّة. وهي في ذلك تلتقي مع مجمل التحرّكات الاستعماريّة المشبوهة التي تسعى إلى مزيد تقسيم الأقطار العربيّة وإنهاكها عبر إحداث انشقاقات وشروخ داخل أنسجتها الاجتماعيّة، ولتحقيق ذلك فإنّها تعوّل على إحداث فتن دينيّة أو طائفيّة أو عرقيّة تتّخذها فيما بعد ذريعة لأيّ حصار اقتصاديّ أو عمل عسكريّ تُقدم عليه.
وحتّى نتلافى من الآن ما يمكن أن يقودنا إليه التسامح الساذج، علينا أن نتساءل بعمق وجدّيّة عن هذا التمويل السخيّ الذي يرافق الأنشطة التبشيريّة حتّى لا نكتفي بالقول إنّه مجرّد عمل خيريّ ذي طابع إنسانيّ صرف!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق