السبت، 20 مارس 2010

هل يمكن لمشروع الهوية الوطنية ان يحمل التغيير؟؟


محمد فرج
كبر مؤخراً شعار "الهوية الوطنية الاردنية " وشكل اطاراً عريضاً لعمل بعض الحركات والشخصيات السياسية، التي طرحت هذا الشعار كمفتاح اساسي لحل المشاكل التي يواجهها الاردنيون، ورأت فيه البوابة الرئيسية للتغيير.
 ودارت العديد من النقاشات حول هذا الشعار، كانت في معظمها تغرق في جانب التوصيف التاريخي والجغرافي للإقليم الشامي، وعلاقة الاستعمار البريطاني والفرنسي بصناعة الكيانات الوظيفية والهويات المنبثقة عنها، وتشكّل العلاقات الاقتصادية/الاجتماعية ضمن مراكز وأطراف الإقليم، ، وير ذلك من التوصيفات التي اسعف بعضها في تفسير نشأة الهوية واخرى ذهبت بالناس بعيداً ودججتهم بانفاس عصبوية.
 على كل حال لا اود بتكرار التجربة والنظر من الزاوية ذاتها، انما احاول البحث في جدوى هذا المشروع الذي بدأ يكبر في الساحة الأردنية بشكل واضح.
 1-   الاستفزاز الاعتباطي للهوية : " ايها الاردنيون" ، " هيبة الدولة" ، " الاهتمام بشؤون هذا الاقليم"، الحفاظ على هويتنا الاردنية"، "ايها الخبراء العاملين في الخارج عودوا لخدمة بلدكم"، وغيرها الكثير الكثير من النداءات لا تجدي نفعاً في مجتمعات المزاحمة كبلدنا، الغارق في التبعية الاقتصادية والقائم اساساً على الاستهلاك، والمضروب انتاجياً على المستوى الزراعي والصناعي والتكنولوجي. ان الهوية الأساسية القائمة في الاردن هي الهوية الانانية المتمثلة في المحاولة الشخصية لتحسين الوضع المعيشي على المستوى الذاتي فقط ، ويعود ذلك للاسباب التالية:
 □ سياسة الجباية، غياب الدولة، وسقوط الحماية: ان انسحاب السلطة السياسية من دورها في تأمين ادنى حدود الرعاية الاجتماعية الشاملة، قد اسقط الشعور بالامان والحماية لدى الانسان في الاردن، ولا اقصد هنا الامان والحماية بالمعنى المتعارف عليه والمرتبط بدور الاجهزة الامنية في حماية الانسان من الاعتداءات المباشرة، وانما الامان والحماية من تحكم التجار بالسوق والملاك العقاريين بالمسكن وشركات التأمين بالرعاية الصحية.  الشعور بدفع الضرائب بدون مقابل خدماتي حقيقي كان كافياً لتكريس هوية ال "انا" المنفردة، وهذا الكفر بالسلطة السياسية التي تدير شؤون البلاد سيدفع بالضرورة فئات شعبية واسعة الى تجاوز الجغرافيا وانتمائها عملياً لمصلحتها ووضعها المعيشي، بمعنى أن الناس تتجاوز المكان " وهو جزء من مشروع الهوية" لحساب المصلحة الخاصة.
 □ انفلات القطاع الخاص في البنية الاقتصادية الاردنية كمبرادورية الطابع، وغياب القطاع العام وبيعه وتسليم ثروات البلاد لصالح المستثمر. هذه التركيبة الاقتصادية فرضت على الانسان في الاردن الدخول في منظومة المزاحمة وصراع القدرات الفردية لضمان القدرة على العيش، فنشأت بذلك هوية ال "انا"، " انا" الذي يريد ان يعيش في افضل وضع ممكن، "انا" الذي سأصارع في حلبة استعراض القدرات، "انا" الذي سأسافر بعيداً واعود بعد اعوام بقدرة اعلى على المنافسة في مجتمع الاستعراض والمزاحمة . في تشكيل الهوية هناك جانب مصلحي يجب فهمه ويجب فهم طغيانه عندما تصل الامور حد لقمة العيش.
 □ ضرب الانتاج الذاتي والجماعي والتبعية لاملاءات صندوق النقد الدولي، فعندما تسلم برامج التخطيط الاساسية في ادارة شؤون الدولة للمنظمات الرأسمالية الخارجية والعاملة لحساب المصالح الخاصة، وعندما تحول اراضٍ صالحة للرعي لتزرع فيها الاشجار الحرجية وفقاً لاقتراحات المنظمات الانمائية، كل ذلك سيكون كفيلاً لانفصال الانسان وانسلاخه عن متحده الجماعي، فهو يعيش في مكان يشعر تماما انه غير قادر على التأثير فيه ولا الاستفادة منه.
 2-   الهوية الوطنية ومحاربة الفساد واصلاح البنى القائمة:- دمج مروجو هذا المشروع بين مفهوم الهوية من جهة، وبين محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين واصلاح البنى القائمة من جهة أخرىٍ، وكأن المطلوب من هذا الدمج هو استفزاز الهوية لمحاسبة من يسئ استعمالها ويخرج عن نطاق الانتماء اليها، وبذلك تم توجيه الموقف من معارضة البنية ككل بصفتها بنية منتجة للفساد بالضرورة، الى معارضة المظاهر والمسميات، وبهذا طبعاً تحققت رغبة السلطة السياسية في خوض الجدالات في هذه الساحات المطمئنة. هكذا تتحول مسألة استقالة أحد أفراد البنية (المسيء لاستعمال الهوية!!) إلى خطوة اولى نحو التغيير رغم بقاء البنية ومشروعها كما هو بدون تغيير! وهكذا يصبح قرار حل مجلس النواب (الذي اساء التعامل مع الهوية كذلك) هو خطوة ثانية، واستقالة حكومة نادر الذهبي لصالح سمير الرفاعي خطوة ثالثة...وهكذا.
 3- تجميع الهويات الأنانية في قشرة عصبوية: ان الاستفزاز الهوياتي على ارضية البنية الاقتصادية سابقة الذكر، لن يجلب الا هوية معزولة وشوفينية ومنسلخة عن المحيط. لا يختلف شعار الهوية المطروح في الاردن عن شعار "مصر اولاً" تحت عنوان ان المصريين حاولوا خدمة الامة العربية التي خذلتهم لاحقاً، وبالتالي كان من الضروري التقوقع على الذات المصرية والعمل على تحقيق المصلحة المصرية منفردة، فكانت النتيجة مختلفة تماماً، وتمثلت بتراجع حاد للدور المصري عربياً تزامن مع تراجع اقتصادي داخلي.
 القشرة العصبوية المعزولة ستمثل دائماً، وفي اطار مسرحي مدهش، حماية الهويات الانانية المشكلة لها ، بمعنى ان الوقوف على الحياد من احتلال العراق او الوقوف الى جانب الطرف الاقوى " الامبريالية العالمية"  سيكون الضمانة لحماية هذه القشرة وهذه الهويات.
 4- مشروع الوطن البديل، الخطأ ذاته مجدداً : الانفجار الاعلامي الكبير حول مشروع الوطن البديل
 – والاصح تسميته مشروع الدولة البديلة – قد حرض العديد من الاقلام لمهاجمة الطرف الخطأ،  واستفزاز احد اهم اسباب عطب العمل السياسي في الاردن، وهو "هوية اردنية" مقابلة لـ "هوية فلسطينية".
 ان مشروع الدولة البديلة، مهما اختلفت صيغته وجديته يؤكد – ودون حتى العودة الى سايكس بيكو او سان ريمو – ان المعركة كان لابد لها ان توجه من البداية ضد الطرف المسؤول، وهو الكيان الصهيوني ذراع الامبريالية العالمية في المنطقة. ان شعارات "وحدة كفاح الشعبين" و" التضامن مع الشعب الفلسطيني " وغيرها، ما هي الا شعارات زائفة لا معنى لها اطلاقاً في سياق الواقع، فالمطلوب هو مجابهة هذا المشروع المستهدف للمنطقة بأكملها على قاعدة الشراكة اللازمة والموضوعية وليس على قاعدة التضامن!! الكلّ مهدد بالمشروع الامبريالي والصهيوني، أي أن كل الأقطار العربية هي فلسطين، وذلك ليس من باب مركزة القضية الفلسطينية على طريقة التيارات العصبوية وإنما على قاعدة الموازاة في درجة التهديد والتهميش.
 كان الاولى بهؤلاء الرافضين" لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن" ان يرفعوا شعاراً رافضاً اكثر جذرية واكثر وضوحاً واكثر واقعية والمتمثل برفض مشروع الهيمنة بكليته المستهدف للجميع بشكل مباشر، مباشر جداً. فلا يوجد في المعادلة سوى حسابين: الأول هو حساب الإمبريالية الطامحة للإحتكار الدائم، و الثاني هو حساب المجموع المضطهد في المنطقة بأكملها، تقسيم الحساب الثاني وتفتيته يعني بالضرورة شطبه.
 5- الهوية الطبقية بديلاً
 كنت حريصاً أكثر من اللازم على ردات الفعل على هذا البند تحديداً، فحاولت نقد الفكرة من الداخل، معتقداً أن إبراز الهوية الوطنية سيكون لاحقاً لمشروع تحرر طبقي على مستوى المنطقة، ولكن بعد النقاش فيه مع الصديق هشام البستاني، تبيّن لي أن مصير الهوية الوطنية في كيان وظيفي في حال تم إستبدالها بالهوية الطبقية هو الذوبان، وذلك للأسباب التالية:
 ـ  في ظل العسكرة الكونية للعولمة الرأسمالية، لا يمكن أبداً المواجهة على مستوى الدولة الواحدة خاصة في الدول العربية التي فتتها الإستعمار،  دون اللجوء إلى خيار التكامل الإقتصادي مع المحيط جغرافياً وأيديولوجياً، (المشروع الاقتصادي/الاجتماعي العابر للتقسيمات المابعد كولونيالية). الفهم الحقيقي لهذه المسألة سيفرز الهوية الطبقية المنشودة أي صراع مستغَلين ومظلومين ضد الهيمنة والعدوان والاستغلال وستمسي الهوية الوطنية بلا مبرر موضوعي، وبالتالي ستذوب.
 ـ لقد طرح الدكتور هشام غصيب في إحدى ندواته سؤالاً هاماً وهو: هل يمكن القول إن صراع حركات التحرر القومي ضد الإمبريالية هو شكل من أشكال الصراع الطبقي؟  وكانت إجابته له شافية بما يكفي  " شكل لينين انعطافة جذرية في التصور الماركسي للأمة والمسألة القومية.إذ أدرك أولا أن الاستغلال الرأسمالي لا يقتصر على الشكل الكلاسيكي الذي فصل ماركس معالمه في كتابه الرأسمال، أي الشفط المباشر للقيمة وفائضها من الطبقة العاملة الصناعية، وإنما يشمل أشكالا أخرى، وفي مقدمتها القهر والاستغلال القوميان. فالدولة الرأسمالية المركزية تسعى إلى الهيمنة على الأمم الضعيفة من أجل التحكم بالسوق العالمية، المسرح الحقيقي لنشاطها، والصمود أمام الأمم المنافسة، وتحقيق الربح المفرط عبر النهب والاستغلال المفرط بقوة السلاح والقهر العسكري". هل يشكل الأردنيون وحدهم مجموعاً قومياً قادراً على المواجهة؟ هل إستفزاز هذه الهوية سيمثل عائقاً أمام المشروع الجماعي الذي تحدث عنه غصيب؟ في الوقت الذي إستباحت فيه الرأسمالية كل الحدود، هل من المنطق أن نخجل من القول أن الانغلاق على حدود بلداننا سيجعل من تحقق مشروع التحرر مستحيلاً ؟! ؟ هل نخجل من القول أن الهويّات "الوطنية" هي هويّات تضليلية تحوّل مركز الصراع الى الداخل بدلاً من الصراع ضد الامبريالية والصهيونية على قاعدة طبقية؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق