السبت، 20 مارس 2010

المقامة التنازلية في وجه الأطماع الصهيونية


بقلم محسن الصفار

حدثنا أبو يوسف الصفار، أنه كان يجلس في حديقة الدار، فرأى ابنه المحتار، يلف رأسه إلى اليمين والشمال، وكأنه يطلب ما لا يستطيع له منال. ذهب إليه وكلَّمه، وخفّف من روعه وطمأنه، وسأله عما  هي المعضلة، كي يُعينه في حل المشكلة، أجابه ابنه المسكين، وقلبه من عطف الأب يلين، أن أخبرني يا أبي الحبيب، يا من يحلو لي حديثه ويطيب، لِمَ كلما تنازل العرب في قضية السلام، يزيد تعنت اليهود اللئام؟
ضحك أبو يوسف من هذا السؤال، وتعجب مما صار عليه في دنيانا الحال، فقال لابنه الصغير، لا تُتعب رأسك بالتفكير، ودعني أحكي لك حكاية فيها جوابك بكل كفاية: يُحكى أنه ذات يوم كان هناك رجل فقير، معسر مسكين وبالشفقة جدير، لم يرفق بحاله حاكم أو أمير، فلم يجد بداً من أن يذهب إلى جاره جرير، الذي يملك مزارعاً ويُدير، والكل يعلم أن طبعه حقير، وهو بالبخل والشح بين الناس شهير. قال له: أيها الجار القدير، قد جئتك طالباً منك عملاً، وبموافقتك زدت أملاً، فلا تردني إلى بيتي خائباً، وقد أصبح الجوع مني غالباً. رد عليه باستعلاء الجار، أنت تعلم أن من يعمل عندي يكون كالحمار، صبور قانع مطيع، يعمل كمثل الجميع، صيفاً وشتاءً وخريفاً وربيع، ولا يدع حبة واحدة من المحصول تضيع، يزرع ويسقي ويرعى ويبيع، فكم تطلب أجرة على هذا العمل، واخفض توقعاتك حتى يكون لك أمل؟
رد عليه الرجل المسكين، بنظرة من وجهه الحزين، دون أن تؤثر في ذاك اللعين، قال أعطني ديناراً كل يوم، وسأعمل ليلاً ونهاراً دون نوم. قال له الجار بجزع، ونظرة يعلوها الفزع، أتطلب في كل يوم دينار؟ أتراني وجدت كنزاً تحت جدار؟ أم لصاً أسرق الناس وعيَّار؟ قال له الجار أعطني ديناراً كل أسبوع، كي أكل ولا أموت من الجوع. رد عليه الجار البخيل، ورفض حتى هذا المبلغ الضئيل. قال له الرجل في آخر الأمر، أعطيني كل يوم رغيف خبزٍ وحبة تمرٍ. فرد عليه اللئيم، بضحكة من وجه سقيم، أهذا آخر كلامك، هكذا لن تعمل عندي ولا في أحلامك، إن كنت تريد أن تخرج من حال الرثاء، فعليك بالصوم كل إثنين وثلاثاء!!
هذا يا ولدي حال العرب مع اليهود، فاق ذلهم كل الحدود، وتنازلوا عن أرض الآباء والجدود، ووضعوا سلاحهم من أيدي الجنود، فما لقوا من عدوهم إلا الجحود، وصار لا يرضى بثلثٍ أو خمس، بل يُريد ضم كل القدس، ومازال العرب يُمنون النفس، بأن المفاوضات اليوم ستُعيد ما سلبه الأمس، واليهود فرحون ويلعبون، والعرب ورائهم يلهثون، أفهمت يا ولدي من اختار التخاذل لا يعود له خيار سوى التنازل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق