الخميس، 1 أبريل 2010

نعم يا سيادة الرئيس علي عبد الله صالح.. ولكن..


عبد الكريم بن حميدة
 ليس عندي شكّ في أنّ المبادرة التي أعلن عنها الرئيس اليمنيّ علي عبد الله صالح تستحقّ كثيرا من الدرس، وكثيرا من التواضع في قراءتها والتفاعل معها. والتواضع في مثل هذه الحالات ضروريّ لا سيما من أولئك الذين ظلّوا يؤمنون أنّ المبادرات الكبرى لا تنبع إلاّ من الدول العربيّة "الكبرى"، وأنّ قدر الأقطار العربيّة الصغيرة أن ترفع أصابعها بالموافقة على ما يتقدّم به "كبار" وطننا العربيّ. والحقّ أنّ في هذا التصنيف وما يستتبعه من استعلاء حيفا وإجحافا لا يخفيان على كلّ ذي بصيرة. وهو ما من شأنه أن يعمّق الفجوات ويوسّع من دائرة الخلافات بين أقطار
 
عديدة.
والحقّ أنّني لست أتّفق مع بعض وسائل الإعلام العربيّ التي حاولت التقليل من شأن المبادرة اليمنيّة دون أن تلتزم بموضوعيّة الطرح وجدّيّة النقد ووضوح الرؤية. لكنّ المتابعين لنسيج العلاقات العربيّة وما يتحكّم فيها يدركون يقينا أنّ بعض السهام الحاقدة بل والساخرة أحيانا من مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح لا تملك الجرأة ولا العمق اللذين يخوّلان لها تقديم بديل مقنع. مثلما أنّ تلك الأقلام الضالّة يسوءها أن تصدر مثل هذه المبادرات عن اليمن أو غيرها من الأقطار العربيّة التي تصنَّف عادة بأنّها صغيرة. ولا تسعى غالبا إلا لترويج الأفكار
 
والتصوّرات التي يكون منشؤها "كبار"العرب، بل إنّها تعمد إلى تضخيمها والتهليل لها وتمجيد عبقريّة أصحابها وحكمتهم وبعد نظرهم.
وبقدر ما توقّفت عند المبادرة التي عرضها الرئيس اليمنيّ صالح، والتي نالت الاستحسان من قبل الوفود العربيّة وقوبلت بالتصفيق مرّتين، فإنّ التشخيص الذي تعلّق بالأزمة اليمنيّة بدا لي مسطّحا أو مرتجلا حتّى لا أقول إنّه كان مجافيا للواقع وللحقائق الماثلة على الأرض.
علينا أن نعترف بدءا بأنّ اليمن يمرّ بأزمة، أو بعبارة أقلّ تشاؤما، لنقل إنّ سفينة الوحدة اليمنيّة تتعرّض لرياح عاتية قد تتحوّل إلى إعصار لا يتيح للسفينة إمكانيّة للعبور. صحيح أنّ حدّة الرياح قد خفتت الآن لا سيما بعد توقيع هدنة مع متمرّدي صعدة مع الحوثيّين. لكنّ الواجب يدعو إلى مزيد الحذر واليقظة حتّى لا تنتكس هذه الهدنة وتنشأ جولة جديدة من الصراع لا يعرف أحد مداها خصوصا بالنظر إلى أنّ بعض الأسباب التي أدّت إلى نشوب الحرب السادسة في شمال اليمن ما زالت قائمة.
أمّا الوضع في الجنوب فلا نرى الرئيس اليمنيّ موفّقا في حديثه عن تضخيم الإعلام لما يجري هناك. كما لا نراه موفّقا في وصف الوضع القائم في محافظات الجنوب بأنّه طبيعيّ.
هل يمكن أن نعدّ تتالي الإضرابات والاعتصامات والمسيرات والمظاهرات وضعا طبيعيّا؟
وهل نعدّ مهاجمة المحلاّت والبيوت المملوكة لمواطنين من شمال اليمن وإضرام النيران فيها وضعا طبيعيّا؟
وهل يجوز أن نعتبر سقوط القتلى والجرحى أثناء أغلب المسيرات والمظاهرات مسألة عاديّة؟
ولماذا تتدخّل قوّات الأمن والجيش لتفريق المظاهرات وتستخدم الذخيرة الحيّة إذا كان الوضع طبيعيّا؟
وما الذي يدعو السلطة في صنعاء إلى إغلاق بعض الصحف وإغلاق بعض مكاتب الفضائيّات واحتجاز أجهزة التصوير و... إذا كان الوضع طبيعيّا مثلما يقول الرئيس اليمنيّ صالح؟
إنّ معالجة الوضع في اليمن لا يتطلّب - في تقديري- سوى شجاعة مواجهته والوقوف عند أسبابه العميقة، والعمل لقطعها وتفويت الفرصة على الإقليميّين الذين يريدون إفشال تجربة الوحدة اليمنيّة ويتربّصون بها السوء وينتظرون عند كلّ منعطف للإجهاز عليها والعودة إلى زمن التشطير الذي دفعت الجماهير اليمنيّة ثمنا باهظا لإنهائه.
إنّنا نبارك أيّ جهد وحدويّ في أيّ مكان على امتداد خريطة الوطن العربيّ. غير أنّنا ندعو إلى تعزيزه بكلّ العناصر التي تسهم في ترسيخ دعائم الوحدة وتثبيت بنيانها تمهيدا للوحدة العربيّة الشاملة، وأوّل شروط نجاح أيّ عمل وحدويّ هو العدل، العدل في توزيع الثروة وفي الجباية وفي تولّي المسؤوليّات، وتحريم استخدام السلاح في مواجهة الخصوم الداخليّين، بل اعتبار الحوار الصادق والمخلص والمسؤول هو السبيل الأوحد لفضّ الخلافات. وهو ما نرجو صادقين أن يعمل الرئيس اليمنيّ على الالتزام به حفاظا على اليمن ووحدته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق