الخميس، 1 أبريل 2010

رد على مقال: الأستاذ عدنان المنصر في ملتقى حضره أكاديميون صهاينة


رد على مقال: الأستاذ عدنان المنصر في ملتقى حضره أكاديميون صهاينة، خطوة معزولة... لكنها ليست الأولى

لنجلاء بن صالح

مجلة حقائق

عدنان المنصر. أستاذ محاضر بجامعة سوسة
ليس الجهل عيبا في حقيقة الأمر، إلا إذا كان مبعث فخر لصاحبه واقترن بإصرار عنيد على صم الآذان. لن يكون بوسعك حينئذ سوى أن تتمسك بالصبر وأن تقول في نفسك "هي الحياة"...على أن ذلك لا ينبغي أن يمنعك من مواصلة القيام بدورك الذي اخترت أن توفيه حقه، هل منع العواء أبدا قطارا من المرور، أو الضباب نورا من النفاذ، ولو بعد حين، إلى نبات الأرض وبعض ناسها؟
"انفع الناس حيث كنت"، تلك نصيحة من ذهب، لا يعرف قيمتها إلا من خبر أمر النفع وأحب الناس وجعل ذلك التزامه الحقيقي في الحياة. يتطلب أن تحب الناس الشجاعة وبعض الصبر، ذلك أن محبتهم لا تعني مجاراتهم في كل ما يريدون، كما أن ذلك لا يعفيك مطلقا من التعرض لسهام البعض منهم. تتوقع أن يرفعك ما تنتظره من نقدهم وأن يسمح لك في كل مرة بتصويب رؤية أو موقف، لكنك ترجع خائبا في معظم الأحيان، فالنقد الذي يتخذ التحامل الشخصي لبوسا له بهدف التشويه لا يكون له في الغالب إلا هدف وحيد: صرفك عن القيام بدورك وتحويل طاقتك إلى سلب مطلق. تعلم حينئذ أنك إنما تزعجهم وتؤرق رؤوسهم الصغيرة...تلك أول العلامات على أنك تسير في الطريق الصحيح، فواصل
يتطلب النقد بعض المستوى وكثيرا من النزاهة وقدرة على الإرتفاع عن صغائر الأشياء...غير أن ذلك ليس متاحا لكثير ممن يعتقدون، باطلا، أنهم أهل للقلم الذي يمسكون به أو للمنصة التي يقفون عليها أو للجمهور الذي يستمع إليهم و يقرأ ما يتبرزون به... فليصمتوا قليلا وليفكروا كثيرا...ليتمتعوا بما أنعم عليهم الخالق: أذنان وعينان ودماغ وشعور. وليحذروا ألسنتهم فليس أخطر من اللسان عندما يصيبه الإعوجاج، ذلك أنه يكبهم في مهاوي لا يعلمون عمقها ولا ما ركد فيها من آسن الرداءة.
ليس أظلم من أن تلخص إنسانا في جملة أو نصف جملة، فالإنسان لا يمكن أن يلخص لأنه ليس كيانا ثابتا. وحدهم الأغبياء يعتقدون أنهم اكتملوا لمجرد أن نموهم الذهني قد توقف. يبرر لهم ذلك، حسبما يعتقدون، أن يحاكموا الآخرين ويطلقوا عليهم النعوت التي لا تليق إلا بذواتهم المريضة. فليصمتوا قليلا وليسمحوا لنا بالتنفس، إنهم يعيقون الحركة الطبيعية للهواء. عندما يتفقون جميعا على مهاجمتك ويختلفون حول الذرائع، فاعلم أنك مستهدف لشخصك، للموقف الذي تمثله، للدور الذي اخترته. ليس من السهل أن ترضيهم طالما احتفظت بالبوصلة في اتجاهها الصحيح. إذا سعيت إلى إرضائهم فقد إنتهيت، ونجحوا.
ما أسهل أن يتهم جامعي اليوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، غدا الأمر أسهل من شرب كوب ماء. لو كان هم هؤلاء الحقيقة لعثروا عليها، ولكن يتوجب أولا أن يبحثوا عنها، وليبحثوا عنها ينبغي أن تكون هامة لذاتها. ذلك ما يسمى نزاهة، أما ما عداه فتجن لا يفل من العزم شيئا. غريب أن تتهم في الوقت نفسه بأنك تنطلق من اعتبارات دينية وأنك حريف وفي للحانات، بأنك شرس في مقاومة سياسات وزارة معينة وأنك عميل لها، بأنك من دعاة العلمانية وبأنك ذو حيثية دينية، بتطرفك في مساندة الفلسطينيين وبالتطبيع مع الكيان الذي يسحقهم...يسحقهم لا تؤدي المعنى...يسحقنا جميعا لأنه يسحق إنسانية البشر وكرامتهم.
هل تنقص بعضهم معلومات ؟ أتطوع بمدهم بها إن أرادوا: لم أكن من منظمي المؤتمر المذكور، ولم يكن لي أن أتثبت في حيثيات الحاضرين، فالأمر يتطلب أن يكون لي جهاز مخابرات خاص بي أو مصادر معلومات أكثر من تلك التي أتيحت للمشاركين. كما أن المؤتمر الذي انتظم في إطار برنامج بحث موله الإتحاد الأوروبي كان يعنى بمشروع المتوسط بما أنه مشروع تبنيه الحكومات والشعوب في المنطقة، وقد حضر يومه الأول الذي التأم بالسفارة المصرية في برلين ممثلون عن معظم الدول العربية المتوسطية بما فيها بعض دول "الصمود والتصدي". معلومة أخرى ذات مغزى: حضر أشغال المؤتمر نواب عن حركة أمل في البرلمان اللبناني، وليسوا ممن يتهم بالتطبيع حتما. ما يجب الاحتفاظ به أن أحد المحاضرين الإسرائيليين كاد يغادر القاعة بسبب الجو العدائي الذي أحدثته مداخلته والتي ألبت عليه معظم الأكاديميين، أما الإسرائيلية الأخرى فقد ألقت محاضرة حول أحد مشروعات حماية البيئة. هل كانت لي صفة تمثيل الجامعة التونسية؟ حتما لا، فالأمور لا تتم بهذا الشكل والباحث لا يمثل أحدا. هل كانت لي صفة لأجلس مع الأكاديميين الإسرائيليين وأنسق معهم قضايا التطبيع الأكاديمي؟ حتما لا، وذلك لم يحصل بتاتا. أفكاري في هذا المجال معروفة للقاصي والداني، وهي منشورة على أعمدة الصحف في تونس وخارجها، ولو أراد البعض الحقيقة فعلا لما اجتزأ الأشياء وأخرجها من سياقها وألبسها غير لبوسها. الإعتماد على مدونة إلكترونية غير محينة أمر غير وجيه منهجيا: لم تكن ندوة أكس أن بروفانس سوى المرحلة التحضيرية لندوة برلين المذكورة، ولم يشارك فيها سوى محاضرون وباحثون من دول الحوض الغربي للمتوسط. قبل دلك كانت قد التأمت ندوة بالدار البيضاء مخصصة لدول الحوض الشرقي للمتوسط ولا علم لي أنه كان من بينهم إسرائيليون. في ندوة برلين فوجئ المشاركون بالجمع بين الورشتين في تظاهرة علمية واحدة، وكانت الفكرة أن كل ورشة ستشتغل مستقلة عن الأخرى. لا أسوق هده الملاحظات تبريرا، وإنما تذكرة لمن رغب في متابعة القضية في تفاصيلها. لست أنا من يبرر موقفا أكاديميا، وإن فعلت فإني أفضل أن يكون مع من يفترض أنهم في مستواي على الأقل، فحينيذ يصبح النقاش مفيدا. . أكاديميا، موقعي الفكري معلوم وبين لمن أراد أن يذكر، فكتاباتي ومؤلفاتي ومساهماتي تنشر على الملأ . كنت أتمنى أن يكون من يهاجمني قادرا على إفادتي وتعليمي شيئا، ولكننا لا نختار أعداءنا دائما ملاحظة أخيرة: ألقي منذ سنوات عديدة درسا عن الصهيونية، وأعلم طلبتي كيف يفهمون الظاهرة فهما علميا. أحسب أن من تردد على درسي المذكور قد احتفظ في ذهنه بشيء على الأقل عن المسألة، وهي أن الصهيونية لا تقاوم بالخطب ولا بالإستمناء الديماغوجي... لو كان بعضهم من طلبتي لكانوا أقل غباء....
أما الذين تمثل ويكيبيديا مصدر المعرفة الأكمل لديهم، العاجزون عن فهم تعقيدات الأشياء، الذين توقف بهم الزمن عقودا إلى الوراء، فلا يستحقون شرف القلم الذي يمسكون به ولا المقدرات التي وهبت لهم الطبيعة بعضا منها...عذرهم أننا لن ننعم برؤيتهم يحاضرون في جامعات أجنبية مثل جامعة برلين الحرة، وأننا سنحرم من متعة استكشاف الجهل الذي يغطونه ببعض أجوف التعبير، فلا أحد يفكر في استدعائهم لأنهم نكرات. ربما فضل هؤلاء الإلقاء بأنفسهم في الفراغ إذا علموا أن إسرائيليين يسافرون على نفس الطائرة التي استقلوها، أو التخلص نهائيا من الكتب التي طبعت في بلدان تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، أو تحطيم الحاسوب الذي يستعملونه لأن إنتل بنتيوم تصنع في إسرائيل، أو الإمتناع عن استهلاك الأسماك التي تصطاد في المتوسط، لأنها قد تزور سواحل المستوطنات الإسرائيلية أثناء هجراتها... سنحتسبهم شهداء للجهل، سينتقلون من نعيم إلى نعيم، ولن نبكيهم.
أما أنا فلست من هواة الكراسي الشاغرة. سأذهب حيثما وجدت أن علي أن أذهب، حيث لا يجتزأ ما أقول بل يؤخذ على محمل الجد، أما أجوف الكلام فقد قررت أن أتركه منذ زمان لغيري ممن لا يحسنون سواه. إسرائيل سعيدة بجهلكم وإصراركم عليه، أما البعض الآخر فقد قرر أن لا يفوت فرصة للنيل من مثقفي الصهيونية، أن يساهم في دحر أراجيفهم التي لم تعد تنطلي على الأكاديميين الأوروبيين. لا يعود الفضل هنا حتما للكراسي التي تركها البعض شاغرة، ولا لرنين الخطب التي عفا الزمن على نبرتها فبحت وأصبحت مدعاة للرثاء.
نبقى مع ذلك واثقين أن القادم أفضل، لأننا نراهن على المضمون ونترك الأشكال لهواتها... هناك أجيال تتوقع منا أن نكون في مستوى آمالها، ونحسب أننا لن ندخر في ذلك جهدا، تدريسا أو كتابة، واقعيا وافتراضيا. هناك شغل كثير ينتظرنا ولا وقت لدينا...ليس أدرى بقيمة الزمن ممن يدرس تأثيره...ويقف أحيانا على حدود ذلك التأثير... "هي الحياة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق