الخميس، 1 أبريل 2010

حيرة العراقيين بين التدخل الايراني السافر والصمت العربي الرهيب!!


الأمريكان يمتلكون تفاصيل خطة طهران ويرغبون تحقيق نوع من الاستقرار في العراق يؤمّن لهم الانسحاب وسيتولى الأمريكان طمأنة دول الجوار العراقي لقبول  الأمر الواقع
د. أيمن الهاشمي
كاتب من العراق
       ما فتئت سلطات الملالي بدءاً بالمرشد الأعلى للثورة، ومرورا برئيس الجمهورية أحمدي نجاد، وانتهاءً بالحرس الثوري وفيلق القدس واجهزة مخابرات النظام الايراني، كلها تتدخل بشكل فجّ وصريح ومباشر في الشأن العراقي دون خجل ولا ترددّ، ومن المؤسف أن يُقابل هذا التدخل الصريح من الجانب الآخر: غيابٌ عربيٌّ تام عن المشهد العراقي، وترك العراق والعراقيين تحت رحمة من ليس في قلوبهم رحمة ولا شفقة تجاه العراق!. وصار العرب يترددون حتى عن نقد التدخل الايراني وليس الوقوف بوجهه!.
        كان اكتساح القائمة العراقية، بتوجهها العروبي الوطني الليبرالي، لأنتخابات السابع من مارس في العراق، الحدث الذي هزّ سلطات الملالي، ومواليهم، من الطائفيين، وهزّ المالكي وحزبه، بعد ان كشف تدني شعبيتهم.  فقد نجح التيار الوطني الليبرالي العراقي اللاطائفي في اكتساح الانتخابات، وسجل نصرا مشهودا، أقضّ مضاجع إيران ووكلائها ومواليها، فتحركت سلطات الملالي بشكل صريح من أجل إفشال أي مسعى لجعل التيار الفائز يقوم بتشكيل الوزارة الجديدة، فكانت مساعي إيران الصريحة لتوحيد ائتلاف المالكي المسمى "إئتلاف دولة القانون"، أو حزب الدعوة، مع إئتلاف المجلس الاعلى والتيار الصدري المسمى بالإئتلاف الوطني العراقي، وهو ابعد ما يكون عن الوطنية، مثلما إئتلاف "دولة القانون" هو اسم على غير مسمى، فقد تم انتهاك القانون، وسرقة اصوات الناس بالباطل والتزوير، وتحويلها لخدمة القوائم الطائفية، وبرغم كل مساعي التزوير والسرقة واستغلال جهد الدولة لخدمة حزب المالكي، الا ان المالكي فشل في تحقيق الاغلبية المطلوبة لتكليفه برئاسة الحكومة من جديد، بعد ان وجد في الحليف الاقرب ممثلا بالمجلس الاعلى والتيار الصدري رفضا تاما لقبول اعادة تولية المالكي لرئاسة الحكومة. كما كانت مهزلة الفتوى التي اصدرتها المحكمة الاتحادية الخاضعة لنفوذ الكتل الطائفية في تفسير مصطلح الكتلة البرلمانية التي تشكل الحكومة بما يخدم توجهات التحالف الجديد بين الأئتلاف المالكي وإئتلاف الحكيم والصدر.
     ايران تدخلت بصفاقة وصلف واضحين، بدءاً من خطاب محمود نجاد الشهير الذي اعلن فيه بانه لن يسمح بعودة البعثيين الى السلطة في العراق، وهو يعلم جيدا ان البعثيين رافضين تماما للعملية السياسية ورافضين المشاركة في الانتخابات، الا ان المقصود بالتاكيد هو ((رفض صعود السنة)) لحكم العراق او تشكيل الحكومة الجديدة حتى وان كانت برئاسة اياد علاوي الشيعي العلماني، وقامت ايران مؤخرا وعلناً باستدعاء ممثلين عن حزب المالكي والمجلس الاعلى والتيار الصدري للالتقاء في طهران بحضور مقتدى الصدر، وضغطت عليهم من اجل التحالف من جديد في إئتلاف طائفي شيعي في مواجهة الكتلة العراقية الوطنية العروبية بزعامة أياد علاوي وطارق الهاشمي واسامة النجيفي، وإذ أدركت طهران رفض كل من التيار الصدري والمجلس الاعلى لعودة نوري المالكي لتشكيل الحكومة، فضغطت عليه للتنحي، وفعلا بعد أن كان نوري المالكي يصرح ويصرخ أنه هو ولا احد غيره الذي سيؤلف الحكومة!!!، عاد وصرح بأنه " ليس متمسكا بمنصب رئيس الوزراء!"، وهناك كلام وتأويلات عن تعويضات له بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية!!، مقابل تخليه عن مطالبته بمنصب رئيس الوزراء.
      إن التوجه العلني الذي أبدته القوى الطائفية ممثلة بالمجلس الاعلى والتيار الصدري وحزب المالكي، في الهرولة باتجاه إيران لبحث الأمور السياسية التي تخص الداخل العراقي، إنما يعكس للأسف ما يمكن تسميته" فقدان البوصلة الوطنية العراقية"، أو فقدان الشخصيات السياسية ذات التوجهات الطائفية، للانتماء الوطني وعجزها عن ادارة امورها بنفسها، وان التوجه المحموم نحو ايران، تارة بحجة المشاركة باعياد النار او نيروز، أو الإدعاء بملاقاة مقتدى الصدر –الدارس حاليا في قم- يكشف ان الشخصية الطائفية لا تستطيع حتى اليوم من بلورة مشروع بنفسها دون الاستعانة بدولة اخرى، لقد اصبحت ايران اللاعب الاساسي في العراق وهي التي تتدخل بكامل نفوذها في الشان العراقي. فإيران اصبحت اليوم تتدخل بكل تفاصيل ولاتريد ان يحكم العراق اناس وطنيون، والتدخل الايراني اعترف به الجنرال راي أوديرنو قائد القوات الأميركية في العراق والذي كشف «معلومات استخباراتية» تؤكد التدخل الإيراني في عملية الانتخابات العراقية، ركزت على التمويل والدعم الإيراني لبعض الأحزاب العراقية، إضافة إلى كشف العلاقة بين أحمد الجلبي رئيس هيئة «المساءلة والعدالة» وإيران، خاصة لقاءاته مع كل من قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومنوشهر متكي وزير الخارجية الإيراني.
المعلومات التي قدمها الجنرال أوديرنو شملت التدخل السياسي والمالي، والوقوف وراء حملة اجتثاث البعث التي أدت إلى إقصاء عدد كبير من المرشحين أبرزهم من السنة، ومطاردة واعتقال عدد كبير من النشطاء السياسيين تحت دعوى اجتثاث البعث، والتي جاءت متوافقة مع تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بضرورة العمل من أجل عدم عودة البعثيين. وكانت الصحف الايرانية قد كشفت هي الاخرى عن ردود افعال غاضبة ازاء فوز العراقية بانتخابات مارس، بعد ورود الاخبار عن تقدم اياد علاوي وقائمته.
          هذا الرصد الأميركي للسياسات والممارسات الإيرانية في العراق لم يختلف كثيراً عما كشفته ردود فعل الصحافة الإيرانية على النتائج الأولية للانتخابات العراقية فقد تعجلت الصحف الإيرانية بالحديث عن «تقدم كاسح» لائتلاف «دولة القانون» برئاسة نوري المالكي و«الائتلاف الوطني العراقي» برئاسة عمار الحكيم، ووصف هذا التقدم بـ «الانتصار العظيم»، كما تعجلت في حصر رئاسة الحكومة العراقية الجديدة بين نوري المالكي أو إبراهيم الجعفري (الائتلاف الوطني العراقي)، لكن الأهم من ذلك أنها أسرفت في الحديث عن «أين ذهبت الأموال السعودية» واتهمت المملكة بدعم شخصيات علمانية وقريبة من التوجهات البعثية أمثال طارق الهاشمي وإياد علاّوي وإياد جمال الدين وجواد البولاني، ووصفت ذلك بأنه «رهان على الخاسرين». هذا التعجل بقدر ما كشف عن سوء تقدير إيراني لحقيقة المعركة الانتخابية التي جعلت كل هؤلاء على رأس الرابحين في الانتخابات، بقدر ما كشفت عن مدى التحيز الإيراني للفريق الآخر والرهان عليه لكسب المعركة الانتخابية.
           السلطات الإيرانية تضغط بشدة على المالكي لتحقيق (حكم الأكثرية) كما يرغب وليس (حكومة توافق وطني) حتى لو كلفه ذلك التنازل عن رئاسة الوزراء التي يعتبرها هو حقاً شخصياً!. تتركز الخطة الإيرانية على  قيام تحالف بين ائتلافي المالكي والحكيم, وإذا ما واجه المالكي معارضة شديدة من قبل الصدريين – وهو أمر متوقع – فعليه التنازل عن رئاسة الحكومة لعادل عبد المهدي على ان ينظم التحالف الكردي الى هذا التحالف ويحتفظ الطالباني برئاسة الجمهورية ويكون المالكي نائباً لرئيس الجمهورية!.
       يبدو أن الأمريكان يمتلكون تفاصيل خطة طهران التي أعدت على عجل لمواجهة الخطة الأمريكية التي تعوّل على علاوي، طهران تعتقد ان الأمريكان يرغبون تحقيق نوع من الاستقرار في العراق يؤمّن لهم الانسحاب وفق ما خطط له بموجب الاتفاق الأمني وهم – أي الإيرانيون – يعتقدون أن خطتهم ستؤمن الجو الشيعي المناسب للانسحاب. وسيكون على السعودية وسوريا وتركيا القبول بالأمر الواقع حيث ستتولى واشنطن ذلك من اجل مصلحتها هي أولا وأخيراً!
        إن ما يجري في الكواليس مختلف تماما عما يجري أمام كاميرات الفضائيات، وكل الأمور تؤكد أن تفاهماً إيرانياً أمريكياً جارٍ بشكل منتظم لترتيب شؤون عراق ما بعد الإنسحاب!!
ولك الله ياعراق!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق