الخميس، 8 أبريل 2010

الجدار والحصار والتقصير الشعبي المصري


محمود عبد الرحيم:

يجئ قرار محكمة القضاء الاداري في مصر بتأجيل  النظر في قضية الجدار الفولاذي الى العشرين من الشهر الحالي، ليذكرنا من جديد بهذا الملف ،ويضعه في دائرة الضوء ،بعد ان خفتت اصداءه وبردت حماسة المناهضين له ،رغم خطورته البالغة على الاشقاء في غزة، من زاوية انه يقطع شريان الحياة عنهم،ويحبط محاولات الصمود ،وما ابتدعوه ليكفل كل سبل البقاء بكرامة"ولو كانت الانفاق" هي السبيل المؤقت،  لضمان عدم التفريط  في ثوابت القضية ،مقابل  اجولة طحين وجرة غاز مع القبول  بالصمت والعيش المذل و تقديم تنازلات للعدو الغاصب ،على نحو ما يفعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض في الضفة الغربية،  ما يمهد للاجهاز على القضية الفلسطينية ،واعادتها  الى خانة "قضية لاجئين" لها بعدها الانساني ،لا السياسي والحقوقي.
ويتواكب مع هذا القرار القضائي، تداول معلومات عن تسارع وتيرة العمل ليتم انجاز هذا "الجدار الخانق" بنهاية هذا العام ،رغم انه -من الواضح تماما لكل ذي بصر وبصيرة انه لايخدم ، لا مصلحة الامن الوطني ،ولا مصالح مصر الاستراتيجية، كما يروج النظام المصري وابواقه الاعلامية، وانما مصالح دولة الكيان الصهيوني، اذ يساعدها في احكام الخناق على شعبنا في غزة لاجبارهم ،اما على الاستجابة للاملاءات ،وفي مقدمتها القضاء على المقاومة واعادة نفوذ حركة فتح الضائع وسيطرة عباس المفقودة ،على حساب اضعاف حماس وقوى  رفض التسليم للمحتل وتسويته المهينة والظالمة ،أو ليموتوا جوعا وحصارا.
علينا ان نعترف بأننا مقصرون كمصريين ،ومن ورائنا كل الشعب العربي والاسلامي، لاننا نعرف الصورة تماما ،وندرك الحقائق ونتجاهلها ونصمت، ولا نقوم بواجبنا تجاه اشقائنا الفلسطينين،اذ لم نمارس الضغط الكافي على النظام المصري ليتراجع عن هذا القرار الظالم والمؤذي لملايين من البشر المحاصرين عربيا ، قبل دوليا..كما لم ُنسمع صوتنا الرافض والغاضب لمنصة القضاء.. علها تستمع لصوت الضمير الانساني الذي يناديها،وتصدر حكاما منحازا لدعم المظلومين الذين لا حول لهم ولا قوة .. الذين يكفيهم عدوا واحدا ، علينا ان نساندهم ليتمكنوا من مواجهته والصمود امامه.

لقد وجدت نفسي في موقف لا احسد عليه وانا اعلق على قرار محكمة القضاء الاداري في "فضائية القدس".. حين سألني المذيع عن ردة فعل الشارع المصري وضغوطه، وامكانية ان تضع المحكمة في الاعتبار الضغط الشعبي؟اذ كان علي ان اكون صادقا مع نفسي ،ولا ادعى عكس الحقيقة لاجمل وجه مصر الشعبي ، واقول انه لاضغط  على الاطلاق.. وانما جهود فردية محدودة من قبل القوى القومية والاسلامية، لا تمثل ردعا ولا فزعا للنظام المصر على مواصلة مشروعه
غير العادل ،والذي لا يفصل مصر عن غزة حدوديا فقط، وانما وجدانيا وشعبيا.
والمشكة ليست في امكانية تسيس هذه القضية ،وصدور حكم مشابه ل"قضية تصدير الغاز لاسرائيل" الذي أتي محبطا للرافضين للتطبيع والارتباط باي شكل من الاشكال مع الكيان الصهيوني، فسواء اخذت المحكمة بوجهة نظر مناهضي بناء الجدار او بوجهة نظر الحكومة المصرية ،واعتبار المسألة من اعمال السيادة والامن الوطني الذي يحق للنظام التصرف فيها حسبما يقدر، او حتى اعتبرت رافعي القضية من النشطاء غير ذي صفة او مصلحة ،او انها  كمحكمة اصلا غير مخولة للنظر في هذه الدعوى ، فان الوقائع على الارض من الصعب تغييرها او التراجع عنها، وهنا الخطورة ، وربما النظام المصري يدرك هذا جيدا ،ومن هنا يبدو مفهوما بوضوح لماذا الاسراع في عملية البناء، ومحاولة انجاز هذه المهمة الامريكية الاسرائيلية الفرنسية بالاساس  قبل نهاية هذا العام ،حسب توقعات الخبراء.
ويبدو مفهوما ايضا  سياق التصريحات اللينة ذات النغمة المختلفة ،عما اعتادت الخارجية ان تطلقها على لسان المتحدث باسمها الذي يبدو في لغة خطابه العنيفة  مثل المتحدثين العسكريين لا الديبلوماسيين ،خاصة حين يتعلق الامر بقطاع غزة وحكومة حماس ،"العدو الاخطر" من وجهة نظرهم من "اسرائيل"..اذ اصدرت الخارجية مؤخرا اكثر من تصريح يتحدث عن التحذير من استهداف غزة وخطورة التصعيد بحقها، علاوة على الابراز الرسمي اعلاميا لافتتاح معبر رفح بصورة منتظمة،كمحاولة للرد على حجج مناهضي "الجدار الخانق" في الداخل والخارج ، وتجميل وجه النظام ، في حين ان الامر ليس بهذه البساطة ولا السذاجة،ودعم الشعب الفلسطيني وعدم التضييق عليه لا يكون بالتصريحات ،ولا حتى بفتح معبر رفح بشكل متقطع، وحسب شعارهم"لاسباب انسانية" ، وانما باجراءات ملموسة تبدأ باتخاذ مواقف حاسمة بحق الكيان الصهيوني لا تقل جرأة عن التي تتخذها  تركيا وزعيمها اردوغان ،وتُوصل رسالة قوية ل"اسرائيل" اننا لن نسكت على احراق غزة مجددا،او تجويع شعبها، ولا تنتهي بتبني حملة عربية واسلامية ،بل وعالمية لرفع الحصار على غزة، والعمل الجاد على انجاز المصالحة الفلسطينية ،على ارضية المصالح الفلسطينية لا الامريكية والصهيونية  والانحياز لدعم المقاومة المسلحة،ولو تطلب الامر اقصاء عباس والبحث عن بديل يتم التوافق عليه فلسطينيا وعربيا ليقود الشعب  الفلسطيني ومسيرة كفاحه من اجل تقرير المصير ونيل استقلاله وحقوقه المشروعة ، خاصة في هذه المرحلة الحرجة من عمر القضية التى تشهد محاولات التصفية بكل السبل وبايقاع متسارع اكثر من ذي قبل.
وان كان علينا ان نعترف بالتقصير كشعوب،فعلينا ان نبدأ الآن التحرك والضغط مصريا وعربيا واسلاميا وعالميا ،لانجاز هذه المهام الاخلاقية ،لارضاء ضمائرنا والوفاء بحقوق الشعب الفلسطيني علينا، وان كنا قد انشغلنا مؤخرا بالقدس وعمليات التهويد والاستهداف لها ،فلا يجب ان نهمل ملف الحصار والجدار وننسى اهلنا في غزة، فالقضية الفلسطينية  كل لا يتجزأ،وما يفعله العدو الصهيوني بالبشر ليس اقل خطورة من الارض فكلاهما وجهان لعملة واحدة هو الكيان الفلسطيني الذي يجب ان يبقي ،والحق الفلسطيني الذي يجب ان يعود.

 *كاتب صحفي مصري

هناك تعليق واحد:

  1. مسكينة يا مصر9 أبريل 2010 في 2:08 ص

    بارك الله فيك وأعزك وأرضاك...القضية أخي الكريم أننا أشباه رجال في خلق ممسوخة فلم يولد فينا بعد الرجل

    ردحذف