السبت، 17 أبريل 2010

العنف في الملاعب: ليس دفاعا عن الجمهور بل دعوة لمراجعة السّياسات و محاسبة المسؤولين


بقلم: عبد السلام بوعائشة
  
ما جدّ من أحداث عنف وتخريب وتصادم بين جمهور الترجي الرياضي التونسي  الغاضب وقوات الأمن أثناء وبعد مباراة في كرة القدم يمثل حدثا استثنائيا ملفتا للانتباه خصوصا وان هذا الجمهور يناصر فريقا يحتل المرتبة الأولى ويتقدم على منافسيه بما يؤهله أكثر في سباق التنافس على البطولة .هو حدث استثنائي بكل المقاييس لأنه لا يشبه ما عهدناه في الملاعب من عنف عارض بين اللاعبين أو بين جمهور هذا الفريق وجمهور الفريق الآخر كما أنه ليس مجرد عنف غاضب تجاه حكم المباراة يتفجر ثم ينطفئ بعد المباراة بل تجاوز في حدته وقوة تفجره في استهداف الملعب ومحيطه وقوات الأمن ما يشير إلى أن دوافعه تتجاوز الغضب تجاه الحكم ورفض الهزيمة إلى التعبير عن قناعة  وحالة نفسية مقيمة بدأت تسيطر على جماهير وربما مسؤولي  بعض الفرق الرياضية’حالة نفسية مفادها  أن الهزيمة لا تليق بالكبار وان  من حق الجمهور على الفرق أن ترضي تعطشه للانتصار ولاشيئ غير الانتصار بل ومن حقه أن يفعل ما يشاء دفاعا عن كبريائه  وغروره المتعاظم.
هذا النوع من العنف وما ينتجه من آثار تتجاوز حدود الملاعب بكثير يحتاج في معالجته إلى إجراءات تتجاوز مجال التشريع الرياضي ونظام العقوبات التي يمكن أن تسلط على الفرق أو الجمهور أو الحكام وذلك باعتماد مقاربة اشمل تتناول السياسة المعتمدة في المجال الرياضي وسياسة الإعلام الرياضي في متابعته وتغطية نشاط الفرق وأخبارها إذ لا يخفى على المتابع العادي أن كرة القدم في تونس تكاد تستحوذ على كل اهتمام الوزارة وإدارات الفرق الرياضية وان بعض فرق كرة القدم العريقة  صارت تمتلك من الحضور الفاعل في أروقة الوزارة والهياكل الرياضية والإعلامية ما يمكنها من التأثير على القرارات بل وتوجيهها إن لزم الأمر وان الجماهير لا تخفى عليها كثيرا هذه المعطيات ولذلك تتمثلها في تفاعلاتها وردود أفعالها في الملاعب وتتصرف تحت تأثيرها المباشر وغير المباشر.بل إن تأثيرها قد يتجاوز الجمهور إلى المسؤولين الرياضيين ذاتهم وهنا استحضر شكوى احد رؤساء الجمعيات الذي صرخ اثر هزيمة فريقه أمام الترجي الرياضي التونسي عن مدى حق وجدارة فريقه "الصغير" بالانتصار على الترجي متظلما من الحكم ومن المسؤولين عن تعيين الحكام.
هذا الشعور الذي يبرز في انفلاتات بعض جماهير الفرق الرياضية وبعض المسؤولين يغذيه التوجه العام للإعلام الرياضي الذي يكيل بمكيالين في تغطيته لأخبار الفرق الرياضية ويساهم بوعي أو بدونه في خلق الفتنة وزرع الأحقاد وتغذية نزعات التفوق الكاذب والغرور المستفز لدى بعض الفرق و الجماهير والمسؤولين فلا ينصف- رغم  ادعاءات القائمين عليه- الرياضة ولا كرة القدم ولا الفرق الصغيرة ولا الكبيرة أيضا التي تجد نفسها في عديد الأحيان سجينة وضع لم تختره تواجه فيه الجميع وتدفع ثمن مكانة وصورة لم تحققها الانتصارات فقط بل ساهم فيها أيضا  ضعف الجهاز الإداري المشرف على الرياضة وتواطؤ الإعلام والمستثمرين في الإعلام.أما انفعالات الجماهير وردود أفعالها فهي نتيجة لفعل كل هذه العوامل والمسببات ولن ينفع الرياضة في شيئ تحميل الجماهير المسؤولية المباشرة عما يحدث من عنف شبيه بما وقع في الأيام الأخيرة.
الأحداث الأخيرة تدعو إلى ضرورة التفكير في مراجعة اشمل لسياسة كرة القدم وسياسة الفرق وسياسة الإعلام الرياضي  بالتركيز على النقاط الأساسية التالية :
-  تصحيح مبدإ الاحتراف و الحد من سيطرة كرة القدم على سياسة الوزارة في المجال الرياضي وسياسة الجماعات المحلية بتوجيه البرامج نحو رياضات أخرى تساعد على بناء جديد لعقول الأطفال والشباب تحررهم من سلبية التشجيع وحمى الربح إلى ايجابية الممارسة الاجتماعية الهادفة .
- مراجعة مقاييس إسناد رئاسة و إدارة الفرق الرياضية بشكل يتماشى مع ضرورة جعل الفرق مؤسسات للتربية البدنية والعقلية قبل أن تكون مؤسسات للاستثمار والربح الشخصي المادي أو السياسي.
- الحد من إغراق الساحة الإعلامية- تلفزة وإذاعة وصحف- ببرامج رياضية  تسيطر عليها  فعليا أخبار كرة القدم والاكتفاء بمادة رياضية تخرج الشباب والجمهور الرياضي من هوس كرة القدم وهوس النجومية وهوس التعصب لهذا الفريق أو ذاك.
أخيرا نعتقد – وبالعودة إلى ما صاحب الأحداث الأخيرة من تفسيرات وتبريرات – انه لن يفيد في شيئ البلاد ولا الإدارة ولا الإعلام ولا الرياضة أن يلجأ المسؤولون إلى إخفاء الحقائق والالتفاف على ما يردده الشارع من أخبار والتكتم على ظواهر التقصير والفشل في إدارة بعض منابر ومؤسسات  الصالح العام من ذلك ما سمعناه من ممثل  الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي آثر مديرها العام عدم الظهور وهو يفسر  أسباب انقطاع التيار عن جزء من الملعب فيعيد مرة أخرى إلى الأذهان ما سمعناه من زميل له سنة 2002 عندما ارجع العطل الشامل في إمداد البلاد بالكهرباء إلى موضوع المكيفات و اعتمد  بدوره  تفسيرا ضبابيا غائما  لا يفصل الشك من اليقين ويساهم في مزيد تغذية أخبار الشارع وإشاعات المنتديات. فالواجب خاصة في مثل هته الظروف يقضي على المسؤولين المباشرين للمسؤولية أن يعتمدوا  الشفافية والوضوح في التعامل مع الرأي العام ويحرصوا على تقديم الحقائق كاملة دون التفاف أو "غمغمة" لان ذلك هو واجب الإدارة و خصوصا واجب المسؤول الأول المباشر للملف. ولعل ما ينطبق على إدارة الشركة التونسية للكهرباء والغاز ينطبق أيضا على المسؤولين الإعلاميين و رؤساء الجمعيات الرياضية الذين اكتفوا كلهم باستنكار ما يستنكره الجميع دون غوص في عمق المسالة .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق