الاثنين، 12 أكتوبر 2009

من أوسلو إلى غولدستون

إضاءة على المشهد الفلسطيني بعد مرور 16 عاما على أوسلو

د.م.احمد محيسن ــ برلين

لا نصدق ما وقع على أسماعنا كالرعد ، بأن اقدم الطرف الفلسطيني في سابقة خطيرة بطلب تأجيل النظر في تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، الذي تم اعداده من قبل جولدستون القاضي السابق في المحكمة الدستورية لجنوب افريقيا، والمدعي العام السابق للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين في العالم، والمكلف من مجلس حقوق الانسان بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق ، والذي من خلاله ُوضعت دولة الاحتلال في خانة الوقوف أمام العدالة الدولية، التي يتغنى بها المجتمع الدولي، ومسألتهم وملاحقة جنرالاتهم ولأول مرة في تاريخ الصراع مع هذه المؤسسة الإجرامية الاحتلالية، نعيش تقريرا بهذا الحجم الذي يشار به إلى ان هذه الدولة العنصرية، لا يمكن أن تبقى فوق القانون، ونعتقد بذلك بأنه ولأول مرة يكون تحيق الحد الأدنى من الانجاز، وشكل صفعة لدولة الاحتلال .

لم نجد كلاما نقوله الى الأجانب الذين خرجوا معنا متضامنين من كل أحرار العالم في أوروبا وغيرها، إبان العدوان الغاشم على أهلنا في قطاع غزة، متحدين قساوة برودة الثلج ، لم نستطع أن نبرر لأطفالنا وشبابنا، فضيحة حفر قبر بأيدي فلسطينية لتقرير غولد ستون، ومنع مناقشته وعرضه على مجلس حقوق الإنسان، ليصل إلى المحافل الدولية القضائية الجنائية، ليتم تعقب رموز الاجرام الصهيوني ومعاقبتهم وفضح جرائمهم بحق اهلنا.

لا نريد سماع مبررات ولا تحليلات ولا تخمينات ، ولا نريد سماع فتاوي من أهل الفتاوي لما حصل، فقد تمت إدانته على الأقل من كل مكونات المجتمع الفلسطيني السياسي والمقاوم ،ومن كل الفعاليات والشخصيات المستقلة، وهو عمل مدان ، ولن يكون يتيما بدون أب وأم .

إن تنديد كل الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح، وكل قوى المجتمع المدني الفلسطينية، وكل الفعاليات والشخصيات الفلسطينية المستقلة وغير المستقلة، بهذه الفعلة المشينة، إنما تعبر عن حالة إجماع فلسطينية منقطعة النظير، عن سخطها وغضبها على الجريمة التي ارتكبت بحق دماء الشهداء وبحق نضالات شعبنا ومعاناته.

ونسأل أنفسنا، بما أن الكل الفلسطيني الرسمي قد تنصل من هذه الفعلة المعيبة ، فمن هو الفاعل الحقيقي لها، ومن يقف وراءها، ومن هو الذي يقود السياسة الفلسطينية الحالية قولا وفعلا، ومن يقود هذا المشروع والنهج القائم، الذي اصبحت معالمه واضحة جلية ...؟!

وتبع هذا التنديد بقرار التأجيل على الفور ، صوت الرئيس المرتجف من العاصمة اليمنية مباشرة، والذي أراد تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وهنا تكمن المصيبة ، فاذا أراد الرئيس بتشكيل هذه اللجنة المزعومة دهوسة القضية، وذلك حسب السنن المتعارف عليها والمعمول بها في نظامه لغاية الآن، وأخرها لجنة تقصي الحقائق للكشف عن ملابسات استشهاد الأخ القائد ابو عمار رحمه الله والتي لم تجتمع لغاية الآن، وعلى طريقة ومقولة بأنه اذا أردت ان تضيع قضية، فما عليك إلا أن تشكل لها لجنة، فبماذا ستحقق اللجنة هذه المرة حول موضوع تقرير غولدستون، هل ستحقق مع الرئيس الذي أراد تشكيلها ؟!

فهذا موضوع غولدستون تم تداوله في العلن، وعلى الملأ، وفي كل وسائل الاعلام، بأن الرئيس هو الذي أصدر أوامره بسحب التقرير ، وذلك باعتراف ممن حوله من مستشارين ، وكل من تحدث في الموضوع منهم وأعلنوا تحملهم المسؤولية في ذلك . فكيف يتحمل هؤلاء المسؤلية أفهمونا ...؟

فهل أراد الرئيس بتشكيل اللجنة فعلا، أن يقول للملأ بأنه قد غرر به من بعضهم وأوقعوه في المحظور، بعد أن نصبوا شراكهم ، وليعجلوا في تقديم نهايته السياسية، ولأنهم ينتظرون في الصف للجلوس على المقعد والامساك بالمقود ، ويعتبرون أنفسهم الخليفة المنتظرة ، وهم القادة الحقيقييون للمشروع القائم بعد التخلص من الزعيم الراحل ياسر عرفات ...؟!

الأخ ابراهيم خريشة الذي نعرفه من أيام اتحاد طلاب فلسطين على غير ما بدى منه في جنيف ، بالرضوخ والاذعان لتنفيذ مثل هذا الطلب القاتل، والذي شكل نكبة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني، ولا بد من أن يأتي اليوم الذي سيتكلم به الأخ ابراهيم خريشة عن الحقيقة، ومن كان يقف خلف هذه الجريمة في جنيف، والتي تجاوزت كل المحرمات، وشجعت الاحتلال على المضي قدما في التعدي على الأقصى والتنكيل بشعبنا في المدينة المقدسة.

إن أقل ما يمكن ان يقبل به الشعب الفلسطيني اليوم، هو محاكمة كل المتورطين في هذه الفعلة السوداء المدمرة، وكذلك رحيل الرئيس الفلسطيني بطاقمه من المستشارين والأمناء الغير أمينين والمتورطين في غولدستون، عن المشهد السياسي الفلسطيني بلا عودة .

وبعد 16 عاما مرت على مبادئ اتفاقيات أوسلو نسأل أنفسنا كفلسطينيين، ونسأل رئيس السلطة الحالية، ومهندس تلك الاتفاقيات في أوسلو وواي رفر ومؤتمر انابولس، السيد محمود عباس وكل من التف من حوله، عن تفسيرهم للاستمرار في هذه العبثية السياسية، التي تتكرس في المشهد الفلسطيني، وهي كلمة العبثية نفسها التي استخدمها الرئيس نفسه بوصفه أعمال المقاومة الفلسطينية بأنها عبثية وحقيرة، ليبرر الإسرائيلي بذلك القول، الاستمرار في سياسة الاجتياحات والقتل المستمر، وسياسة التهويد، وبذلك تظهر دولة الاحتلال ، بأنها هي الضحية التي تدافع عن نفسها، وهذه هي النتيجة التي رأيناها قبل عدة أيام فقط في جنيف ، بما يتعلق بسحب تقرير غولدستون، فأي العبثيات من كل هذه التصرفات هي العبثيه الحقيقية ؟! هل هي المقاومة التي دحرت الاحتلال في لبنان وفي غزة ؟! أم هي عبثية تصرفاتكم في جنيف مؤخرا وعبثية المفاوضات العقيمة على مدار 16 عاما ... ؟!

نحن ندرك جيدا حقيقة الخلفية التي جاء منها السيد محمود عباس، المنادي بالحلول السلمية فقط بالمفاوضات ، وهي في الحقيقة استسلامية، وهو أول من فتح حوار مع الجناح اليساري الإسرائيلي في السبعينيات، وقبل أن تنطلق المفاوضات بين دولة الاحتلال والفلسطينيين، والذي كان هو نفسه مهندسها، وهذه هي قناعاته الحقيقية، علما بأننا لم نسمع أو نقرأ عن حركة تحرر وطني، أو دولة حصلت على استقلالها السياسي والاقتصادي الكامل فقط، بالمفاوضات دون نهج المقاومة بالكفاح المسلح، ثقافة وممارسة ، وإنما خطوة الاقدام على قبر تقرير بحجم تقريقر غولدستون بأيدي فلسطينية ، ـــ حتى لو لم يتم تنفيذ ما ورد به، لكنه حزمة من تعرية لممارسات الاحتلال الاجرامية، ووضع قادتهم أمام القضاء الجنائي للملاحقة الجزائية ـــ ليقال للعالم بفعلة سحب التقرير، بأن الاحتلال ليس بهذه البشاعة التي جاءت في التقرير، ولا حاجة لمعاقبة الذين سفكوا دماء أهلنا الزكية.

فماذا كان الثمن للتقدم في جنيف بطلب تأجيل النظر في تقرير غولستون ، قولوها لنا بصراحة .

لنكرر سؤال الملايين، ماذا حققنا بعد 16 عاما من المفاوضات العبثية مع الاحتلال الإسرائيلي ؟ تفضلوا وقولوا لنا ، ماذا حققنا سوى الوهم والسراب ... ؟ وهل نستطيع أن نجني من ذلك شيئا ؟

إن العبثية الحقيقية التي يجب علينا ان نتحدث عنها لكم، هي استحماركم للشعب الفلسطيني ،وسياقة تبريراتكم المملة لكل فعلة مشينة، وذلك حسب ما أورد فجأة نبيل عمرو في وسائل الاعلام من القاهرة مباشرة، وطالب الرئيس بالعودة الفورية لرام الله، والعبثية الحقيقية، هي الطريق التي تمضون ، فإلى أين أنتم آخذون شعبنا والقضية برمتها ؟

نحن في نقدنا هذا، لا نمارس هواية أو رياضة، بل تقطر قلوبنا دما، ونريد أن نسمع صوتنا للعامة جمعاء بكل موضوعية، لما نعيشه ونحس به، ولا يمكن أن نبقى صامتين على استمرار سياسة ادارة الظهر للشعب الفلسطيني ممن يدعون قيادته، واستمرار تمرير التبريرات الواهية لأخطاء قاتلة ، تشكل في الحقيقة نهجا لسياسية وبرامج لم تعد تطاق، ولم تعد غير مفهومة للسواد الأعظم من هذه الأمة العظيمة، وننطلق في تقيمنا لما ورد من بعض الحقائق التي لا لبس في تفسيرها، ولا يمكن إلا أن تندرج في خانات نقض العهد والمبادئ والمنطلقات لهذه الثورة العظيمة التي انطلقت بها، ولا يمكن الا ان تكون فجورا سياسيا ، لم يقل احدا منكم لنا، متى ستكون نهايته، وما هو قائم من سياسات وممارسات سيئة، إنما هو عبثية سياسية بعينيها الاثنتين، تمارس بهندسة الرئيس ومن حوله، من كبير المفاوضين الى أصغرهم، أصحاب "استراتيجية الحياة مفاوضات " ، فقد تم استبدال خيار الكفاح المسلح حتى التحرير ، وهو حق مشروع في مقاومة الاحتلال ، بالمفاوضات العبثية والغير مجدية كاستراتيجية فقط .

وقد تم استبدال ثوب رعاية الشرعية الدولية والمؤتمر الدولي للقضية الفلسطينية، والذي أقرته الأمم المتحدة والجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي زكل الشرائع، فقط بثوب رباعية دولية ومفاوضات ثنائية، بإشراف أمريكي وبحاضنة أمريكية، كيف لا وكل دولار تعتاش به هذه السلطة ويصرف عليها ، إنما هو في معظمه من الأمريكي والأوروبي، فهذه رواتب تدفع بالدولار ، وأن من يتلقى الراتب والأجر من جهة معينة، لا يستطيع التمرد عليها، لأن نتيجة التمرد ستكون معروفة ومحسومة، وأما القضايا الأساسية القدس والاجئين والمياه والحدود والسيادة ، فقد رحلت إلى مراحل متأخرة نهائية، لن تأتي قط، وهذه عبثية سياسية قاتلة بل غباء سياسي، لأن الاحتلال يمعن ويتفنن في الاستيلاء على الأخضر واليابس، بصورة تتسارع يوما بعد يوم، ولن يبقي ما سنتفاوض عليه في المرحلة المسماة نهائية،ولن تجد من الأرض، ما تقيم عليه الدولة العتيدة.

إن الشعب الفلسطيني يستحق بامتياز، أفضل من هذه القيادة الحالية ، قيادة حالية، عملت على تلاشي وغياب برنامجا سياسيا وطنيا، يحظى على الإجماع الفلسطيني، فهم لا يقيمون اعتبارا أحد، وشاهدنا كيف اختطفت حركة فتح في بيت لحم مؤخرا ، وبعد ذلك المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، لما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية .

لقد أصبح خيار السلام هو الخيار الاستراتيجي عندهم، مما طمأن الاحتلال بأنه لن يدفع فواتير جراءمه بحق شعبنا، و هذا الخيار لم يعد وسيلة، وأصبح بديلا عن خيار المقاومة، ولأنهم مستفيدين من الوضع القائم، فإن إطالته لا تضيرهم شيئا ، فعدم تحديد سقفا زمنيا محددا للمفاوضات، أمرا طبيعيا وعاديا بالنسبة لهم، أي مفاوضات إلى ما لا نهاية، الحياة مفاوضات،هكذا يقول كبير المفاوضين صائب عريقات

لقد عملوا على منهجة إخراج القضية الفلسطينية من أبعادها الحقيقية الوطنية والعربية والإسلامية والدولية، وتمكنت دولة الاحتلال بذلك من غزو العديد من الدول العربية والاسلامية ،بأن عززت علاقاتها العسكرية والتجارية والسياسية معها ،ولن يكونوا حسب ما يقال ملكيين أكثر من الملك.

لقد أدخلت هذه القيادة الفلسطينية الشعب الفلسطيني في نفق العبثية الحقيقية المظلم،ألا وهي تلك المفاوضات العاقر التي لا تستند الى شرعية، لا شرعية فلسطينية كاملة ـــ لغياب برنامج سياسي ووطني نستند عليه ـــ ولا إلى شرعية قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة،واستبدالها باتفاقيات ثنائية ورؤى ومقترحات أمريكية وحسن نوايا غير ملزمة.

إن ممارسة سياسات هذه القيادة التراجعية الفارغة من المضمون، والتمسك بها والدفاع الأعمى عنها ، أدى ذلك الى تشجع دولة الاحتلال في الاستمرار في القتل العبثي للشعب الفلسطيني،والاعتقالات والإبعاد ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس بشكل متسارع تحت غطاء عملية السلام، والاعتداء على المسجد الاقصى والحرم الشريف،في محاولة تقسيمه واخضاعه لسيادة مؤسسة الاحتلال الفعلية، ولم تفلح هذه السلطة الورقية في توفير الأمن للمواطنين الفلسطينيين، ومنع استمرار هيمنة وسيطرة الاحتلال على الأرض والثروات الطبيعية والمعابر والحدود (ونقول السلام والمفاوضات هو خيارنا الاستراتيجي )،وحملنا عن سلطات العدو المسؤوليات المدنية، مع احتفاظ العدو بالسيادة المطلقة وبدور أمني مباشر وغير مباشر. بعد كل هذه الاخفاقات والوصول الى وضع فلسطيني مزري ، فقد آن الأوان وقد حان الوقت لحزم أمتعة هذه القيادة،

وقد دقت الأجراس للنذير بحلول وقت رحيل هذه المجموعة المستفيدة من وجود الوضع القائم، وهم مجموعة من الانتهازيين، وأصحاب المصالح الخاصة الضيقة، الذين يتصدون للمقاومة وما زالوا يصرون على محاكمة الانتفاضة المباركة، ووصفها بأوصاف لا تليق، إلى أن وصلت الأمور بهم إلى المساس بكل الحقوق والثوابت من لاجئين وقدس وغيرها،وما زالت هذه الأيدي تعتبر نفسها تمثل قيادة الشعب الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق