الاثنين، 12 أكتوبر 2009

البدء من جديد في أمريكا.. العراقيون يواجهون أوقاتاً صعبة..

تحطمت حياتها المهنية ومستقبلها في وطنها في اليوم الذي وجدت فيه ظرفاً على زجاج سيارتها وفي داخلها رصاصة واحدة- علامة موت وسن ياسين. عرفتْ أن عليها الفرار. في نهاية المطاف، حطّت في أمريكا، أُطلقت النار على أختها، أُختطف زميل عملها.. محيطها الجديد في فلوريدا، وفّر لها ملاذاً آمناً من ويلات الحرب.. ولكن ليس هناك حياة سعيدة.. على الأقل، ليس بعد..

وسن التي عملت مع الأمريكان في بغداد، أخذت تنام كل ليلة في منزل مختلف للتهرب من المسلحين. إنها شربت وتعاشرت مع الجنرالات، وسافرت برفقة الأمن، وأيضا تحولت في العراق إلى شركة بناء تنفيذية أثناءالحرب! وفي صيف العام 2005 وبعد عمليات اختطاف لبعض من أقربائها، أُطلقت رصاصة على زجاج سيارتها، وحصل انفجار في منزلها ومكتب شركتها.. عليه هربت إلى الأردن. أختها أريج التي امتلكت متجراً للتحفيات في مطار بغداد، لوحقت تالياً، وبعد حادث اصطدام وخروجها من السيارة، تلقت رصاصتين في ساقها. اتسمت السنة الأولى من حياتها بالإحباط mansion، بل وحتى بالمذلّة humiliating.. شقة صغيرة في منطقة شهيرة بالجريمة Jacksonville.. عاطلة تعيش على برنامج الطوابع الغذائية، رغم أنها طبيبة نسائية..

سيف الناصري (31 عام)- صحفي ومترجم زمن الحرب.. صيدلي سابق في مستشفى كبير في العراق، هو الآن مساعد صيدلي في مخزن أدوية بولاية نيوجرسي.. خسر منزله المريح بحديقته الزاهية في بغداد، مقابل شيء غير مادي intangible هو الأمن. قال: "نعيش في أمان هنا، وهذا مهم جداً لنا، لكن هناك أموراً كثيرة قضيت سنوات من عمري لبنائها في بغداد. كنتُ معروفاً في ضاحيتي، محل احترام الناس بعامة، بينما هنا أبدأ من جديد.. من الصفر.. كل يوم أقنع نفسي بأني اتخذت القرار الصائب، لأعود أتساءل.. هل أنا حقاً فعلت الشيء الصحيح!؟

بالنسبة إلى آلاف العراقيين ممن تمت إعادة توطينهم في الولايات المتحدة، فقد واجهوا معاناة مؤلمة، وأحياناً اليأس. واكتشف العديد منهم بأن المستويات العلمية المتقدمة فتحت القليل من الأبواب المغلقة في وجوههم، وذلك في بلد يُعاني أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم. قصص واقعية كثيرة عن المهنيين من أصحاب الخبرات العراقيين professionals.. طبيب يقلي قطع الهمبرغر.. صيدلي يغسل الصحون..

كافح العراقيون كذلك في مواجهة صعوبات البيروقراطية الأمريكية المربكة بالعلاقة مع نظام الخدمات الاجتماعية المليء بالأعباء وأدت بهم في كثير من الأحيان إلى نفاد مدخراتهم لتمشية إجراءات توفير الحاجات الأساسية لهم كلاجئين.

"كل شيء بالنسبة إليهم كأنه نوع من التآمر conspiring لجعل حياتهم أكثر صعوبة... هناك تدهور اقتصادي، الظروف الصعبة التي جاؤوا منها، والظروف التي واجههوها لغاية وصولهم.. والحقيقة، أنهم في كثير من الأحيان على درجة عالية من المهارة، ولكن في بعض الأحيان تكون عندهم توقعات عالية تتجاوز ظروفهم كلاجئين.. هذا الوضع يُشكل العاصفة الكاملة the perfect storm" وفقاً لـ Bob Carey- نائب رئيس لجنة الإنقاذ- وكالة لمساعدة اللاجئين.

أعداد ضئيلة فقط لأكثر من مليوني لاجئ عراقي تمت إعادة توطينهم في الولايات المتحدة الأمريكية وبما لا يتجاوز 38 ألفاً للسنوات الثلاث الأخيرة، مقابل بضع مئات في السنوات الثلاث السابقة. الأغلبية جاؤوا كلاجئين، مقابل أقلية حصلوا على تأشيرة هجرة خاصة، تم منحها للمترجمين ومن يماثلهم من المتعاونين مع الاحتلال في العراق..

جماعات الحقوق Advocacy groups، بعض المشرعين، والسناتور كندي في وقت متأخر، كثيراً ما اتهموا حكومة الولايات المتحدة بالبطء الشديد في الاستجابة لآزمة اللاجئين العراقيين، وتعريض هؤلاء ممن كانوا مستهدفين، للمخاطر لتعاونهم مع الأمريكان. كما وجهوا بعض اللوم إلى الإجراءات الطويلة لإصدار التصاريح الأمنية security clearance.

لكن الأمور تحسنت بعد جلسات استماع الكونغرس، إذ أن قانوناً جديداً يجعل الأمور أقل صعوبة للعراقيين المقيمين في أمريكا، وعيّنت الخارجية الأمريكية مستشاراً للتعامل مع هذه القضية، كما زادت سرعة الموافقة منذ العام 2007، وعيّنت إدارة اوباما هذا الصيف منسقاً للجهود المتعلقة بالاجئين العراقيين. ومع ذلك فإن 20% فقط من مجموع 20 ألفاً، على الأقل، من المشمولين بالهجرة إلى أمريكا، تم قبولهم وفقاً لتقرير إبريل/ نيسان الصادر عن منظمة حقوق الإنسان، وبعد أن انتظر بعضهم أكثر من عام في بلدان أخرى..

وحالما يصل العراقيون، يواجهون مجموعة أخرى من المشاكل. المقابلات الرسمية مع العديد من اللاجئين العراقيين في Atlanta and Phoenix استنفدت الخدمات الحكومية والمساعدات الاجتماعية، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن لجنة الإنقاذ. "نتحمل في الواقع، التزام أخلاقي كبلد لمساعدتهم على بدء حياتهم العملية من جديد، مع توفير شيء من الأدوات المساعدة الأساسية.. لغاية الوقت الراهن، لم يحصل شيء من هذه المساعدة،" وفقاً لـ Carey.

لدى كل لاجئ عراقي، تقريباً، قصة رعب حقيقية في العراق، لكن هذه الحالة أعقبتها الاستمرار في نضالهم في أمريكا.. سمير اورو- مجهز الجيًش الأمريكي بالمواد الغذائية والمشروبات. افتتح محلاً لبيع الخمور بالقرب من فندق بغداد. تم اختطافه العام 2005، وضعوه في صندون السيارة معصوب العينيين. تم إطلاق سراحه بعد أن دفعت زوجته 35 ألف دولار فدية.

في العام الماضي، وصل اورو وزوجته وطفليهما إلى كاليفورنيا، حيث يُقيم شقيقه. وحسب قوله، تسلم في البداية 1350 دولار شهرياً مساعدات حكومية (زائداً طوابع الغذاء). ولكن بعدئذ تقلصت هذه الدفعات الشهرية إلى درجة لم تعد كافة حتى لتغطية الإيجار. يحصل حالياً عن طريق الاقتراض من ابنة أخيه في كاليفورنيا على 400 دولار شهرياً. "لم نأتِ إلى هنا لنبدأ معاناة أخرى،" حسب قوله.. قصة اورو هذه تكشف عن الشعور بالإحباط بالعلاقة مع صعوبات الحصول على فرصة عمل، وما تدعوه لجنة الإنقاذ بـ "النقص الخطير في التمويل" لبرنامج إعادة التوطين.

تمنح وزارة الخارجية نحو 900 دولار لإعادة توطين المجموعات القادمة، حال وصول اللاجئ إلى المطار لمواجهة الاحتياجات العاجلة مثل الإيجار، والبقية للخدمات. كذلك فهم مؤهلون للحصول على معونة نقدية لفترة زمنية تصل إلى ثمانية أشهر في حدها الأقصى باختلاف الولايات.. وتتراوح المساعدة الشهرية في المتوسط لعائلة مكونة من أربعة أفراد بين 309 و 575 دولار.. مبلغ ضئيل للغاية لتغطية نفقات المعيشة.

ووفقاً لـ Carey يستطيع اللاجئون العراقيون، بدلاً من ذلك، اختيار مطابقة الأرصدة الاتحادية الممنوحة لهم مع أرصدة الوكالات الخاصة لمدة 4-5 أشهر، لكن 30% فقط منهم استفادوا من ذلك بسبب قلة الأموال المخصصة. وحسب قوله: "النظام هنا فوضى... أخبرني أحد اللاجئين بأن الأمر صار كمثل لعب اليانصيب lottery في تحديدك أين سينتهي بك المطاف، ومتى تحصل عليه."

"قيل لي عندما تذهب إلى أمريكا، هناك منظمات من شأنها... تغطية الإيجار الخاص بك لغاية عثورك على عمل... وهذا ما كان يشبه الحلم، الجنة paradise،" قاله محمد يوسف (39 عام)- مترجم سابق يعيش في إحدى ضواحي واشنطن العاصمة. كمثل العديد من اللاجئين العراقيين، تحمّل يوسف محنة مروعة قبل أن يصل إلى أمريكا: تهديدات بالموت، مقتل زملاء وأصدقاء، وما يقرب من عامين من الانتظار/ الإهمال limbo في سوريا.. وأخيراً حانت الفرصة ثانية.. "تصورتً أنه سيكون بلداً عظيماً... أمريكا هي رقم 1 في كل شيء."

ووفق اعترافه، وضعته وكالة إعادة التوطين في شقة إيجارها الشهري 1700 دولار. انتقل منها، وصار يُعاني من بق الفراش bed bugs في شقة من غرفتين مع زوجته وأطفالهما الأربعة. ثلاثة منهم في المدرسة.. وشكى بأنهم "في حاجة إلى حقائب، قرطاسية.. وكلها مرتفعة الأثمان في حين يتسلم 885 دولار شهرياً كمساعدة نقدية مؤقتة، ويمارس التدريب على العمل.

مصطفى الوائلي، يعيش في Louisville, Ky.. قال "تصورتُ أن شخصاً ما سيقوم بمساعدتي للعثور على عمل.. أريد أن أعمل للبقاء على قيد الحياة." درجته العلمية المتقدمة في هندسة البرمجيات لم توفر له عملاً ثابتاً، رغم أنه يتدرب لغوياً وثقافياً للتأهيل للعمل في إحدى الشركات.

باعتباره قادماً جديداً ليس عنده احتياطات نقدية، ولم يستطع مؤخراً دفع فاتورة الهاتف (48 دولار). وحسب قوله "هذا لم يكن ليحدث لأمريكي... على الأقل سيكون عنده مبلغ 50 دولار وفورات.. لكن المعضلة لا تقف عند حد عدم وجود المال والذي يزعجه.. إنها الصدمة الثقافية... اعتدنا أن ننظر إلى أمريكا من خلال أفلام هوليود. لا شيء في الواقع من هذا القبيل.. إنها حياة صعبة للغاية.. في العراق بالإمكان التوجه إلى قريب أو صديق في الأوقات الحرجة.. ولكن ليس في أمريكا.. هنا، لا أحد عندنا نلجأ إليه أو نعتمد عليه، حتى ولو كان جاراً ملاصقاً لنا.. الناس هنا أصعب مما كنت أتوقع، لا أحد يُقدم لك شيئاً.. اللعنة damn، سواء كان لك مكان تعيش فيه أو صرتَ مشرداً بلا مأوى homeless.. أعرف الحلم الأمريكي American dream.. أعرف أني بحاجة لأن أعمل بجدية لبلوغه. هذا هو بلدي الآن. لن أتركه أبداً. إنه أرض الفرص opportunity. لا اهتم أين ولِدتُ. ما يهمني هو العيش بسلام، وحيث استطيع أن أشعر بأمان... أحب هذا البلد، لماذا لا استطيع العيش هنا!؟"

قائمة توطين الحلفاء (العملاء) العراقيين ساعدت أكثر من 500 عراقي. لديهم فريق من المحامين (المتطوعين للتبرع بخدماتهم) لتوجيه هؤلاء العراقيين ومساعدتهم على سرعة إعادة توطينهم، إذا يبدأ التحضير للعمل حتى قبل وصولهم. "كان عندنا عراقيون يكتبون إلينا خلال أيام من تسلمهم تهديدات بالموت.. ونحن نشرح لهم كيف تسير العملية.. وحالما يصلون، نحاول مساعدتهم،" قالها Kirk Johnson- مؤسس وعامل سابق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID.

عندما وصل محمد المميز إلى Nashville من الأردن العام الماضي، فقد اتكأ المترجم السابق على شبكة واسعة من الجنود الذين عمل بمعيتهم في العراق. زوجة أحد "زملائه" في المنطقة الخضراء، كانت تنقله وزوجته يومياً للتسوق.. والد "صديق" آخر شكى وكالة إعادة التوطن بأنها أسكنت العراقي القادم الجديد في شقة قذرة ذات رائحة كريهة، فتم نقله منها.. العسكري الذي خدم معه مترجماً في العراق قدّم له النصيحة بكيفية حصوله على رخصة قيادة أمريكية.. واعترف بقوله: "لقد كان شيئاً مخيفاً بطريقة ما.. لكن يجب عليك أن تتعلم النظام، وعليك أن تعرف الطريقة التي تجري بها الأمور.."

طلاقة المميز باللغة الانكليزية، هي ميزة بذاتها، لكن "الموقف"، حسب قوله، أمر بالغ الأهمية. "عليك أن تقول هذا هو بيتناالجديد.. عليك أن تضرب قدمك بقوة على الأرض (تصمم) وتقول: هذا سيكون فعالاً وناجحاً.. علينا أت نتكيف adapt.. علينا أن ننسى الماضي ونتطلع إلى المستقبل."

كرّّس المميز ستة أشهر متواصلة بحثاً عن وظيفة، وأخيراً بلغ مرامه- وظيفة مترجم بعقد مع الخارجية الأمريكية. وحسب قوله: "عليك أن تتحلى بالصبر patient. لكن هناك من لا متسع من الوقت لديه.. (في سياق ظروفهم الملحّة و/ أو المزرية).. وحسب قوله: "لغايته فقد توصلت إلى قرار: اسمحوا لي أن اغتنم فرصتي هنا.. إن المصاعب التي تواجه العراقيين لا تختلف عن تلك التي تحملتها الأجيال السابقة من اللاجئين.. الحياة هي بناء تدريجي متواصل.. إنه كمثل تربية الطفل: يحبوا أولاً، ثم يمشي، وبعدئذ يركض.. الحياة هنا هي نفسها. في النهاية كل شيء يستحق العناء."

أقدم حذيفة محمد مؤخراً على خطوة مثيرة.. وقّع عقداً مع الجيش للعمل بصفة لغوي عربي، وهي خطوة يمكن أن تُعيده إلى مهنته السابقة كمترجم في العراق بعد أن هرب بجلده من الموت. "لا أملك خياراً آخر.. لا أُريد العودة للعمل في المصانع أو رفع القمامة trash.. وهذا أمر مهين.. أشعر بالخجل من وعودي لزوجتي بأننا سنعيش حياة أفضل.. هذا هو سبب انضمامي للجيش الأمريكي.. إنهم سيدفعون إيجار سكني وكل شيء." درجته في الماجستير لا تعني الكثير هنا. انتهى به المطاف للعمل في متجر، ثم في مصنع للأبواب والشبابيك.. العمل الأخير، حسب قوله، تركه في حالة انقباض عصبي، اضطر معه الذهاب للطوارئ ودفع عدة مئات من الدولارات.

سهامة منصور التي امتلكت صيدلية في بغداد على مدى 22 عاماً، وجدت كذلك أن الخيارات محدودة أمامها. لغتها الانكليزية محدودة، وتحتاج إلى عدة سنوات لحصولها على ترخيص جديد لمزاولة مهنتها كصيدلانية، عليه فهي حالياً تغسل الأطباق في مطعم. "هناك (في العراق) كل واحد كان يناديها بلقب دكتورة،" وهنا تعيش في شقة بغرفة نوم واحدة مع ابنتها نادين (24 عام) وأخوها (16 عام) ووالدتها في مرتفعات سترليغ- ميشيغان.

لكونها كلدانية/ مسيحية عراقية فقد تعرضوا للمضايقة harassedواتهموا بالعمل مع الأمريكان في العراق. شعروا بأن عليهم الهرب من العراق. وهم ينتظرون بقية أعضاء العائلة للانضمام إليهم من مصر. "اعتدنا على العيش الطيب.. لم نقلق بشأن النقود، لكن علينا الآن أن نقلق !"

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد

ممممممممممممممممممممممممـ

Iraqis face tough times, starting over in America,By SHARON COHEN and LISA ORKIN EMMANUEL (AP).uruknet.info,October 10, 2009.

EDITOR'S NOTE _ Contributing to this story were Ben Leubsdorf in Detroit, Omar Sinan in Baghdad and Detroit and Manuel Valdes in Seattle.

Copyright © 2009 The Associated Press.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق