الأحد، 28 مارس 2010

وقفة أولى وأولية مع نتائج الانتخابات العراقية




عريب الرنتاوي
تصدّرت قائمة العراقية برئاسة إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الأسبق قائمة الفائزين في الانتخابات العراقية 2010، وإن بفارق ضئيل عن الفائز الثاني، قائمة ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، الأمر الذي يتكشّف – إلى جانب بعض المعطيات الأخرى - عن بعض الدلالات السياسية والتبدلات الاجتماعية ذات المغزى، ومنها:

أولا: أن العراقيين بصفة عامة، سئموا انقساماتهم واصطراعاتهم الطائفية والمذهبية بعد أن دفعوا ثمنا باهظا لها خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، ولهذا حجبوا كثيرا من الأصوات التي منحوها لممثلي الكيانات الدينية والمذهبية في انتخابات 2005، ومنحوها لقوى وطنية (علمانية في الغالب الأعم).
ثانيا: أظهرت الانتخابات ميل العرب السنة أكثر من غيرهم، للتصويت لقوائم وطنية وعلمانية، بعد أن كانوا مادة ومسرحا لعنف مذهبي وسلفية متطرفة وإرهاب دام خلال سنوات خمس عجاف، كما دلت أرقام مشاركتهم في الانتخابات على توقهم للخروج من أطواق العزلة وجنوحهم لتعويض ما فاتهم من إسهام في بناء النظام السياسي العراقي الجديد.

ثالثا: أظهرت الانتخابات رغبة العراقيين في التجديد، وضيقهم بالأطر المذهبية و"القومية"، سواء التقليدية منها، أو تلك التي طفت على سطح حياتهم السياسية بعد الاحتلال في العام 2003، فالأحزاب الشيعية التقليدية التي احتكرت تمثيل ما يربو عن نصف العراقيين جاءت في المرتبة الثالثة، والتحالف الكردستاني تعرض لمنافسة جادة من قائمة التغيير والإصلاح من جهة والإسلام السياسي الكردستاني من جهة ثانية، أما السنة فقد ألحقوا هزيمة قاسية بجناحي "إسلامهم السياسي"، السلفية أولا، حين رفضوا دعواتها لمقاطعة وذهبوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع، والإخوانية ثانيا، عندما حجبوا الثقة بصورة موجعة عن الإخوان المسلمين ممثلين بالحزب الإسلامي العراقي وقائمة التوافق.

رابعا: لسنا نعرف بعد حجم المكوّن القبلي والعشائري في البرلمان العراقي المقبل، وقد يلزمنا وقت لتحليل النتائج بصورة أعمق وأدق، لكن الفارق الجوهري بين نتائج الانتخابات الأخيرة وتلك التي سبقتها يبدو جليا في تراجع دور "الدين والعشيرة" لصالح قوى وطنية وحداثية وعلمانية، ويبدو أننا أمام "سيرورة" جديدة، تعيد بناء "الوطنية العراقية" وتبعث إلى الحياة بـ"مجتمع مدني جديد" في العراق، بعد أن نجح النظام السابق في تصفية الأحزاب والمجتمع المدني سواء بسواء، مبقيا على مؤسستي العشيرة والدين لتملآ الفراغ، الأمر الذي انعكس بوضوح على نتائج الانتخابات العراقية الأولى حيث احتل شيوخ العشائر ورجال الدين مكان الصدارة في البرلمان العراقي المنحل.

لسنا نعرف بعد، كيف ستتحرك الكيانات السياسية العراقية، ولا إلى أين سيتجه حراكها السياسي، لكن المؤكد أن تشكيل الحكومة سيكون عملية شاقة، وأن مخضا قاسيا ستمر به الكيانات والائتلافات، وأن بعضها سيتفكك ويندثر وربما ينشأ "جديدها من رحم قديمها"، وقد تستغرق هذه العملية أشهرا عديدة، سيتعين على العراقيين أن يحبسوا خلالها أنفاسهم ما استطاعوا لذلك سبيلا.

ونحمد الله أن الانتخابات جرت في مواقيتها (تقريبا)، وأن فرص عودة المالكي للحكم تبدو متواضعة، فالرجل على ما يبدو يختزن أحلاما سلطوية لا حدود لها، ولو أمكن له تثبيت أقدامه في الأرض، لما نجح أحد في انتزاعها أو حتى زحزحتها، ولأعاد انتاج تجربة صدام حسين بصورة أشد قسوة، مشبغا عليها طابعا دينيا إيديولوجيا استئصاليا، كنا سنترحم معه على أشد أيام البعثيين قسوة وظلما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق