الأحد، 28 مارس 2010

نتائج الانتخابات العراقية ستؤَََََكَّد.. لكنها لن توفر قوة السلطة



ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
         بدأ الاقتراع في الانتخابات العراقية نفس تاريخ كتابة هذا العمود في يوم الأحد، ومن المخمّن أن عشرة ملايين عراقي أدلوا بأصواتهم دون الالتفات إلى التهديدات والمخاطر الأمنية، إضافة إلى 600 ألف آخر من المغتربين واللاجئين، مضافاً إليهم كذلك عناصر الجيش.
     وكالمعتاد، نحن (كاتب المقالة) في الغرب نستخدم اللفظة الرخيصة "حاسمة crucial" لمثل هذه الانتخابات وعلى مدى العقدين الماضيين، في محاولة لتعريف وربط الديمقراطية بمجرد الانتخابات، مع تجاهل حقائق الثقافات الأخرى والاختلافات الشديدة بينها. ويبدو أن كل انتخاب حصل تحت المظلة الأمريكية كان حاسماً، وباسم الديمقراطية دائماً.. لماذا إذن يختلف هذا الانتخاب في العراق عن غيره في هذا الوقت؟
     ما يحصل في أغلب الأحيان..(الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي كطرفين رئيسين)، ومع الدعم الضمني، على الأقل، للأمم المتحدة، فقد أخذوا بفكرة أن الانتخابات التي تتم في موعد محدد، تشكل بذاتها الطبخة الرئيسة للديمقراطية، بغض النظر عن مدى نزاهتها وسلامة نتائجها.
     مثل هذا الانتخابات حصلت بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا خلال التسعينات، في روسيا، أوربا الشرقية والوسطى، البلقان، جنوب أفريقيا، وجبهات أخرى، وحيث ضمّنت أمريكا مصالحها الاقتصادية والسياسية علي موارد وسياسات تلك البلدان، سواء في القوقاز- اوكرانيا (2004)، لبنان (2005)، أو المناطق التي شكلت جزءاً من اللعبة العسكرية الأمريكية: العراق وأفغانستان (2004-2005).
     وكما هو الحال في أغلب الأحيان، فالوجوه الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات باعتبارهم الحكام الجدد أثبتوا بأنهم يشكلون نفس الحكام الاستبداديين ولكن بلباس "الديمقراطية"، ووجوه تمثيلية مصبوغة.. نفس مواصفات فريق الممثلين (الاستبداديين) السابقين.. مفوضون كمثل القدماء، زعماء عشائر، عناصر طائفية وإثنية.. تظهر أسمائهم بعد صبغ وجوههم بما يناسب الدين السياسي "الديمقراطي" الجديد.
     في حالة واحدة فقط من هذه الانتخابات، حصل تغيير حقيقي في القوة/ السلطة، تلك هي حالة جنوب أفريقيا، حيث تحقق تغيير حقيقي في السلطة لصالح الأكثرية السود بانتخاب قائد المقاومة الوطنية الأفريقية نيلسن مانديلا وحصوله على 62.5 من الأصوات (1994)، وهذه الحالة بذاتها تباينت عن غيرها في سياق السماح للأغلبية السود الاقتراع وسحب السلطة من الأقلية البيض، وكانت هذه الحصيلة ثمرة لنضال طويل قادها المؤتمر الوطني وقائده، وهو في السجن، عسكرياً وسياسياً على مدى أكثر من عقدين..
     أية مقارنة بين العراق الجديد الذي تحول من بلد علماني إلى بلد طائفي وبين الجنوب الأفريقي، تكون مقارنة حمقاء سخيفة foolish. في العراق الجديد تعرض الناس للمجازر، الاعتقالات والتعذيب بعشرات الآلاف، التهجير والتشريد بالملايين.. في الجنوب الأفريقي عادت الحقوق للأغلبية في سياق إلغاء التمييز العنصري وبناء مجتمع الأغلبية والسلام الاجتماعي.. في العراق الجديد تحولت البلاد إلى تجزئة ثلاثية قد تنتهي إلى إلغاء اسم العراق، بينما في الجنوب الأفريقي تحقق بناء دولة الوحدة الوطنية في ظل المساواة الدستورية- القانونية..
     يظهر أن اوباما يمكن أن يفي بوعده بسحب قواته وإعادتها للوطن (وليس مجرد إعادة انتشارها في أفغانستان). من المؤمل الإبقاء على حوالي 45 ألفاً من القوات الأمريكية في العراق بحلول شهر آب/ أغسطس هذا العام، مع مغادرة النصف الآخر بنهاية العام 2011.. وبالطبع فهذه الخطة متوقفة على "بيئة آمنة secure environment"  تضمن مصالح الشركات الأمريكية النفطية بالدرجة الأولى.. ولغايتة تجري الأمور على ما يُرام!!
     وفيما يخص المواطن العراقي من عامة الناس، فليس له حلم سياسي، بقدر ما يتمنى العودة إلى واقعه الحقيقي السابق: العودة إلى أيام ما قبل الاحتلال حيث يتوفر له مقداراً كافياً من الكهرباء, الماء الصالح للشرب، الخدمات الصحية، الأمن والأمان، وفرص العمل، حتى وإن تحققت هذه المتطلبات العامة البسيطة في ظل نظام دكتاتوري..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق