الأحد، 28 مارس 2010

في مواجهة بعض التحديات..العرب والغرب صراع بين مشروعين


حسن طوالبه
الأردن


حظيت الأمة العربية بمكانة خاصة متميزة بين الأمم, فكان منها الأنبياء والرسل, وحملت الرسالات الإنسانية إلى البشرية كلها, وآخرها رسالة الإسلام. وشاءت حكمة الله ان يجعل في الوطن العربي كل الثروات والخيرات التي تجلب الخير والسعادة للناس القاطنين فيه من العرب ومن القوميات الأخرى.
وبفعل تلك السمات والمميزات نهض العرب منذ القديم وشيدوا الحضارات الخالدة, وأمدوا البشرية على مر العصور, بعطاءات الخير والمحبة والعلم والإنسانية. وفي الوقت نفسه شكلت تلك السمات والمميزات عنوانا لعداء شديد ومستمر من قبل بعض الأمم والدول الطامعة في خيرات العرب. وبدلا من أن تتفاعل الأمم الأخرى مع الأمة العربية وتتعاون معها لخدمة البشرية والإنسانية, فقد وقفت ضدها وتآمرت عليها منذ القديم, بالسلاح تارة أو بالدس والاختراق والتسلل تارة أخرى.
لقد شكلت التحديات الخارجية عامل إعاقة لنهضة الأمة ومصدر قلق على حاضرها ومستقبلها في شتى المجالات. ولم تعد الولايات المتحدة التي تفردت بالقطبية الدولية الأحادية, تكتفي بالأساليب القديمة في تحقيق مصالحها, بل اعتمدت أسلوب الهجوم وحرب الإبادة والتفتيت, وهو ما فعلته في العدوان على العراق .1991 ومن ثم احتلاله عام .2003
التقت الامبريالية مع الصهيونية في عدائهما للأمة العربية والتآمر عليها منذ أوائل القرن العشرين, ومع ذلك فالكيان الصهيوني الذي يعد صنيعة الدول الامبريالية, حاول ان يتميز بالموقف والرأي في كثير من مقومات وجوده. وقد وقفت الدراسة على عوامل القوة وعوامل الضعف في الحركة الصهيونية وكيانها الاستيطاني, ومن ثم استشراف ملامح مرتكزات المجابهة معهما.
وفي اطار التحديات الداخلية توقفت الدراسة عند تحدي التجزئة القطرية التي جاءت ثمرة اتفاقية سايكس -بيكو وتطورها من حالة جغرافية, الى حالة سياسية قانونية, اذ اصبح لكل قطر دولة وعلم ودستور واعتراف دولي بها مهما كان حجمها وثقلها الاقتصادي او السكاني. كما عالجت الدراسة تحدي الاقليات القومية التي وصلت مطالبها في بعض الاحيان حد الانفصال عن الدولة وكذلك المجموعات الدينية والطائفية, واستغلال الامبريالية الصهيونية هذه الاطارات السياسية والايديولوجية المغطاة بغطاء الدين لتفكيك المجتمع العربي وهز الشخصية العربية والنيل من مقوماتها القومية ومن ثقافتها ومن تراثها الحضاري العريق. وكانت النقطة المركزية التي اثارتها الامبريالية في هذا الإطار هي الديمقراطية  وحقوق الانسان. وقد تميزت رؤية الفكر القومي في مواجهة التحديات بالاصالة المستندة الى عقيدة مؤمنه تقدمية والى فهم العلاقة العضوية بين العروبة والاسلام والفهم الايماني القائم على الخلق والابداع وليس ايمان النسخ وحفظ النصوص, أي مواجهة جهادية تطلق قوى الابداع وترفع الظلم عن الإنسان وتصون حقوقه. فالجهاد عملية خلق مستندة الى ايمان عميق وارادة حرة وهو قانون الحياة وديمومتها وضمان مستقبلها. والجهاد محفز لأبناء الأمة ليكسروا أي طوق يفرض عليها ويعيد من خلاله ما فقدته الأمة في عهود التراجع والقهر الأجنبي, وهو يعني بالتالي وجود الأمة وديمومتها ونهضتها وتقدمها لأن الجهاد يستلزم التضحية بالدم والجسم ويستلزم الإبداع العقلي والتوهج الروحي ومن دون هذه الإبعاد تختل موازنة الجهاد ولا يؤدي الغرض المطلوب منه.

الاستعمار والامبريالية

واجهت الأمة العربية تحديات خارجية متعددة, جاءت من الشرق ممثلة في الغزو والاحتلال من قبل السلاجقة والبويهيين والمغول والفرس والأتراك. ومن الغرب ممثلة في الغزوات والحروب الصليبية التي دامت حوالي 170 عاما, وفي الاحتلالات المباشرة من قبل بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين, وجاء زرع الكيان الصهيوني في فلسطين ليمثل ابشع انواع الاستعمار واخطرها على وجود الامة وعلى مستقبلها وتطورت شراسة الغرب واطماعهم في الوطن العربي عقب الثورة الصناعية في اوروبا, وتطور الرأسمالية من رحم النظام الاقطاعي. ففي الثورة الصناعية تطورت العلوم والتكنولوجيا واتسعت رقعة القطاع الصناعي, وقاد هذا كله الى التفكير في ايجاد اسواق عالمية لتصريف منتجاتهم وجلب المواد الاولية لصناعاتهم. ولتحقيق تلك الغاية تم التركيز على صناعة السفن وتشكيل اساطيل تجوب البحار والمحيطات, ومن ثم القيام بغزوات ضد الدول ومنها الوطن العربي. بهدف السيطرة على المواقع الاستراتيجية ممثلة في الموانئ والممرات المائية التي تضمن سلامة المواصلات وسلامة تجارتهم مع الشرق.
واضافة إلى الاهداف الآنف ذكرها فان القوى المعادية التي وقفت ضد الامة العربية استهدفت تفتيتها دينياً وطائفياً ومذهبياً وتجزئة الوطن العربي إلى دويلات قطرية, واقتطاع اجزاء من ارض الوطن والحاقها بالدول المجاورة, مثل إلحاق لواء الاسكندرون بتركيا والاحواز بايران, او اقتطاع ارض عربية مثل فلسطين لتوطين اليهود الصهاينة واقامة كيان استيطاني عنصري في قلب الوطن العربي, ليظل بمثابة خنجر مغروس في القلب, يمنع وحدته ويحول دون أن تصل الأمة إلى حالات النهوض والابداع والتقدم.
عملت القوى الغربية الاستعمارية المعادية على التسلل في المجتمعات العربية واختراقها من خلال التسهيلات التي منحتها اياها الدولة العثمانية فاوجدت اقليات اجنبية وقوميات متعددة وطوائف متنوعة في المجتمع العربي تستخدمها في اية فترة كقنابل موقوتة تنفجر في اللحظة المناسبة. واضافة الى ذلك فقد عمدت القوى المعادية الى بث ثقافتها من خلال المدارس الاجنبية التبشيرية ومن خلال طالبي الدراسة في الكليات والجامعات الاوروبية, ومن خلال المراكز الثقافية والجامعات التي تقوم بدور تجسسي وتخريبي في آن واحد. وتطور الغزو الفكري من حيث المضمون والاساليب, ووصل الى مرحلة خطيرة في عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات. وصار الغزو الجديد يهدد الامم والشعوب في هوياتها القومية والثقافية.
ان الهدف الذي تنشده القوى المعادية هو الهيمنة والسيطرة المباشرة على العباد وثرواتهم, وسلب سيادة الدول وتعطيل دور الامم الحضاري الانساني, وصولا الى الغاء هويتها القومية التحررية التقدمية. والتحدي الغربي عموما يؤشر اضافة الى الاطماع المادية وحب السيطرة, مقدار حقد الغرب على الامم التي شيدت حضارات عريقة في بلاد الشرق ومنه الامة العربية. فقد جاءوا الى الديار العربية وهم يتنكرون لكل ما قدمه العرب من علوم وفنون واداب, متعالين عليهم ناكرين فضلهم. ويدّعون ان حضارات الامم الاخرى قد انتهت, وعدَوا العرب جنسا منحطا وكمية مهملة..كما عبر (جوليان) في كتابه افريقيا الشمالية تسير.
وأخذ تعالي الغرب اشكالا جديدة في عصر العولمة, منها إملاء الشروط المسبقة, والحوار الأحادي الجانب. كما برزت ظاهرة التدخل الإنساني في شؤون الدول وإصدار مذكرات لاعتقال الزعماء ومحاكمتهم وإنهاء دورهم الوطني في بلدانهم.
وفسر (روجية غارودي) في كتابه حوار الحضارات هذا التعالي باعتقادات مزيفة مضادة بان حضارات الامم قد انتهت وان علمها بلى ومات ولا رجعة لها.
ولم يقتصر عداء الغرب للعرب وحضارتهم وتراثهم فحسب, بل امتد الى معاداة الاسلام والادعاء بانه دين متخلف لا ينسجم مع المدنية والعلم والتكنولوجيا. واخيرا اتهام الاسلام والمسلمين بالارهاب. في اطار حملة مدروسة تقف وراءها الحركة الصهيونية, بهدف اذكاء نار الصراع بين الغرب المسيحي وبين الاسلام والعرب بخاصة. يحدث هذا العداء في وقت يؤكد العرب اهمية الوسطية في الاسلام ودعوتهم للحوار مع اصحاب الديانات السماوية والاتفاق على عدم التعرض لرموز هذه الديانات. ومرد هذا الخوف هو ادراك رواد الفكر الغربي خطر الاسلام على مذاهبهم المادية التي تنكرت لاهمية الروح, فبات هؤلاء يشعرون بالتناقض مع الاسلام وما يمكن ان يحدثه من تفجر روحي في حياة الامم والشعوب التي جفت وخبت الروح والحياة فيها. ولا يخفي مفكر مثل (لورانس براون) تلك المخاوف فيقول "ان الخطر الحقيقي كامن في نظام الاسلام وفي قدرته على التوسع والاخضاع وفي حيويته.. انه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الاوروبي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق