الأربعاء، 17 مارس 2010

الارتفاع الجنوني للأسعار ... وبعد




 النفطي حولة
ما من شك أن هناك ترابطا عضويا بين الأجور والأسعار في كل اقتصاديات الدول الرأسمالية أو الخاضعة لنمط الانتاج الرأسمالي سواء قبل أو بعد العولمة. هذه قاعدة عامة . لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : هل يوجد تناسبا في هذه العلاقة العضوية بين الأجور والأسعار وخاصة في دول الأطراف كما يقول ذلك الدكتور سمير أمين ؟ هذا هو المفروض منطقيا.
لكن نظرية  الربح الأقصى  واعادة انتاج الربح  لتنمية رأس المال المالي واعادة تمركزه ثم اعادة استثماره من جديد في سياق المنافسة الحادة والمزاحمة الحرة وفي اطارالتقسيم العالمي للعمل بهدف الحصول على أكبرفائض مالي لفائدة الشركات المتعددة الجنسيات الاحتكارية والعابرة للقارات حتى يحصل التراكم والتمركز المالي مرة أخرى في دول المركز أي أمريكا والدول الاوروبية واليابان لا تترك الاجور تتطور الا لكونها لا تشكل عبئا ثقيلا وعائقا أمام تطورحركة الرأسمال المالي الاحتكاري .
كانت هذه  المقدمة ضرورية لكي نفهم المنهج والرؤية اللتان تتحكمان في اختيارات السياسة الاقتصادية المتبعة لنظام الحكم في تونس باعتباره نظاما تابعا لنظام الاقتصاد الرأسمالي العالمي الاحتكاري .
وفي هذا الاطار تندرج املاآت صندوق النقد الدولي وتوصيات المؤسسات المالية الاحتكارية في ما يسمى ببرنامج الاصلاح الهيكلي  .وكان تدعيم الخصخصة وانتهاجها كاختيار وحيد لا غنى عنه في سلم أولويات هذه البرامج وهذه القوانين .
بدأت في أولها  بدايات محتشمة مع بداية الثمانينات ثم تسارعت وتيرتها في التسعينان وفي  بداية الألفية الجديدة  وكان ضحيتها هم العمال والطبقة الشغيلة عموما  بالفكر أو بالساعد .
وهكذا تعرض الآلاف من العمال الى الطرد المقنن نتيجة  غلق بعض المؤسسات الخاصة تارة بدعوى  الأزمة الامالية والاقتصادية الناتجة  عن احتكارات الشركات الكبرى التي تسيطر  على الاقتصاد المعولم  وطورا ببيع بعض القطاعات الى الشركات الأجنبية كما حصل  للشركة الوطنية الاسمنت ببوقرنين والاتصالات وغيرها .
وهذا الوضع  أدى بدوره الى تفاقم الأزمة الاجتماعية حيث شهدت ولا تزال الأسعار  ارتفاعا جنونيا لا مثيل له مقابل  ارتفاع طفيف في الأجور لا يغطي بالكاد النزر  القليل من تفاقم الأسعار . فعلى سبيل المثال نتابع سير مؤشر الأسعارفي بعض المواد الرئيسية المسعَرة كالحليب والسكر و الرَز في ظرف سنة ونأخذ عاملا يتقاضى شهريا 400 مائة دينارحتى تكون دراستنا أكثر موضوعية علما وأن الغالبية العظمى من العمال لا يصلون هذا الراتب الشهري فمنهم من يعمل في الحضائربأجرة شهرية لاتبلغ 200 دينار في الحد الأقصى وتعيش عائلته تحت خط الفقر .
الرَز
السكر
الحليب
المواد الغذائية
50
100
130
الزيادة بالمليم  خلال سنة: من 2009الى2010
4
12
  
النسبة التقريبية للزيادة
فالزيادة  الشهرية في هذه المواد المسعرة  فقط تقدر ب 9 دنانير دون اعتبار المواد الغير مسعرة كمواد التنظيف وغيرها قل نضيف دينارا فتصبح الزيادة الشهرية لاستهلاك هذه العائلة 10 دنانير. والسؤال المفروض طرحه الآن هو : اذا كانت الزيادة في الأجر لهذا العامل لا تتجاوز 7 دنانير هذا في الحد الأقصى فكم هو العجز المقدر في ميزانيته الآن اذا؟ أليس 2 دنانير ؟
لنفترض الآن عائلة هذا العامل متوسطة الدخل  التي تتركب من خمسة أفراد ونحسب  بالمليم كم
 تستهلك  في وجبة فطور الصباح ومنتصف  النهار و العشاء كوجبتين رئيسيتين .
مثلا تستهلك علبة حليب و200غرام سكر وخبزة وبيضتان و50 غرام زبدة ومائة غرام معجون و ما معها من هو ما يقدر ب: 2 دنانير
وفي منتصف  النهار تستهلك هذه العائلة ما مقداره 6 دنانير ودون استهلاك اللحم من أي نوع.
ونضيف اليها  وجبة العشاء بما مقداره 6 دنانير أيضا.
هذا دون اعتبار فاتورة الماء والكهربياء علما أن ليس  لديهم هاتف قار.
تستهلك هذه  العائلة في اليوم 12 دينارا وبالتالي في الشهر 360 دينارا. ولنفترض أن هذه العائلة تقطن في مقر للسكنى دون كراء . فهل تكفيها أربع مائة دينار للعيش في ظروف دنيا ؟ فماذا بقي للملبس والصحة ولفاتورتي الماء والكهرباء وقارورة الغاز دون اعتبار مصاريف التنقل الضرورية  والأدوات المدرسية  .  فهذه العائلة ستضطر حتما للاقتراض والمديونية  لتلبي مصاريف لا غنى عنها . وهذا الوضع الاجتماعي المزري يترك الأب عرضة لعديد المشاكل والمصاعب المادية والنفسية .
وفي الختام نتسائل فهل سيلغي الاتحاد العام التونسي  للشغل سياسة التعاقد مع الحكومة وهي المستفيد الأول والأخيرة تاركة الباب مفتوحا على مصراعيه للارتفاع الجنوني في الأسعار. فمتى  يخوض اتحاد الشغل المفاوضات الدورية كل سنة  ويطالب الى جانب الحق الطنقابي الطبيعي في ارتفاع الأجور تعويضا عن تدهور المقدرة الشرائية بتجميد الأسعار التي تشهد ارتفاعا جنونيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق