الأربعاء، 17 مارس 2010

ولا نزال ننتظر سلاماً!


ا.د. محمد اسحق الريفي
 من الغريب أننا نحن العرب نتحدث عن سلام مع عدو يغتصب الأرض ويهتك العرض ويمضي بلا رحمة ولا هوادة في مخططه الغربي–الصهيوني لإقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين! ومن الغريب أن نظن أن العدو الصهيوني سيتخلى عن مخططاته دون أن نقاومه ونتصدى له، بل إن العرب الرسميين يوفرون له غطاء سياسياً ودبلوماسياً، ونخدع أنفسنا بحسن نواياه، وإذا استيقظنا لحظة؛ نقول إنه لا يرغب في السلام معنا، وكأن هذا الأمر لا يزال فيه شك!
 إن مجرد الحديث عن شيء اسمه سلام مع العدو الصهيوني هو استسلام وخيانة للقضية الفلسطينية ولأمتنا العربية، فلا سلام طالما بقي هذه الكيان الصهيوني جاثماً على صدورنا، ولا حديث عن السلام قبل زوال هذا الكيان. وكل من يقبل التنازل عن جزء من فلسطين فإنه يقبل التنازل عن فلسطين كلها، وهذا الرأي في الحقيقة لا تشدد فيه ولا مغالاة، لأنه يصف الواقع الذي نعيشه، فقد تنازل العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية عن الداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948، فماذا جنينا، ثم استمر مسلسل التنازلات إلى أن وصل العدو الصهيوني إلى مرحلة متقدمة من مشروع اقتلاع الوجود الفلسطيني من القدس والاستعداد لهدم المسجد الأقصى.
 وها هو العدو الصهيوني يحاصر الشعب الفلسطيني ويصادر أراضي الضفة المحتلة ويمزقها بأحزمة وكتل استيطانية ضخمة، ويهدد الفلسطينيين في الداخل بالطرد والتهجير، تمهيداً لإنهاء الوجود الفلسطيني من الداخل وضمان قيام دولة يهودية نقية. والأخطر من كل هذا أن العرب وفريق الاستسلام الفلسطيني انحصرت مطالبهم في الآونة الأخيرة في تجميد الاستيطان، ولم يعد لهم أي ثوابت يحافظون عليها، لا القدس، ولا الأرض، ولا الحدود، ولا أي شيء، باستثناء مطالبة العدو الصهيوني بالتخفيف ولو شكلياً من معاناة الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة.
 والأخطر من ذلك، أن الصراع العربي–الصهيوني بدأ يأخذ منحى خطيراً، إذ بات يقتصر على الاحتجاجات والاستنكار والتهديدات الفارغة. والأغرب من كل ذلك أننا نحذر العدو الصهيوني من مغبة تماديه في عدوانه وعمليات التهويد والاستيطان، ونحذر الولايات المتحدة من مغبة الاستمرار في سياستها الداعمة للكيان الصهيوني، نحذر الجميع بانتفاضة ثالثة، أو بانفجار كبير في منطقتنا، أو بالاضطرار إلى سياسة قلب الطاولة... لو كنا قادرين على قلب المنطقة على رؤوس الأنظمة العربية المتخاذلة، فلماذا لا نفعل؟ وإذا كنا قادرين على إيذاء مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في منطقتنا، فلماذا لا نفعل؟. لماذا نحذر من شيء نحن نتمنى حدوثه؟
 إن المرحلة الخطيرة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية توجب علينا أن نتعامل بجدية كبيرة مع الأحداث والأمور، وأن نضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالموقف الرسمي العربي مما يحدث في فلسطين، ولا نجامل أي جهة على حساب القضية الفلسطينية، بل نكشف جميع الأوراق التي تفضح الموقف الرسمي العربي، والحركات والقوى السياسية الصامتة والسلبية في عالمنا العربي، وكل جهة تستسلم لضعفها وخوفها، وتخضع للحكومات العربية. لقد آن الأوان للتحرر من خوفنا وضعفنا وجهلنا، ولا عزاء لنا إن تمادينا بعد كل ما رأيناه على مدار أكثر من نصف قرن من التخاذل والتواطؤ الرسمي العربي.
 إن ما يسمى (إسرائيل) هو ضعفنا، وتخلفنا، وجهلنا، وتشرذمنا، وخوفنا، وفوضانا، وفسادنا، وتخاذلنا، وتقاعسنا، وانخداعنا بسلام، وانتظارنا لرأفة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بنا وبشعبنا الفلسطيني. كفانا شعارات ومهرجانات وقيادات عاجزة وغير قادرة على مواكبة التحديات التي تهدد وجود أمتنا، وغير مواكبة لمراحل الصراع العربي–الصهيوني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق