الأربعاء، 17 مارس 2010

الأسمر مسيرة سلام ؟


فوزي الأسمر
أغضبني سؤال وجه إليّ أثناء مشاركتي في برنامج تلفزيوني عربي . فقد طُلب مني أن أرد على السؤال التالي : هل الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستؤثر على مسيرة السلام الفلسطينية ــــ الإسرائيلية ؟
و كان ردي أن ليس هناك شيء يسمى " مسيرة سلام ", وأن هذا الاصطلاح الذي تبلور بعد اتفاقيات أوسلو, ليس إلا واجهة لتحقيق أهداف صهيونية تحت ستار العمل من أجل السلام, ويتمتع بغطاء دولي وتحرك عربي مسير.
ولا نستطيع أن نشير إلى أي تقدم سلمي منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو. العكس هو الصحيح . فمنذ تلك الإتفاقيات زادت إسرائيل توسعها الإستعماري على الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق بناء مزيد من المستعمرات اليهودية الجديدة و توسيع المستعمرات القائمة .
واستولت قوات الاحتلال على أراض فلسطينية لتشق عليها طرقا توصل المستعمرات بعضها ببعض, ومنعت السكان الأصليين من استعمال هذه الطرق . كما زادت الحواجز العسكرية التي خنقت تحركات أصحاب الأرض . ثم كان هناك بناء الحائط العنصري الذي قسم المدن والقرى العربية وساعد على سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية.كما زادت نسبة طرد العائلات العربية من بيوتها وتسليمها لعائلات يهودية.
وخلال هذه الفترة أيضا ضرب حصار على قطاع غزة وقطعت عن أهله المواد الغذائية والطبية, والكهرباء وبدأت إسرائيل القيام بعمليات اغتيال واسعة, ليس في قطاع غزة فقط, بل في الضفة الغربية أيضا.
وفي نفس الوقت فتحت بعض الدول العربية أبوابها أمام التطبيع مع إسرائيل عن طريق فتح مكاتب اتصالات ومكاتب أعمال , والسماح للإسرائيليين اليهود الدخول إليها والتجوال في أسواقها وأحيائها تحت حراسة من تلك الدول خوفا من أن يؤدي غضب شعوبها إلى الاعتداء على الإسرائيليين. هذا العمل من جانب هذه الدول شجع إسرائيل على التمادي في تصرفاتها معتبرة أن ما تقوم به عمل مقبول لدى الدول والأنظمة العربية.
وخلال هذه الفترة الزمنية أيضا قامت إسرائيل بشن حربين , حرب لبنان الثانية , وحرب مجرمة ضدّ غزة استعملت فيها الأسلحة المحرمة دوليا على غرار قنابل البوسفور الأبيض ضدّ المدنين. وقامت بتدمير البنية التحتية للقطاع , وتدمير مئات المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة, ومولدات الكهرباء, بالإضافة إلى حرق البيارات والمزارع .
كل هذا حدث والجميع, خصوصا الدول العربية, والسلطة الفلسطينية, يتحدثون عن مسيرة سلام. ويخافون من توقف هذه المسيرة .بل ذهبت السلطة الفلسطينية بتقديم المزيد من التنازلات خوفا من انهيار " المسيرة السلمية " .
واقتنع القادة العرب أن هناك " مسيرة سلمية " والتي يجب أن يحافظوا عليها, وتقديم كل الدعم لها عن طريق إظهار نوايا طيبة تقنع إسرائيل بأن العرب يتطلعون إلى سلام معها , رغم رفض تل ــ أبيب لكل المبادرات التي قدمت لإسرائيل ,بما في ذلك المبادرة العربية .
فتحت ضغط أمريكي وافقت الدول العربية, وسلطة رام الله الفلسطينية, قبول مشروع أمريكي يدعو إلى الدخول في مفاوضات غير مباشرة. وأنقذ الموقف بنيامين نتنياهو بتوجيه صفعة للإدارة الأمريكية ممثلة بنائب الرئيس الأمريكي, جو بايدن, حيث أعلنت إسرائيل أثر وصوله إلى تل ـــ أبيب أنها قررت بناء 1,600 وحدة سكنية في المستعمرات اليهودية في القدس العربية .
وبعد كل هذه المواقف الإسرائيلية لا يزال هناك بين العرب والفلسطينيين من يعتقد أن هناك " مسيرة سلام " ويتساءل عما إذا كانت هذه المسيرة ستتأثر بسبب التوتر الكلامي الدائر اليوم بين تل ــ أبيب وواشنطن.
فإذا كان هناك بين العرب من يزال يعتقد أن إسرائيل تريد الوصول إلى سلام وحل مقبول للقضية الفلسطينية فإن عليه أن يذهب لطبيب نفساني. وإذا كان هناك من يزال مؤمن بحل سلمي فعليه أن يفحص قواه العقلية.
فمنذ أسلو قدم العرب كل التنازلات الممكنة لإسرائيل وكان ردها مزيدا من الغطرسة والرفض والعبث بحياة الإنسان العربي.
لقد أصبح واضحا الآن, وبعد حربي 2006 في جنوب لبنان وحرب 2009 في غزة , أن الواقع على الأرض هو الذي يستطيع أن يغير الواقع في دهاليز السياسة الإسرائيلية , بعد أن يغير الأفكار الاستهتارية التي تحملها عن العرب, وبعد أن تبين أن ما يعرف بـ " الحسم العسكري الإسرائيلي السريع " قد إنتهى , وأن العمق الإسرائيلي مفتوحا أمام الصواريخ العربية , وأن ضرب العمق العربي والبنية التحتية العربية سيواجه بالمثل .
فلقد استطاعت إسرائيل تحويل مفهوم " مسيرة السلام " إلى" مسيرة حرب "
ومسيرة التقارب إلى مسيرة التباعد, ومسيرة بناء الثقة إلى مسيرة هدم الثقة, ولم يبق أمام القادة العرب سوى العمل على إقناع أنفسهم بذلك, ومن ثم محاولة إقناع العالم بوجهة نظرهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق