الخميس، 15 أكتوبر 2009

مبادرة حركة مالي

مبادرة حركة مالي

في يوم 13 شتنبر إلتقت مجموعة من الشباب بمحطة القطار بالمحمدية كما كانوا متفقين على ذلك في بالمحطة الشبابية بإمتياز "فايس بوك" و ذالك قصد التظاهر بطريقتهم الخاصة ضد فصل من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار علنا في رمضان.

شكل الحادث سواء من حيث طريقة تقريره وإخراجه سابقة نضالية لم يعهدها لايسار ولا يمين الحركات و الهيآت السياسية و الحقوقية بالمغرب. إنه حدث سيؤرخ به في تاريخ الصراع من أجل الدمقراطية الحقة والحداثة و الحرية.

فرغم محدودية عدد الأفراد المتزعمين و المشاركين في هذه التظاهرة، فإن الإهتمام بها قد فاق كل التوقعات بشكل مبالغ فيه إما تصنعا أو إنصياعا لتعليمات، و هو ما جعل تناول الموضوع يفوق مستوى الإهتمام به لغرابته والبحث عن القشويق والرفع من حجم تسويق الصحف إذ تسابقت كلها لإستصدار النصريحات من هنا و هناك للحديث عن الموضوع و لو أن أغلب هذه الصحف إقتصرت على المؤيدين لرأيها كما لو أنها تبحث عن إجماع قصد إخفاء الإختلاف. فكثرة الإهتمام الزائد هته جعلتنا موضوع سخرية الصحف الإسبانية التي تحدثت عن "عشر سندويتشات و 100 شرطي". الغريب في الحدث هو إصطفاف الصحف الحزبية بكل تلاوينها في الإتجاه المضاد للحركة الناشئة "مالي" و ما أقدمت عليه هذه الحركة بشكل مبالغ فيه لدرجة جعلت المتتبع للأمر أمام مشهد يثير الشفقة و السخرية على منطق من لا منطق له، إذ ذهب فاعلونا السياسيون المعارضون للحدث إلى حد الدفاع عن النص القانوني بمبرر "الحداثة" و الهوية و ما شئتم من النقائضantinomies دون وعي بأبعاد الهرولة اللغوية و المصطلحاتية.

فإذا كانت الجمعيات الحقوقية تتغاضى الخوض في كل ما يرتبط، و لو بهوامش الدين، تحت مبرر و ذريعة "حرية النعبير و الإختلاف" و تبحث لها عن مواضيع في تنصيب نفسها كمدافع عن نزلاء الخيريات حنى يسنمروا في الإستفادة من ذلك رغم بلوغهم سن الرشد الإداري و القانوني و السياسي كما تقحم نفسها مرارا في نزاعات الشغل ذات الطابع النقابي فإن حركة "مالي" قد نفظت عنها الغبار و أخرجت موضوع حقوق الإنسان من الإحتكار و عممت مجاله ليشمل كل ما تنص عليه المواثيق الدولية بما فيها الفصل 18 و كل حقوق الأفراد لا إزاء المخزن فقط كما يقال و إنما إزاء كل سلطة فعلية أو معنوية تمارس على الأفراد كيفما كان مصدرها. إن حركة "مالي" جاءت كما يعبر إسمها "الحركة البديلة للحريات الفردية" لتشكل مبادرة هامة في اتجاه إخراج موضوع الحريات من عنق المعتقدات و النوجهات السياسية حتى تهتم بكل الحريات الفردية.

إن القصل 222 من قٌ ج الذي يشكل محور النظاهرة الشبابية لحركة "مالي" هو أصلا فانون نشاز. فهو كما إعتبرته حركة المبادرة يمس و يحد من الإرادة الفردية، و هو خلافا لكل ما يدعيه المناهضون لهذه الحركة "مالي" من التبريرات الدينية و الشرعية و الإجتماعية نص نشاز لأنه هو الفصل الوحيد الذي ينص على عقاب من ترك "علانية" ركنا من أركان الدين بحيث لا نجد فصولا أخرى تتحدث عن تارك الصلاة أو الممتنع عن الإدلاء بالشهادة أو إخراج الزكاة أو القيام بحج البيت. هذا و لم ترد في الدين نفسه عقوبة غير العقوبة النعبدية للمخل بركن الصيام كإطعام ستين مسكينا أو الصيام...ولم يرد نص يأمر بالسجن أو قطع البد أو... في أي ركن من أركان الدين

فإذا كان اللله قد حدد في تشريعاته الحدود فيما يصدر عن الإنسان تجاه أخيه الإنسان و أوكل لأولي الأمر القيام بتنفيذ تلك الحدود، فإنه خص نفسه وحده بمحاكمة الفرد فيما يخص كل العبادات وذلك علي اعتبار أن قيام الفرد بعبادته أو الإخلال بها لا أثر له إيجابا أو سلبا على غيره من الأفراد وذلك لأن ظاهر الإتيان بالعبادة لا يعني بالضرورة القيام بها كما يريدها الله، وهو ما لا يستطيع البشر البث في شأنه. لم يشهد التاريخ معاقبة أحد لم يوف بالعبادت إلا في ما عرف بحرب الردة لكون المعنيين بها كما قيل، رفضوا دفع الزكاة التي بها يمول بيت المال التي بدورها تمول جهاز الدولة وهو ما يعني أن عدم دفع الزكاة قد يمس بالمجتمع عامة مما يستدعي تدخل جهاز الدولة لفرضها.

فإذا كان المشرع يرى في الإفطار العلني لشخص ما مسا بشعور الآخرين واستفزازا لهم يدفعهم للقيام برد فعل ما، فهل جاء نص الفصل 222 من القانون الجنائي لحماية الصائم من استفزاز الفاطر، أم حماية الفاطر مما قد يصدر عن الصائم من رد فعل بإسم تغيير المنكر و الدفاع عن العقيدة و هو ما لا يقوم به الصائمون حين يرون غش جل الصائمين لجل الصائمين سواء فيما يخص جودة أوثمن السلع و الخدمات والقيام بالواجب المهني كما لا يقومون به أيضا حين يرون بعض الصائمين يشتمون الرب و الدين وكل المسلمين.

إن فرض المشرع التستر على الفاطر بقوة القانون إذن لا حماية للعقيدة أو الدين وإنما حتى لايّمس شعور الصائم يندرج في منطق حماية الذات بمحو الأخر و هو منطق ألفناه في فرض تنازل النساء عن حقهن في التجمل و وضع الحجاب حتى لا يّفتتن الرجل و فرض التستر على الفاطر حتى لا يستفز الصائم و هذا ما يتنافى مع حكمة الله في تركه للشياطين رغم كونهم قد يوسوسون للبشر ويدفعونهم لارتكاب المعاصي وربما الكفر أيضا.

في هذا السياق الحمائي إذن يصبح الفصل مندرجا في الحفاظ على النظام العام أكثر منه دفاعا عن العقيدة كما حلا لكل الذين ركبوا على حدث مبادرة "حركة مالي" ليهاجموا حقوق الإنسان و الحداثة ولو أن بعضهم اعتقد أنه بدفاعه عن قانون يجرم الإفطار يدافع عن الديموقراطية و الحداثة، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى الحديث عن الدفاع عن الهوية و الحداثة في منطق آخر الزمان و هو ما يدفع إلى التساؤل إن كنا بهذا المنطق سنغير الوضع السياسي و الاقتصادي و المعرفي لهذا المجتمع المسكين.

براهيم كازوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق