الخميس، 15 أكتوبر 2009

تجنيد البنتاجون لصحفيين عرب وحرب التجسس الاعلامي

محمود عبد الرحيم

تجربتي مع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" كان يمكن أن تمر مرور الكرام، لكني وجدت أنها جديرة بسردها والتوقف عند دلالاتها التي تتجاوز محاولة استقطابي كصحفي عربي مناهض للسياسة الأمريكية والصهيونية، إلى كونها سياسة ممنهجة لاختراق الإعلام العربي وشعوب المنطقة بمنطق استعماري بغيض.

ويخطئ من يتصور أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة مختلفة عن سابقتها الجمهورية في التعاطي معنا كعرب، وأنها داعية حوار وسلام؛ فالسلوك الأمريكي يؤكد كل يوم أنه يعتبر منطقتنا العربية بيئة معادية وليست صديقة، بصرف النظر عن الشعارات الرنانة، والخطابات المعلنة، وحملات التسويق السياسي التي تواصلت منذ إقدام واشنطن على غزو العراق، وازدادت وتيرتها مع قدوم الرئيس الجديد "باراك أوباما" الذي توهمنا أو بالأحرى ابتلعنا الطعم الذي ألقاه لنا عن فتح صفحة جديدة معنا وإحداث تغيير في المواقف والسياسات.

اختلاف الميدان

إن الاستهداف الأمريكي للمنطقة العربية لا يزال قائما على أشده، ورحى الحرب لا تزال تدور، لكن ميدانها فقط هو الذي اختلف؛ إذ صار الإعلام محورها، والإنترنت أداتها، والبنتاجون هو الذي يخطط ويدير، وليس مستبعدا أن تكون الاستخبارات الأمريكية مشاركة معه، وإن احتفظت بسرية دورها.

وهذا الكلام لا يأتي من فراغ وإنما هو مستمد من واقعة حقيقية تعرضت لها منذ أيام، وحتما هناك الكثير ممن تعرضوا لها؛ حيث فوجئت برسالة إلكترونية تعرض عليَّ التعاون مع موقع يسمى "الشرفة" تتولى تمويله وزارة الدفاع الأمريكية، إلى جانب موقعين آخرين هما: "موطني" وهو موجه للعراق، والآخر "مغاربية" ويركز على المغرب العربي الكبير من ليبيا حتى موريتانيا.

وحين تتصفح هذه المواقع تكتشف دون أدنى جهد وظيفتها الحقيقية وأدوارها المشبوهة؛ فهي ليست سوى ساحة لقياس الرأي العام العربي، وجمع معلومات عن الواقع من السكان المحليين، فضلا عن تحويل العرب إلى مخبرين يتولون الإرشاد عمن يعتبرونهم أمريكيا إرهابيين، إلى جانب أدوار أخرى من قبيل محاولة تحسين الصورة للأمريكان أنفسهم ولأصدقائهم في المنطقة وفي مقدمتهم النظام الحاكم في العراق، فضلا عن إفساح مساحة لفرض الوجود الإسرائيلي عبر البوابة اليهودية، والحديث عن ثقافة وأنشطة "بني صهيون" في المنطقة العربية.

ولعل الإغراء المادي هو الأداة الفعالة في استقطاب الصحفيين المحترفين أو الشباب الطامح إلى الكتابة والتعبير في عمل أقرب إلى النشاط التخابري وبشكل معلن مفضوح.

وجدت الآتي

والقصة تبدأ برسالة وصلتني من صحفي يدعى "عمر الفكيكي" مسئول عن موقع اسمه "موطني"، ويبدو من عرضه أنه مسئول عن موقع الشرفة، وربما أيضا مسئول عن موقع "مغاربية"؛ لأنه ذكرهما في رسالته، وإن كنت على الفور رفضت العرض، فإنني وجدت أن هذا الموقف وحده ليس كافيا وإنما الواجب يقتضي أن أكتب عن هذه المخططات.

في البداية شرعت في تتبع خلفية هذا الصحفي "عمر الفكيكي" ومن ثم محتوى هذه المواقع والمؤسسة التي تديرها من الباطن للبنتاجون، فوجدت الآتي:

الصحفي العراقي عمر الفكيكي

"عمر الفكيكي" هو شاب عراقي في الثلاثين من عمره حاصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية.. تعاون خلال الغزو الأمريكي للعراق مع صحفيين أمريكان في الترجمة، ثم ما لبث أن عمل متعاونا مع صحيفة الـ"واشنطن بوست"، ثم بسرعة البرق صار مديرا لمكتبهم في بغداد حتى عام 2006، بعدها سافر إلى الولايات المتحدة والتحق بجامعة أمريكية وبدأ مسيرته في الارتباط مع المؤسسات الأمريكية المستهدفة للمنطقة من خلال عمله في مراكز تعنى بنشر الديمقراطية الأمريكية وتدريب الصحفيين على قبول المستعمر الجديد.

أما الشركة التي تتولى إدارة هذه المواقع نيابة عن البنتاجون فهيGeneral Dynamics Information Technology، ومجال عملها الرئيسي -كما يشير موقعها- تحليل وإدارة المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وإذا قمت بزيارة الموقع الأقدم نسبيا والذي يعود تدشينه إلى عام مضى مثل "مغاربية" على سبيل المثال فسيصدمك التصريح الموجود في صفحة التعريف بالموقع؛ إذ ستجد إشارة واضحة إلى الحضور الأمني والعسكري، وفي الخلفية -بالطبع- الاستخباراتي الأمريكي؛ فالموقع بحسب ما يقدم نفسه للزائر "ترعاه القيادة الأمريكية الإفريقية، وهي القيادة العسكرية المشتركة المسئولة عن تعزيز ودعم الجهود الأمريكية لتشجيع الاستقرار والتعاون والرخاء في المنطقة".

ويستطردون في تعريف الموقع وأهدافه، فنقرأ: "موقع مغاربية هو مصدر أنباء ومعلومات مركزي يتناول قضايا المغرب العربي بثلاث لغات هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية، ويهدف إلى تقديم تغطية إخبارية دقيقة ومتوازنة ومتطلعة للتطورات في المغرب العربي".

يستقي الموقع ستة أيام في الأسبوع آخر الأنباء من مختلف أرجاء المنطقة كما تنقلها وسائل الإعلام المحلية والدولية، وهو يقدم تحليلات ومقابلات وتعليقات يعدها مراسلو مغاربية مدفوعي الأجر في المنطقة.

مغاربية.. والأنشطة الجهادية

تغطية مغاربية تتميز كما نقرأ على الموقع "بإلمامها بأعماق القضايا المحلية -أهم الفاعلين، والأحداث والحساسيات التي قد تبعث على تطورات ذات مغزى- ممزوجة بمقاربة تلمس مختلف خصائص المنطقة، وهو موقع يتناول الاتجاهات، ويطرح الحلول والنجاحات التي يمكن أن تشكل نماذج يُحتذى بها لتحقيق التقدم عبر مختلف أنحاء المنطقة".

وحين تتفحص الموقع ستجد أنه يركز على استطلاعات الرأي في قضايا سياسية واجتماعية، إلى جانب فتح الباب للمشاركات في أمور تبدو عادية لكن قيمتها التخطيطية والتحليلية ذات مغزى مثل السؤال مثلا عن "دعوة القذافي لحصول إفريقيا على مقعد في مجلس الأمن"، أو: "ما هو أفضل ما يستهويك في رمضان؟"، أو سؤال عن: "هل يجب أن يكون لدى الآباء سلطة الاعتراض على اختيارات أبنائهم في الزواج؟".

وستجد الموقع كذلك يعمد إلى التركيز على أخبار بعينها مثل: "الأنشطة الجهادية والجهود المحلية في دول المغرب العربي لتفكيك الخلايا "الإرهابية"، ووسط زحام الأخبار العادية يبدأ الترويج للوجود اليهودي، وفتح نوافذ للتطبيع الصهيوني من قبيل إفراد مساحة كبيرة لاحتفالاتهم، أو إجراء مقابلة مع مسئولة مسلمة عن متحف يهودي في المغرب وحديثها المملوء برسائل موجهة حول أهمية توثيق المساهمة التاريخية لليهود، ولوم الدول العربية على ارتكاب خطأ وغبن شديد بحق اليهود العرب الذين كان لهم إسهام حضاري كبير.

موطني.. والتوظيف الأمني

وليس بعيدا عن هذا التوجه موقع "موطني" الموجه أساسا إلى العراق، فإذا كان الموقع الأول يركز على مخاطبة المغاربة بكل اللغات التي يعرفونها، فهنا أيضا يفعل المثل؛ إذ يخاطب العراقيين بالإنجليزية والعربية والفارسية والكردية، ويركز أكثر على التوظيف الأمني للموقع من خلال التركيز على نشر أخبار المواجهات الأمنية للمعارضين للاحتلال وحكومته في العراق، أو رصد مكافآت لمن يرشد عن مطلوبين أمنيين، إلى جانب الترويج لـ"إنجازات الحكومة العراقية" من زاوية الترويج للدور الأمريكي في العراق وما يعتبره نجاحا لإستراتيجيتهم، وتغييرا للأوضاع نحو الديمقراطية، وتحسين الأوضاع، رغم أن الواقع الفعلي يؤكد أنه لا ديمقراطية ولا استقرار وإنما معاناة وتوتر ومخاطر تزداد يوما تلو الآخر.

وبالرجوع إلى وثيقة التعريف بالموقع تتأكد مرة أخرى الشبهات المحيطة به مثل سلفه، إن "موقع موطني.كوم (Mawtani.com) ترعاه وزارة الدفاع الأمريكية من أجل دعم القرار رقم 1723 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.. إن "موطني.كوم" (Mawtani.com) يبرز ويؤكد على التحرك نحو المزيد من الاستقرار الإقليمي من خلال التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف من خلال الترتيبات والخطوات التي تتخذها الحكومات نحو الاستقرار في العراق.

يركز موقع "موطني.كوم" (Mawtani.com) على الإجراءات والتطورات التي تمنع كل نشاط إرهابي أو أي دعم للإرهاب في المنطقة، ويقدم الموقع أخبارا من مختلف أنحاء العراق بالإضافة إلى التحليلات والمقابلات والتقارير التي يعدها مراسلون معينون برواتب من موقع موطني، والموقع مصمم لتوفير معلومات واسعة لجمهور وطني عام حول مستقبل الاستقرار في العراق".

الشرفة.. وانتظار المتعاونين

وتكتمل الصورة بموقع "الشرفة" الذي يستهدف بقية الخارطة العربية خاصة مصر ودول المشرق والخليج، وإن كان ما زال هزيلا في محتواه، وينتظر متعاونين محليين ليشاركوا في هذه اللعبة الأقرب إلى التخابر أو حسب خطابهم المراوغ ليتعاونوا في تطوير الأداء.

و"الشرفة هو موقع على شبكة الإنترنت ترعاه وزارة الدفاع الأمريكية، والغرض منه تسليط الضوء على التحرك نحو المزيد من الاستقرار الإقليمي؛ وذلك من خلال اتفاقيات تعاونية ثنائية ومتعددة الأطراف على حد سواء، كما يركز موقع Al-Shorfa.com على جميع المساعي المبذولة لإعاقة النشاطات الإرهابية في المنطقة، إضافة إلى تسليط الضوء على ما يدور في المنطقة من أحداث، ويمد القارئ بالتحليلات والتعليقات والمقابلات الصحفية التي يجريها مراسلون مدفوع لهم، والموقع معد لتأمين قاعدة معلومات للقارئ حول استقرار المنطقة".

ويبدو هذا الموقع متمايزا باسمه، فإذا كان مغاربية اسم تقليدي دلالته تقتصر على البعد الإقليمي أو الصفة التي تجمع كل أبناء المغرب العربي، بينما "موطني" يغازل السيكلوجية العراقية المحرومة من معنى الوطن منذ سقوط بلادهم وتشردهم داخل أو خارج العراق، والعزف على وتر الانتماء الوطني في مواجهة الاختراق من دول الجوار خاصة إيران، فإن "الشرفة" فيها ما يوحي بالترقب وانتظار القادم، أو بالأحرى التغيي

رحيل بوش لم يوقف معارك الإعلام وتجنيد الصحفيين العرب حين يستهدف "البنتاجون" العرب من "شرفة" التجسس الإعلامي محددة تخدم المصالح الأمريكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق