الخميس، 12 نوفمبر 2009

حماس إذ تمنع ياسر عرفات من دخول قطاع غزة ؟!

كتب : عريب الرنتاوي

لم يتح للغزيين إحياء الذكرى الخامسة لاستشهاد ياسر عرفات، ولم تنتشر صور "أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة" في شوارع القطاع وأحيائه وأزقته، فـ"السلطات" هناك منعت طباعة الملصقات أو إقامة المهرجانات وفقا لرواية فتح، ولم تتلق طلبا بذلك من أية جهة وفقا لـ"السلطات" ذاتها، وعملا على ما يبدو بـ"قانون اجتماعات عامة" جائر آخر هناك، وفي ظني أن مأساة الانقسام الفلسطيني برمتها تتحول يوما بعد آخر إلى مهزلة.

ليس من حق حماس أن تمنع عرفات من دخول موطنه والعودة إليه بعد خمسة أعوام من الغياب أو بالأحرى التغييب القصري، فالراحل الكبير ليس بحاجة لأذن من هذا أو ذاك للتجوال في مدن الوطن وقراه ومخيماته، خصوصا حين يصبح الأمر منوطا بموظف صغير في الأمن أو الداخلية، مطعون في وظيفته وشرعية وجوده بالأساس.

وما كان على سلطة الأمر الواقع في القطاع المحاصر والمجوّع، أن تقدم على سلوك من هذا النوع، فعرفات رمز للشعب الفلسطيني، وما من شخص ارتبطت به الكيانية الفلسطينية المعاصرة مثل عرفات، ولا يمكن اختزال الرجل أو "تصغيره" على مقاسات الخلاف والمناكفة في حروب "الإخوة الأعداء" الصغيرة.

وليتذكر الذين حرموا القطاع من إحياء ذكرى رحيل القائد أبو عمار، أن الرجل كان أول الرصاص وأول الحجارة، ومن دون رصاصاته وحجارته، ما كان لحماس أن تنشاء وتواصل المشوار، وما كان المشوار ليكون ابتداءً، لنبحث عمّن يكلمه في وقت لاحق، فالقليل من التواضع مطلوب، والكثير من "الغيْريّة" مطلوب لتخطي "الفصائلية" الضيقة، التي لم تورث أصحابها يوما، سوى ضيق الأفق وعمى البصر والبصيرة، أيا كانت مرجعياتهم الفكرية والسياسية.

كنا نأمل أن تأخذ حماس على عاتقها، وفي قطاع غزة تحديدا، مسؤولية إحياء الذكرى الخامسة لاستشهاد ثالث رئيس لمنظمة التحرير وأول رئيس منتخب للشعب الفلسطيني، سيما وأن الحركة فيما نقرأ لها من مواقف، ونستمع لقادتها من تصريحات، تقرأ باحترام سيرة الرجل وإن اختلفت معه، وتقدر له استمساكه بحقوق الشعب الفلسطيني التي دفع حياته ثمنا لها، وهي ترى فيه شهيدا سقط بسم الغدر الإسرائيلي وتواطؤ من تواطئ من المقربين والفاسدين والمتآمرين، فلماذا نضرب عرض الحائط بكل هذه المواقف والتقييمات، ونعود للتمترس عند خنادقنا الوطنية عند أول محك أو احتكاك.

في المقابل، لقد اختلف عرفات مع حماس، وقاتلها حينا وحماها أحيانا، دفع من حريته ودوره وصورته ثمنا لعملياتها الاستشهادية، وابتدع نظرية "الباب الدوار" المكلفة لتفادي الضغوط لملاحقة عناصرها، وتبادل التنسيق على الأرض وفي الميدان مع الحركة وغيرها من الفصائل في كثير من المعارك والمواجهات، وهو قبل أن تنشأ حماس، لم يقطع صلة الوصل مع جماعة الإخوان المسلمين، وحثهم بكل ما أوتي من قوة على اللحاق بركب الكفاح المسلح الفلسطيني، وكانت لهم في ذلك وجهة نظر أخرى ليس الآن أوان مناقشتها، فلماذا يؤخذ الرجل بجريرة "الدايتونيين"، ولماذا يعاقب "الرمز الأبرز" للشعب الفلسطيني بهذه الطريقة المسيئة لمن قارفها حصرا، وليس للراحل الكبير.

تاريخ الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، لم يبدأ بحماس ولن ينتهي بها، وعلى الحركة إن هي أرادت القيام بدور وطني قيادي، أن توسع دائرة نظرها، للأمام والخلف ومن حولها، فالشعب الفلسطيني أكبر منها ومن أي فصيل مهما علا شأنه وتوسعت عضويته وطالت قائمة تضحياته.

أعتقد أن على حماس أن تعتذر للغزيين وللشعب الفلسطيني عن هذه الإساءة، فقطاع غزة كان وسيبقى حاضنة التعددية الفلسطينية، ولا يحق لأحد أن يفرض عليه لونه الخاص، أو يتعامل معه كـ"حاكورة" له وحده، ومثلما أدنا وندين الاعتقالات والتعديات في الضفة الغربية على كوادر حماس وقادتها ومؤسساتها، فإننا ندين ونندد بالتعدي الذي لم يمس "ياسر عرفات" في ذكرى استشهاده الخامسة فحسب، بل ومس معه أجيالا من الفلسطينيين الذين قاتلوا وناضلوا تحت قيادة أبو عمار وخلف رايات منظمة التحرير سعيا في سبيل الحرية والاستقلال، فهل نرعوي ؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق