الخميس، 12 نوفمبر 2009

الأسير المحرر منير منصور ، مناضل لا يعرف التعب

بقلم نضال حمد*

منير منصور لخص باختصار شديد تجربة السجن و التحرر منه بقوله لأحد الاعلامين:

" الاسير يحمل صورة المجتمع الاخيرة ، صورة بلدته الاخيرة ، و تتجمد معه في السجن ، و نحن نخرج من السجن ، لكن السجن لا يخرج منا ".

الذي جعلني أعجل في كتابة مقالتي هذه هي الحادثة المفتعلة التي تعرض لها المناضل الوطني الشجاع ، الذي لا يعرف الكلل و الملل و التعب و الوهن ، الأسير المحرر منير منصور ، رئيس جميعة أنصار السجين و مقرها بلدة مجد الكروم في الجليل الفلسطيني الأشم. إذ قالت وكالات الأنباء أن سلطات الاحتلال الصهيوني في مطار بن غريون بتل الربيع - الواقع قرب مدينة يافا عروس الساحل الفلسطيني. قامت يوم الأحد الفائت الموافق الثامن من الشهر الجاري بتوقيف منصور في المطار حيث كان ينوي السفر مع عائلته و بعض المعارف الى تركيا. أخبره أمن المطار بأن هناك أمراً من وزير الداخلية يمنعه من السفر ، علما أن منصور أوضح للجميع أن أمر المنع انتهى من تاريخ 01/08/2009 . ليتضح فيما بعد أن الفذلكات الأمنية لمغتصبي أرض الشعب الفلسطيني اخترعت له أمراً غريباً ألا و هو أن هناك قرارا شفويا من وزير الداخلية يمنعه من مغادرة البلاد. حقيقة أن المناضل أبو علي منصور معتاد على هذه العرقلات لكن الأمر الأهم في هذه القضية أن الأمن الصهيوني أنزل حقائب العائلة من الطائرة ، و أحتجزه و أعاده فيما لم يبلغ زوجته بذلك ، ليتركها تطير لوحدها الى تركيا. فسافرت هي بلا حقائبها بينما بقي هو على أرض المطار بدون أية نقود، فمحفظته و أمواله كلها كانت مع زوجته. هذه المعاملة تحدث في الكيان الخار ج عن قوانين الدنيا كلها ، فهم لا يحترمون حقوق الانسان و يخرقونها كل يوم.و لا يهمهم لا أمم متحدة و لا مجلس حقوق انسان و لا مجلس أمن دولي ماداموا و أمريكا في نفس القطار ، قطار القمع و الارهاب.

من هو منير منصور ؟

ولد و ترعرع في بلدة مجد الكروم في الجليل الفلسطيني ، فهذه البلدة لا تبعد كثيراً عن مدينة عكا الحاملة لعبق التاريخ الفلسطيني الضارب عميقاً في بحر فلسطين. والدته واحدة من أربع نساء فلسطينيات من بلدة الصفصاف ، بقين في فلسطين بعد احتلالها ، إذ أنهن كن قد تزوجن من رجال من خارج البلدة. و حين تمت عملية تطهير فلسطين ارض الشعب الفلسطيني من سكانها ، على يد العصابات الصهيونية تحت شعار أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، كانت أم علي والدة منير في مجد الكروم و لم يمض على زواجها إلا ست سنوات. بقيت في مجد الكروم أما صديقاتها الثلاث فتوزعن على بلدات دير حنا و الرينة و الجش.

في مجد الكروم ولد المناضل منير منصور الذي لا يعرف التعب ، الأسير المحرر ، الجليلي الأصيل . فعاش طفولته في ظل حراب الغرباء ، الذين سطوا على الديار و شردوا و شتتوا العباد. شب منير و شبت معه فكرة الثورة ، فأختار دربها طريقاً لتنظيف فلسطين من الرجس الذي نجسها. و تابع هذا الطريق صلباً لا يستكين و لا يلين ، الى أن وقع أسيراً بيد المحتلين سنة 1972 و ذلك اثناء قيامه بمهمة وطنية. بقي في غياهب السجون الصهيونية لمدة 13 عاماً ، أي الى أن حررته المقاومة الفلسطينية في تبادل سنة 1985 ، الذي أجرته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بزعامة القائد المناضل أحمد جبريل. لكنهم عادوا بعد خمس سنوات و اعتقلوه من جديد ليمكث في السجن 6 سنوات اضافية ، خرج منها سنة 1996 .

بعد نيله الحرية و عودته الى مجد الكروم حيث والده و والدته و كل عائلته و أهل بلدته و طفولته ، و حيث تعلم خلال سنوات شبابه في فيء التين والزيتون و ظلال التفاح والأشجار الضاربة الجذور في تربة فلسطين ، أحب هذه الارض ، و افتداها بالدم و الروح و المصير ، بسنوات شبابه خلف القضبان في السجون..

في بلدة مجد الكروم بدأ منير منصور معاناة من نوع جديد تختلف عن معاناة السجون، إذ حاولوا خنقه عبر الحد من حريته و حصاره ، ففرضوا عليه الاقامة الاجبارية في المنزل عدة مرات .. بالرغم من كل تلك الظروف الصعبة و المعقدة إلا أن هذا المناضل صاحب التجربة الطويلة و المريرة في العمل النضالي من خلال 19 سنة قضاها في الأسر .. برهن عن تربيته الثورية ، الوطنية و القومية ، حين اختار متابعة عملية النضال لأجل فلسطين من خلال قيادته لجمعية أنصار السجين التي تعمل لخدمة الأسرى بدون تفرقة بينهم و بدون تبعية لأي فصيل أو اتجاه سياسي..

في عهد الأاسير المحرر منير منصور انطلقت الجمعية و اتسعت دوائر عملها ففتحت لها فروعاً و مراكز في الجليل و رام الله. جدير بالذكر أن جمعية أنصار السجين تأسست سنة 1980، من قبل بعض المحامين و الأسرى المحررين داخل فلسطين التاريخية المحتلة. تم ذلك في ظل تراجع و غياب كل الجهات و المؤسسات ، حيث لم يكن بالامكان معرفة أية مؤسسة تعنى في شؤون الاسرى. لذا جاءت الجمعية تلبية لحاجة تمثلت بايجاد اطار ما يعنى بشؤون الأسرى في سجون الاحتلال. مقرها الأول مدينة الناصرة، و اللافت أن رئيسها كان السيد محمد ميعاري. كما و تتألف جمعية انصار السجين من 180 عضوا و هيئة ادارية مكونة من 7 أعضاء، و رئيس الجمعية، سكرتير تنسيق، تختاره الجمعية بناءً على توصيات المؤتمر العام.

يقول أبو علي منصور أن سبب تأسيس الجمعية في الثمانينات من القرن المنصرم هو ازدياد حملات الاعتقال بين صفوف الفلسطينيين هناك ، حيث اصبحت ايضاً توجد اعتقالات جماعية ، و هذه الجمعية أخذت على عاتقها رفع راية الأسرى و النضال لأجل خدمتهم و تحسين ظروف اعتقالهم و حياتهم و في المقام الأول لأجل حريتهم. كما أنها تتكفل برعاية أسرى الفقراء منهم و دفع تكاليف مكاتب المحاماة و الدراسة للذين لا يمكنهم ذلك. و تتبنى الجمعية مئات الأسرى ، بالذات أسرى الداخل 48 و الأسرى العرب و الأطفال و النساء. تتعرض الجمعية لحصار شديد و تضييق مستمر من قبل سلطات الاحتلال. بهدف منع المتبرعين من تقديم العون و المساعدات و التبرعات للجمعية. و كذلك تعطيل عملها و الحد من حرية القائمين عليها.

أحد الاعلاميين أجرى مقابلة مع منير منصور جاء فيها : " زرته في مكتب الجمعية في قرية مجد الكروم الجليلية / القريبة من عكا، بداية و على مدخل الجمعية، اعتقدت اني وصلت العنوان الخطأ فقد كانت في المدخل عشرات البطانيات، أجهزة التدفئة، بكميات هائلة، ثلاجات كبيرة ملأى بالتمر ... التفت هنا و هناك، حتى رأيته عابراً فنظر الي و ابتسم، و قد ايقن انبهاري ، و قال انت في العنوان الصحيح هذه حاجيات مرسلة للأسرى... تجولت قليلاً في غرف الجمعية، فكانت متحفاً فلسطينياً مميزاً، عشرات التحف الفنية، و الاشغال اليدوية الفلسطينية، عشرات رسائل الشكر من أسرى، عشرات الهدايا و الرسومات و اللوحات الفنية من الأسرى، و كميات ضحمة من الملصقات و ( بوسترس ) التي تمجد بالأسرى و بطولاتهم .

منير منصور في لقاء مع أحد الاعلاميين لخص باختصار شديد تجربة السجن و التحرر بقوله لأحد الاعلامين : " الاسير يحمل صورة المجتمع الاخيرة ، صورة بلدته الاخيرة، و تتجمد معه في السجن و نحن نخرج من السجن، لكن السجن لا يخرج منا ". و تحدث أيضاً عن اعتقاله للمرة الأولى سنة 1972 نتيجة انتمائه لحركة فتح ، وكان عمره 16 سنة ، حيث أصيب في احدى الاشتباكات و حكم عليه مدى الحياة قضى منها 13 عاماً في السجن. لكنه تحرر في تبادل 1985 . ثم ما لبث الاحتلال أن اعاد اعتقاله بتهم جديدة سنة 1990 . و حكم عليه 6 سنوات منها 4 سنوات ادارية. الى أن أطلق سراحه سنة 1996 .

في السجن صقل أبو علي افكاره و تثقف و تعلم و تعرف على الحياة من جديد. تبلورت افكاره بفضل مساعدة رفاق الأسر و المعتقل. و لم تمض سنوات العذاب و الشقاء دونما قفزة نوعية في حياته ، إذ درس خلال فترة أسره الانجليزية و الفرنسية. كما أنه اختير سنة 1983 كأصغر موجه عام لحركة فتح في سجن الرملة.

يحرص أبو علي منصور على التكرار دائماً أن اهل الداخل الفلسطيني في مناطق ال48 هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني و الأمة العربية و أن لهم ما لها و عليهم ما عليها. و أنهم يساهمون في معارك الشعب الفلسطيني كالآخرين تماماً ، و يرفضون أي تمييز حتى شكلياً وهم كسائر الفلسطينيين يسعون لتحقيق كافة تطلعاتهم بالحرية و الانعتاق و الاستقلال و و يرفضون مشاريع الأسرلة. سائرين على نفس النهج، مدافعين عن هويتهم الفلسطينية و أرض الآباء والأجداد، ثابتين في ارضهم.

* نضال حمد - مدير موقع الصفصاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق