الخميس، 12 نوفمبر 2009

كلمة القوى الوطنية في مهرجان إحياء الذكرى الخامسة في رام الله لرحيــل القائـد الشــهيد ياسر عرفات

ألقاها النائـب

قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية

لتحرير فلسطين وعضو المجلس التشريعي

المآساة الفلسطينية تتوالى فصولاً انقسام فلسطيني وانقسامات عربية

يا جماهير شعبنا في الوطن والشتات الأخوات والاخوة المناضلون

الأخ الرئيس أبو مازن

الأخوة قادة العمل الوطني

ضيوفنا الكرام

ماذا نقول لك اليوم، أبا عمار، ونحن نحتشد للمرة الخامسة حول هذا الضريح نحيي ذكرى سنوية أخرى لرحيلك الحزين عنا. ماذا نقول لك والمأساة الفلسطينية تتوالى فصولاً: القدس تقضم كل يوم قطعة من عروبتها ومقدساتها. والسرطان الاستيطاني يتفشى متسارعاً في عروق أرضنا. والأمل الذي علقه البعض على سلام يعيد الحقوق يكاد يتبدد. وما تزال قلوبنا تنزف لاستمرار الصراع الدامي بين الأخوة أبناء الشعب الواحد، ويتعمق الانقسام الكارثي الذي يثلج صدر العدو، كما تتعمق الأزمة في مؤسستنا الوطنية وتبلغ ذروة مقلقة بإعلان أخيك ورفيق دربك، الرئيس أبي مازن، نيته التنحي عند الانتخابات القادمة.

دعونا نبدأ من هذا الفصل الأخير لنراجع سائر فصول المأساة. واسمحوا لي بأن أتحدث بصراحة تامة. فإعلان الأخ أبي مازن وضعنا أمام لحظة الحقيقة، وهي لحظة فريدة لا تحتمل التعميات ولا المجاملات.

لقد قيل الكثير في تفسير أسباب خطوة الأخ أبي مازن. قيل أنها صرخة احتجاج على محاباة واشنطن لتعنت إسرائيل. وإذا كان الأمر كذلك فنحن مع هذه الصرخة، نعليها ونزيد. وقيل أنها نتيجة لكون خيار المفاوضات قد وصل إلى طريق مسدود. دعوني هنا أقل بصراحة تامة ودون حسابات: كلا.. ليس خيار المفاوضات هو الذي وصل إلى طريق مسدود. الذي وصل إلى طريق مسدود هو التعويل على دور الولايات المتحدة واسترضاؤها عسى أن تلقى بثقلها لفك استعصاء معادلة تفاوضية عرجاء تقوم على التقيد من جانب واحد بالتزامات مجحفة لا حصر لها منذ اتفاقات اوسلو الجزئية وتداعياتها المرّة، بينما إسرائيل تخل بكل التزاماتها وتجهر بإدارة الظهر لها دون أن تلقى سوى المحاباة والطبطبة من الراعي الأمريكي. وبسبب من ذلك تدور المفاوضات في حلقة مفرغة حتى بات الجميع يسلم بأنها عبثية.

ثمة بلا شك بديل لهذا الخيار العقيم. وهو بديل ينطلق من التمسك بما أعلنه خطاب الأخ أبو مازن يوم الخميس الماضي تأكيداً على الإجماع الوطني أن لا استئناف للمفاوضات إلا بالتزام إسرائيل بوقف كامل للاستيطان وباحترام قرارات الشرعية الدولية كمرجعية ملزمة للعملية السياسية. بديل ينطلق من النقاط الثمانية التي بلورها خطاب الرئيس كثوابت للموقف التفاوضي الفلسطيني ويبني عليها لصوغ إستراتيجية وطنية بديلة متكاملة.

ذلك أننا لسنا أمام أحد خيارين: إما مفاوضات عبثية أو مقاومة عبثية. بل إنني أجزم أن ثمة خياراً أكيداً ثالثاً هو خيار المفاوضات الراشدة التي تستند إلى مقاومة راشدة. مفاوضات راشدة تقوم على الاحترام المتبادل للالتزامات ولقرارات الشرعية الدولية كمرجعية تدور المفاوضات لا حول مضمونها بل حول سبل تنفيذها. ومقاومة راشدة تمارس في نطاق ما يجيزه لنا، كشعب واقع تحت الاحتلال، القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وتتحدد أشكالها وتكتيكاتها في ضوء موازين القوى وعلى قاعدة الإجماع الوطني.

هذا الخيار لا شك صعب وشاق، له ثمن وله مستلزمات. وأولى هذه المستلزمات وحدة الشعب الوطنية بكل قواه وفعالياته وإنهاء حالة الانقسام الكارثي التي أضعفتنا جميعاً وتكاد تقوض منجزات مسيرتنا الوطنية. ونحن في هذا اليوم، بكل ما ينطوي عليه من دلالات، نتوجه إلى الجميع، إلى قيادات كل القوى والفصائل والفعاليات الوطنية والديمقراطية والإسلامية لنقول لهم بروح أخوية صادقة: ليس الآن أوان تصفية الحسابات، ولا هو أوان الإيغال في الصراعات التافهة على سلطة تكاد تنهار، بل هو أوان مغادرة التنابذ والتنافس اللامبدأي والانطلاق بروح الأخوة والحرص على الوحدة نحو حوار وطني شامل يراجع المسيرة السابقة ويستخلص دروسها ويبلور إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة التحديات التي تبلغ اليوم ذروة خطورتها، كما يحدد السبل لإعادة بناء وحدة مؤسستنا الوطنية عبر انتخابات نزيهة للرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني في آن على أساس التمثيل النسبي الكامل.

نحن نوجه النداء إلى الأخ الرئيس أبو مازن كي يضع جانباً رغبته في التنحي، وأن يبادر إلى دعوة إخوانه للجلوس معاً في حوار شفاف لصوغ الخيارات البديلة التي تستنهض عناصر القوة في شعبنا لفك استعصاء المسيرة السياسية. ومن موقع الصراحة التامة التي تمليها جدية اللحظة، دعوني أخرج قليلاً عن النص وأغرد خارج السرب.

برأيي نحن لسنا معنيين بالحديث عن تجديد بيعة. أنت يا أخي أبا مازن أول من يعلم أن علينا أن نتجاوز عصر إقامة الإمارات ومبايعة الأمراء. ولكن أعزلك وأفخر من كل الإمارات أننا اخترناك قائداً لشعب مناضل، ورئيساً لشركاء أنداد يشاطرونك بذل الجهد والعرق والدم كما يشاركونك صنع القرار. إن أخطأت صوبناك، وإن أصبت صنناك ودعمناك، ولكن دوماً وفي جميع الحالات حميناك وسنحمي موقعك على رأس المسيرة الملحمية لهذا الشعب الجبار. وعلى هذه القاعدة نحن اليوم نجدد العهد وندعوك إلى مواصلة تحمل المسؤولية في قيادة هذه المسيرة.

هذه الدعوة الصادقة، الصريحة والشفافة، أكاد أسمعها تشاركنا فيها روح القائد الشهيد الذي نحيي اليوم ذكراه ونحن نستذكر بحرقة صوته المتهدج الذي كان ينبعث كلما اشتدت ظلمة الدجى ليبشرنا أن ثمة في آخر النفق ضوءً يراه.

نحن اليوم يا أبا عمار، في ليل رام الله الحالك، نرنو بأبصارنا إلى الشعاع المنبعث من مقامك الطاهر هذا، شاخصاً ومصوباً عقولنا وأفئدتنا، كبوصلة لا تحيد، نحو القدس المباركة. نحن هنا اليوم لنجدد لك العهد أن الراية التي حملت، راية الألوان الأربعة التي ترمز إلى وحدة أطياف شعب فلسطين وتجسد وحدة أرض فلسطين بجبالها وسهولها، روابيها وينابيعها، الراية التي من أجلها ارتقيت ستبقى عالية خفاقة في سماء هذا الوطن، تعليها وتصونها الملايين بالسواعد وحدقات العيون في مسيرة صاعدة أبداً نحو شمس الحرية والاستقلال، نحو القدس مدينة السلام التي هي، حريتها، مفتاح السلام لنا ولهم.

11/11/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق