الخميس، 12 نوفمبر 2009

ياسر عرفات

عزالدين خالد

شاهداً على دور الفرد في التاريخ, فقد كان يحمله ويكاد يدير دفته, يتحسس آلياته, كأنَّ التاريخ يسكنه بينما هو يسكن فقط في ضمير شعبه, ويحمله مع منافيه وطناً متحركاً وسكناً لهم أينما سكن, تلاحقه الأبصار أينما ولّى وجهه, في حصاراته التي لا تنتهي وتحليقه الذي لا ينثني, أجنحةً ونبضَ قلبٍ ووعداً متحرراً من قيود تقسيمات الزمان, فقد تحقق الوعد غداً في إشراقة الإيمان بثقة الوصول إلى ما ليس منه بدّ, فكيف للطارئين على النهار أن ينتصروا على من يملك التاريخ ويعزفه على أوتار شعبه لحن انتصار, رغم نشازاتٍ عابرةٍ ما زالت تشوش التاريخ وتفسد ألعاب الأطفال في طريقهم إلى روضاتهم الأولى وحليبهم الأول, بضعة جدارٍ عازل ومستوطنين وكهنةٍ يشرعون قتلهم بسلام, وحفنة قنابل نووية, ومدنٍ أقاموها على دفاتر مدارسهم, وأسماء استهجنوها للثغات ألسنة الطفولة, بينما هو ببساطةٍ ينبتُ معهم عشباً في سفح الكرمل, ويتجولُ في رائحة القرى القديمة والحواري العتيقة, ويهطل مع حبات المطر, ويتكاثف على أوراق الزيتون ندى, فمن ذا الذي يملك أن يمنع الندى والعشب من طقوس الصلاة, وأشبال العصافير أن تشرع أعلامها في الجليل, مثلهم زاهداً في رصانة التحاليل, ومثلهم واثقاً بالبراءة وأن صرخة الولادة أقدس من تصميم الأساطيل, وأنّ زهرةً من بينهم سترفعُ النشيد, ومثلهم يمشي على الصليب, ومثلهم يولدُ دوماً من جديد, ومثلهم ومثلهم, كأنّ حبلاً ما يشدُّهم إلى ما وراء الوعيِ أو ما قبل برزخ الولادة, كانوا يرون ما لا يُرى, ولِذا فإنه ما زال واقفاً هناك يشير مثلهم إلى كلِّ الرواية, يقول مثلهم: "يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنّا لصادقون.

الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق