الأحد، 22 نوفمبر 2009

أشواقٌ تتسلقُ الأشواكَ


د. فايز أبو شمالة
أصدّق أن السجين "عبد الله أوجلان" زعيم حزب العمال الكردستاني قد عشق محاميته، كما جاء في صحيفة "كونيش" التركية، بعد أن التقى فيها مئات المرات، وأزعم أن الحب لا يحتاج إلى مئات اللقاءات، فالحبُّ يكتفي بنظرة حيناً، وأحياناً يلهو كالأطفال في الطرقاتِ، قبل أن يكبر، ويصير غيمة تسقط أمطار الشوق على المحبين، وتنثر رذاذه على ضوء المصباح، ليطل عليهم كل صباح في مرايا النفس، التي تصير خلف السور كالبلور تعكس عطرها المنثور، وتلامس بالحنين قلب السجين "عبد الله اوجلان" وترطبه بأرق شعور، وهي تشحن حياته بإرادة البقاء.
وللحب في غرف السجن مذاق النسيم، ورائحة البنفسج المنبعثة من أنفاس الزائرين، فإن تكررت زيارة امرأة بعينها، فإنها تصير الأكسجين الذي تتنفسه الرئتين، وتزفره حسرة مع الفراق، فالمرأة هي إرادة الحياة، وهي الذاكرة المتقدة في الغياب. وهذا ما حصل مع السجين سمير القنطار سنة 1992، حيث ترددت علي زيارته فتاة فلسطينية من عكا، لينمو عشب الحب على جدران قلبه، وهو يهمس لي في سجن نفحة الصحراوي عن شوقه الذي لا ينطفئ للفتاة الزائرة. ورغم محاولاتي لثنية عن هذا الحب الذي لن يحصل على شهادة ميلاد بين محكوم بالمؤبد، وبين امرأة يحاصرها الإعجاب بالسجين والشفقة عليه، إلا أن الرغبة في تواصل الحياة فرضت نفسها حباً على القلبين، وصل إلى أقصى مراميه بإعلان خطبتهما خلف الأسوار، ولكنها خطوبة لم تستطع أن تخترق جدران الغرفة، وظلت شوقاً معلقاً على الأشواك!. ليخرج سمير القنطار بعد ستة عشر عاماً، ويتزوج المذيعة اللبنانية "زينب برجاوي" سنة 2009، بعد أن غطى الزمان بأحداثه مصير الفتاة الفلسطينية.
        في حالة أخرى أثمر الحب خلف الأسوار زواجاً؛ فقد حصل أن هاتف السجين الإسرائيلي المشهور "هرتزل أبيتان" أمه من سجن بئر السبع، وردت على الهاتف فتاة إسرائيلية لا تتعدي 17 عاماً، جاءت لزيارة أمه بالصدفة، فما كان من "هرتزل" إلا أن دعاها لحضور محاكمته، وهناك التقيا، وتعانقا، ليستيقظ بين قلبيهما حبٌ لم ينم على فراش الزوجية إلا بعد أن أجبرا إدارة سجن بئر السبع على توفير غرفة حب خاصة لهما، يلتقيان فيها يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وفق القانون الذي لا يطبق على السجناء العرب.
        فما أحوج السجين إلى همسه حنان، وظلال أملٍ، ولمسة أمان! وما أوسع أفق السجين، وما أنقى قلبه، وما أصدق حبه، وما أرق دمعه، وما أطول صبره!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق