الأحد، 22 نوفمبر 2009

المصريون تفرعنوا علينا ... ولا ينكر فضل مصر عبد الناصر على الجزائر الا كل جاحد



باهي صالح





كاتب من الجزائر



إلى غاية يوم أمس كنت أعتقد أنّ اللّغط الحاصل قبل و بعد المباراة الكرويّة الّتي جرت في السّودان بين مصر و الجزائر...
كنت أعتقد أنّها مجرّد ضوضاء و جعجعة فارغة لمجموعات المشجّعين و المناصرين كما يحصل عادة في كلّ البلدان و حتّى في المباريات الّتي تجري بين أقاليم و أحياء و ضواحي البلد الواحد...
كنت أعتقد أنّها ضجّة يؤجّجها و يهيّجها مجموعات أخرى من القوّادين و المستنفعين من وسائل الإعلام الخاصّة و غير الرّسميّة في كلا البلدين...
كلّ ذلك حدث معي كما قلت إلى غاية يوم أمس...إلى غاية اتّخاذ النّظام المصري الرّسمي لمجموعة من الإجراءات الخطيرة الّتي لا يُلجأ إليها عادة إلاّ في حالات الحرب و التّعبئة العامّة...
الكثير من المتابعين و المشاهدين في طول العالم العربي و عرضه صُدموا و لم يصدّقوا أعينهم و آذانهم...
 مبارك يجتمع بمجلس الأمن القومي المصري و يستدعي السّفيران المصري و الجزائري ثمّ يتصدّر نظامه و عبر وسائل إعلامه الرّسميّة قبل الخاصّة حملة غير مسبوقة، حملة عجيبة غريبة من التّهويل و التّضخيم و النّفخ من أجل ماتش كورة تلته تبادل لمناوشات و تراشق بالحجارة المرّة الأولى في مصر و المرّة الثّانية في السّودان و كلّ ما انجرّ عنهما كسر لزجاج الحافلات و بعض المجروحين دون حادث موت واحدة، مع أنّه و بالنّظر إلى أهمّية المباراة و عدد المناصرين و حجم الحماسة فإنّه كان من الممكن جدّا سقوط عشرات القتلى و الجرحى من الطّرفين دون أن يُأبه لها أو تتأثّر علاقات البلدين...
فواللّه الّذي يحدث أحيانا بين فريقين في نفس البلد هنا أو هناك من تخريب و أحداث شغب و معارك ينجم عنها جرحى و ربّما حتّى قتلى لهو أكثر و أبلغ مدى....؟!

 ما دام الرّئيس المصري اجتمع بمجلس أمنه القومي و كبار مسؤوليه و بالنّظر حملة النّفخ المسعورة فليس من المستبعد أن يتبع ذلك إعلان للحرب و التّعبئة العامّة و بدء زحف الجيوش المصريّة الباسلة إلى العدوّة الجزائر في الأيّام القليلة الماضية...و اللّه عجايب...؟!!
 فهل جنّ مبارك و جنّ وزرائه و مستشاريه أم أنّ وراء الخطوات المتّخذة ما وراءها حسب بعض التّأويلات و التّفسيرات الّتي تنزع نحو أهداف و أبعاد سياسيّة أساسها تدجين الشّعب المصري و توجيهه و إعداده أو بالأحرى غسل دماغه لتقبّل عقيدة التّوريث خاصّة و أنّ الإعلام المصري حرص منذ البداية على التّركيز على إظهار نجل الرّئيس مرافقا و مناصرا و مواطنا صالحا من الدّرجة الأولى...؟!!
 لم يجتمع مجلس الأمن المصري أثناء الحرب على غزّة حتّى على سبيل الدّعم و المؤازرة المعنويّة لأهلنا في غزّة...أين كان مبارك و أين كان مجلس أمن قومه الأبله عندما قتل حرّاس الحدود الإسرئليّون الجنود المصريين...و أؤكّد أنّ هذا المجلس ما كان ليجتمع حتّى و لو أغارت طائرات إسرائيليّة على أرضهم أو حدودهم أو حتّى مدنهم...؟!
 و أتساءل أين المثقّفين و المفكّرين و العقلانيين من أهل مصر....كيف يركبون جميعا موجة النّظام المصري...ألهذه الدّرجة وصل بهم الانبطاح و الاستسلام....؟!!
 مشكلتنا نحن الجزائريين مع اخواننا المصريين هو التّفرعن ؟!!
  مشكلة المصريين معنا كجزائريين أنّهم يرون أنفسهم أفضل و أعلى منّا و لا تضاهيهم في السموّ و الرّفعة أيّة دولة عربيّة أخرى , وهم لعمري لا يكادون يختلفون عنّا في شيء في مقدار تخلّفهم و انحطاطهم ....؟!
فالصّين مثلا لم تتفرعن على أمريكا و لا على اليابان و لا على أوروبا رغم أنّها تعرف و الجميع يعرفون قدرها العالي و مكانتها العليّة في العالم ليس بماتش كورة أو لاعبين بل بما أبدعوه و أنتجوه و غزو به أسواق و سكّان المعمورة....
و أمريكا لم تتفرعن على بريطانيا لأنّها تجاوزتها في التقدّم و القوّة رغم أنّ الثّانية صنعت الأولى ...و لو أردنا أن نضرب الأمثال فغيرهما كثير....
 ثمّ ما كلّ هذا الورع الّذي أظهره الصّحفيّون و المعلّقون و مقدّموا البرامج الرّياضيّة على حين غرّة خاصّة في مصر و هم يمارسون مهمّاتهم القذرة في التّحميس و التّهييج...
الكلّ لا ينطق إلاّ قرآنا و لا يبدأ و لا ينتهي و لا يستدعي بين كلمة و أخرى و هو يتحدّث إلاّ دعاء أو ابتهالا أو طلبا للنّصرة و هزم الخصم حتّى لا يخيّل للمتابع أنّهم في غزوة مباركة أو جهاد مقدّس ضدّ جيرانهم من يهود حفدة الخنازير...
ما كلّ هذا السّجود و الرّكوع و نحن نرى لاعبيهم يعفّرون رؤوسهم و جباههم بتراب الملاعب...
ما كلّ هذا الورع و التديّن الّذي هبط عليهم فجأة...
و هكذا فعل عدد من المنافقين و النّاعقين من الجزائريين....؟!     

هل مقابلة في كرة القدم يجعلنا كجزائريين ننسى أو نتناسى فضل المصريين علينا...؟!
 نعم أقول و أشهد أنّ لمصر جمال عبد النّاصر فضل على بلدي الجزائر لا ينكره إلاّ جاحد لئيم و لا يغطّيه أو يموّه عنه أيّ مقابلة كرويّة...فضل خاصّة على ثورتنا التّحريريّة الكبرى لا يبليه و لا ينسيه توالي الأزمان و الدّهور...فضل يصعب إنكاره أو المرور من فوقه من طرف كلّ جزائريّ منصف و حرّ....
 الحقيقة أنّه لولا مصر لما كانت هناك ثورة جزائريّة تُذكر، و لولا مصر لأصبحت جزائر اليوم مقاطعة فرنسيّة...
 أي نعم أقولها كجزائريّ و ككلّ جزائريّ صادق كريم و لا يهرب من كلمة الحقّ لأيّ سبب كان حتّى و إن كان ماتش كورة و مجموعات من المرتزقة و سفهاء و غوغاء البلدين، أقول أنّ المصريّين قسموا معنا لقمة عيشهم عندما لم نجدها و شغلتنا ثورتنا.... أمدّونا بالسّلاح و العتاد و درّبوا أبنائنا و مجاهدينا و نظّموا ثوّارنا عندما كنّا ضعفاء عزّل، أكرمونا و احتضنوا مناضلينا و مثقفينا و قادة ثورتنا مثل أهلنا في تونس و المغرب أو أكثر...كانوا لنا نِعم المعين و السّند معنويّا و إعلاميّا  في البلدان العربيّة و المحافل الدّوليّة عندما لم يكن يأبه أو يسمع بنا أحد و كانت إذاعة صوت العرب لسان حالنا في الدّعم و الحماسة و التّرويج للثّورة و عمليّاتها العسكريّة...كانت لمجاهدينا مثل إكسير البقاء و الاستمرار، كانت المتنفّس و بوّابتنا للعالم و الآخرين...كانت المرّوج و المسوّق الوحيد و بلا مقابل  لقضيّتنا و لتضحيات شعبنا....

 إنّ أفضال الشّعب المصري علينا نحن الجزائريين لا يمكن أن تخفيها أو تطمسها مقابلة في كرة القدم و شراذم وبائيّة هائمة هنا و هناك تعيش و تقتات كالقوارض على اصطياد الفرص الّتي يسهل الدّخول عبرها بغرض الرّبح كما فعلت جريدة الشّروق رغم أنّها جريدة إخباريّة إجتماعيّة كانت إلى عهد قريب شبه مغمورة...!
  نعم أقول و أؤكّد أنّ مصر جمال عبد النّاصر في ذلك الوقت زهدت في حقّها و تجاهلت أبعاد لعبتها و هي تلعبها بحماسة و اندفاع لصالح الجزائر، لم تفكّر للحظة واحدة و لم تضع في حسبانها مصالحها و علاقاتها الدّوليّة، جرفتها المحبّة و المصير المشترك، حرّكتها أحاسيسها و عواطفها الأخويّة الجيّاشة الّتي قوامها الدّين و اللّغة و بسبب ذلك دفع إخواننا المصريّون الثّمن و كان بتأليب الأعداء عليهم من بني صهيون و الدّول الاستعماريّة و استثارة غضبهم و ضغائنهم و كلّ ما انجرّ عن كلّ ذلك لاحقا....
 و اليوم عندما ترى هيجان الجزائريين بالفرحة و أعراسهم و أفراحهم و خروجهم الصّاخب إلى الشّوارع تظنّ أنّهم غزوا الفضاء و فتحوا القدس و طردوا اليهود من أرض فلسطين و حرّروا العراق و أفغانستان و سبقوا الغرب الكافر في مجالات الإبداع و التّنمية المختلفة ، و عندما ترى طريقة استقبالهم لللاّعبين تصاب بالدّهشة و تظنّ أنّ أفراد الفريق الكروي ليسوا مجرّد فريق شبّاني لكرة القدم و إنّما عظماء و أبطال أستطعنا من خلال نبوغهم و عبقريّتهم و طول تدريبهم أن نغزو الفضاء و نستوطن المرّيخ قبل أمريكا و اليابان و الصيّن و غيرهم، أو أولئك القادة الّذين قدحوا نهضتنا و قادوا كلّ عمليّات التّحرير و إعادة الأراضي المسلوبة....
و واقع الحال يقول أنّنا متخلّفون في كلّ الميادين بامتياز و عاجزون حتّى عن أكل الخبز بعرق جبيننا و فاشلون في تنظيف أحيائنا و ردم حفر طرقاتنا و جمع قاذوراتنا و مزابلنا....!

 أعود و أقول أنّ النّظام المصري لا يبرّر و لا يسوّغ  له لهجته العدائيّة و لا خطابه الاستعلائي و لا المدى الّذي بلغه في الإجراءات التّعبويّة و التّضخيم و التّهييج و تعبئة ارمادته من و سائل إعلامه العموميّة و الخاصّة غير السّياسة و ضروراتها أو بالأحرى شؤون الحكم و توريثه...
 مناصري و مشجّعي ماتشات كرة القدم في كلّ أقطار العالم و حتّى بين الفرق المحلّية يحدث بينها كما قلنا ما يحدث و لا ينجرّ عنها استدعاء لمجلس الأمن القومي أو قطع العلاقات بين دولتين شقيقتين....؟!!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق