الأحد، 22 نوفمبر 2009

تخدير الكرة أو كرة التخدير


النفطي حولة : ناشط سياسي ونقابي :  22 نوفمبر 2009

 أصبحت الرياضة في العالم  وخاصة  في مجال مباريات كرة القدم  وبالذات في هذه المرحلة تكتسي صبغة سياسية لما لها من تأثيرمباشروغير مباشرعلى أخلاق وتقاليد الشعوب في ظل سياسة كروية عالمية مقصودة تشجع على تفاقم ظاهرة العنف في الملاعب وفي الشارع .فتأسست بذلك ثقافة التهريج الكروي وما يستتبعها من برامج دعائية وتحريضية في كل دقيقة رسخت العداوة والحقد والكراهية بين المتنافسين  وحتى بين الشعوب . فأصبحت ترى الاعلانات على المباريات في كل وسائل الاعلام على اختلافها وتعددها في كثير من الأحيان تتصدر نشرات الأنباء العالمية والاقليمية والمحلية . فتصبح لها الأولوية على نقل أخبارالسياسة العالمية . وهكذا ساهمت وسائل الاعلام العالمية في تهيئة المناخ لنشوء الاعتداءات والعنف والحقد بين الشعب الواحد. واذا رجعنا الى بعض المحطات التاريخية التي وقعت فيها تصفيات كأس العالم  نجد مثلا أن غزو العراق كان مقترنا بالدورة التي وقعت في سنة 2003  كما أن العلاقة  السياسية بين الدول تخضع في عدة أحيان الى  جو تلك المباريات الكروية فاذا كان الوضع الدبلوماسي يشجع على الحوار فيسمح بقيام تلك المباريات كما حصل في بين ايران وأمريكا في تصفيات كأس العالم الأخيرواذا كان الوضع يستجيب للتوتر فتعلق تلك المباريات وتمنع . وهكذا تستعمل مباريات كرة القدم في الابتزاز السياسي  من هذا الطرف أو ذاك . ومن هذا المنطلق أصبحت الرياضة تلعب دورا سياسيا مهما في العالم فتستعملها النخب السياسية الحاكمة في توجيه وصناعة الرأي العام . ففي الوقت الذي يعيش فيه الشعب العربي مشاكل الاستبداد السياسي  والظلم الاجتماعي  والاستغلال الاقتصادي  والتهميش والاقصاء والدعوة الى التوريث لذاك الزعيم أو للآخرتستعمل الرياضة كوسيلة مؤثرة جدا  في تخدير الرأي العام وتلهيته عن همومه ومشاغله اليومية . وما يحدث هذه الأيام في الشارع العربي من اعتداءات خطيرة في الجزائر ومصر نتيجة مباريات كأس العالم لسنة 2010  يبعث على القلق والألم والحسرة . فكثيرا ما سمعنا عن أحداث شغب نتيجة مباريات رياضية  كما حصل  بين ايطاليا وبريطانيا  أو بين السلفادور وهندوراس  لكن ما فاجئنا في هذه الأحداث الأليمة التي حصلت في كل من مصرالعروبة  مصر عبد الناصر التي دعمت الثورة بكل ما تملك من مال وسلاح وعتاد  وغطاء سياسي واعلامي حيث أطلق من صوت العرب بالقاهرة أول بيان للثورة الجزائرية وجزائر المليون ونصف شهيد وجزائر جميلبة بوحيرد هو درجة الخطورة التي وصلت اليها العلاقة بين الشعبين .فقد وصل الوضع الى حد لا يطاق  حيث ازهقت أرواح بريئة و أحرقت سيارات واتلفت تجهيزات وتكسرت العديد من الواجهات والمحلات. بل  تجاوز الأمر ذلك الى حد استدعاء السفيرين في كل من البلدين الشقيقين . فما هو السبب ياترى ؟ هل هو في الحاكم أم في المحكوم ؟ أم في الوضع الاجتماعي  اوالسياسي والاقتصادي البائس الذي يعيشه شعبنا في القطرين ؟ وهل أصبحت فعلا كرة القدم  عنصر تخريب للعلاقة التاريخية التي تربط بين أبناء شعبنا في كل من مصر والجزائر واللذين ينتميان الى  أمة عربية واحدة؟ أم أن هناك أطراف لها مصلحة في  استغلال تلك المباريات لتسميم الجو وخدمة أجندتها التخريبية لمصلحة الأمة العربية في الوحدة؟

ان سيطرة ثقافة التهريج الكروي التي أنتجت ثقافة التخدير والتي خلقت جمهورا عنيفا نمَت فيه الشعور بالعداوة والحقد والكراهية بين المتبارين  من ذوي الشعب الواحد والحي الواحد والشارع الواحد. ونستطيع القول أن سيادة التصحر الثقافي  في حقل الثقافة والمعرفة في الواقع العربي وما انتجه من تجفيف للمنابع  وضرب لكل عوامل القوة الذاتية والموضوعية في تراثنا النيروالأصيل التي توحد شعبنا العربي هو الذي دعم هذا المشهد الكروي المتخلف والهمجي الذي نعيشه.
فأصبح الموكول لوسائل الاعلام على اختلاف أنواعها وتناسلها وتكاثرها ابتداء من المكتوبة الى المسموعة وخاصة المرئية هو نقل المباريات الرياضية ورصد نتائجها  محليا ووطنيا وعالميا . وأصبح المحللون الرياضيون يتبارزون في استعراض  معلوماتهم وقراآتهم  ويتنافسون في فك رموز وطلاسم اللاعبين  فيأتون على أدق التفاصيل  وكأن المشاهد  أمام حرب أو معركة حادة  بين طرفين عدوين . فكثرت البرامج الرياضية حتى صار المواطن يلهث كل يوم  وراء البرامج الرياضية في القنوات وما تبثه من مباريات بين هذا الفريق أو ذاك. فهذا محلل استراتيجي في كرة القدم وهذا محلل استراتيجي في  الكرة الطائرة وهكذا غزت القنوات العديد من الوجوه التي  تعتبر نفسها مختصة في الشأن الكروي . وهكذا  ساهمت وسائل الاعلام في خلق رأي عام  لا هم له غير الكرة وسبر نتائجها . ولشد الرأي العام والمواطن أكثر فأكثر خلقت الشركات الاحتكارية  العالمية الرأسمالية منافسات متعددة في مجال الرياضة من المحلي الى الدولي ومثالنا على ذلك البروموسبورالتي أصبحت حلم الملايين من أبناء شعبنا الذين يحلمون بثروة طائلة وسهلة. وهكذا أصبح المواطن يجري وراء نتائج المباريات عن وعي أو عن غير وعي . فصرت  لا تسمع في المقاهي غير الكلام عن المباريات الكروية ونتائجها وما يتعلق بها من اعلام وتحاليل و وجهات نظر أدت الى خصام وتشاجر لفظي أو مادي هنا أو هناك . وكأن حياة المجتمع أصبحت معطلة على تلك المباريات. فصرت ترى الشارع في بعض الأحيان فارغا لأن أغل المواطنين أما في منازلهم أو في الملاعب أو في المقاهي يتابعون سير تلك المباريات  وحصل الأمرعندنا الى حد تعطيل الدروس
وكل هذا المناخ خلق مواطنا مخدرا بالكرة الى حد  لايوصف  فأصبحت ظاهرة العنف في الملاعب أو في الشارع أمرا عاديا .
واستغلت وسائل الاعلام في البلدين بكل من مصر والجزائر هذه الصورة النمطية التي أصبح عليها المواطن العربي الذي أصبح يتنفس الهزيمة في كل يوم سواء من طرف حكامه العملاء المستبدين  لتزيد الطين بلة  وتصب النار على الزيت  فهرولت الى الشارع  لاستجواب المواطن  قبل وأثناء وبعد المباريات وكثفت من الفقرات الرياضية التي تعنى بالغوص في التحليل والتفسير والتبرير . فزادت من اثارة التوتر وشد أعصاب الجمهور مما ساعد على الفلتان الأمني وحصول الكارثة . ونحن نقول بالمناسبة ان هناك أطراف رجعية عميلة فاسدة مستفيدة في كلا البلدين ولها مصالح  في القيام بحملات تشويه  قصدية الهدف منها هو التخريب الاقليمي بوعي واشاعة  النعرات .ان هذا التخريب المتعمد للعلاقة بين الشعب العربي الواحد واستغلال نتائج مباريات  للتسبب في الفوضى العارمة التي نتجت عنها ضحايا بريئة بالتأكيد تقف وراءه أيادي غير بريئة  لتسميم الأجواء واثارة نار الفتنة  بين أبناء شعبنا في كل من مصر العروبة وجزائر الثورة . وللتدليل على ذلك  فان الشعبين العربيين في كل من الجزائر ومصرلن ينس معركته التاريخية ضد العدو الصهيوني في مناصرته للمقاومة في غزة الأبية في العدوان الأخير حيث خرج المواطنون بالملايين  يساندون اخوانهم الفلسطينيين . وكذلك لن ينس ما يحصل في المسجد الأقصى بالقدس من تهويد . لكن الرجعية العربية وأجهزتها التخريبية  ومؤسساتها الاقليمية  التابعة هي التي تحاول عبثا تحويل أنظار الشعب العربي عن قضاياه المصيرية  المشتركة والواحدة ومن ضمنها تحويل أنظاره على ما يحصل للمسجد الأقصى من تهديم وما يعيشه شعبنا الفلسطيني من حصار وما يعانيه عراقنا الحبيب من احتلال وما يدبر له في الليل والنهارمن توريث وتشريع لتأبيد الحاكم والسلطان . فنقول للمتطبعين ودعاة الخيارالاستراتيجي  للسلام  المزعوم  ودعاة ثقافة التخدير الكروي  ان أواصر الأخوة العربية  أقوى  وهي التي ستقود شعبنا العربي الى النصر باذن الله . وسيرى كل مواطن عربي  في تصفيات كأس العالم بجنوب افريقيا  أن كل ملايين الجماهير المشجعة  للكرة وعلى رأسها جماهير مصر العروبة  ستقف بلا أدنى شك الى جانب الفريق الجزائري لأنها ترى نفسها من خلاله . وهذا أمر حتمي  في الوجود القومي . ألا هل بلغت . اللهم فاشهد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق