الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

المقاومة الشعبية والمعركة السياسية خطان متلازمان باتجاه الدولة


بقلم: آصف قزموز

 كثيرة هي الأفكار والشعارات الجميلة التي تدعو للحرية والاستقلال وقيام دولة الفلسطينيين الحرّة الخالصة بعاصمتها القدس على أرض فلسطين. وكثيرة هي السياسات والأحلام الداعية لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر خالية من الاحتلال بيضاء ناصعة من غير سوء. وكثيرة هي المواقف والسياسات الرومانسية الحالمة الداعية لخلق نظام عربي رسمي قوي مستقل وصاحب إرادة حرة مستقلة يبسط سيطرته ونفوذه الخالص على كل ذرّة من تراب الوطن العربي.
 يمكن لنا أن نرفع شعارات ونرسم في الخيال  وعلى الورق سياسات جميلة وقوية "تحرّر البلاد وتشرح الفؤاد" ولكن لا أساس ولا حظوظ لتحقيق ذلك إلاّ في دنيا الخيال والأحلام وجمهورية أفلاطون الفاضلة.
 بعض المسؤولين الإسرائيليين يرددون في معرض التفاخر والإشادة بالسياسات التي تقودها وتنفذها إسرائيل، أن الأخيرة استطاعت دائماً ومن خلال مراكمة كل عناصر وأسباب القوة الممكنة والكامنة بين يديها أن تنتقل من نجاح إلى نجاح، ومن فرض لوقائع دامغة على الأرض عبر سياسات الأمر الواقع التي اتبعتها دائماً نهجاً ثابتاً وسلوكاً متواصلاً على امتداد كل المراحل وفقاً لطبيعة وظروف واحتياجات كل مرحلة تحت مظلة وارفة وثابتة من الشعارات والسياسات والأهداف التي سارت بالدولة العبرية الوليدة آنذاك، منذ البدايات لتنتقل بها من موقع الدفاع عن النفس وصراع فرض الوجود عنوة، إلى مرحلة لا تزال تعيشها وهي مرحلة الهجوم الواسع والشامل الذي يهدد كل مكونات المنطقة الجغرافية والسياسية والاقتصادية والتاريخية كذلك. ذلك لأن هذه الدولة عرفت ماذا تريد وإلى أين تريد، وخططت للوصول لأهدافها بعناية عبر شعارات وسياسات مدروسة بحسابات دقيقة ومحددة مسبقاً بحيث لا تتجاوز سقوف الممكن والمنطقي بمنظورهم الأيديولوجي والسياسي الخاص دون غلو أو تطيّر أو مبالغة في حجم قدراتها، وصولاً لقلب هرم معادلة الصراع على رأسه، بحيث حوّلت نفسها من جانٍ على شعب أعزل إلى ضحية يطغى عويلها على أنين الضحية المنكوبة.
 ليس مهماً أن نفجّر ثورة بقدر ما هو مهم أن نحسب ونعرف مسبقاً مآل هذه الثورة وإلى أين تقود مصبّاتها. وليس مهماً أن نرفع شعاراً أو موقفاً عالياً يعانق عنان السماء يبهر الناظرين ويُطرب السامعين بقدر ما هو مهم أن نحسب ونستشعر القدرة على صموده وتحمّل التبعات والثمن المترتب على ارتكابه وما إذا كنا قد قدره أم لا. فحياة الناس ومصالح الشعب العليا أغلى بكثير من الأحلام الخاصة والباهظة لكائن من كان.
 دعونا نرفع شعارات متواضعة تكون قابلة للتحقيق في ظل ضعف المناعة والمقاومة الضعيفة من جانبنا والعرب. إذ لا أمل ولا جدوى يُذكران في امتشاق السيوف البتّارة والتهديدات الخطابية الهدّارة التي طالما دفعنا ثمنها من اللحم الحي في السياسة والجغرافية والحق المشروع.
 أما آن الأوان لدعوة صادقة للتوحد حول مفهوم واحد وخيار واحد لصد هذه الهجمة الإسرائيلية المتطرفة الشرسة على الحق الفلسطيني؟! أوليس هناك في خيار المقاومة الشعبية المتأنية والمدروسة والمنظمة مخرج مناسب يتيح لنا استقطاب عناصر الضغط الدولي المؤازرة لشعبنا وحقوقه المشروع وخياراً يحفظ ماء الوجه الفلسطيني المقاوم؟! وإلى متى سنظل كمن لا يملك سوى أن يوسع الخصم شتماً فيوسعه الخصم قتلاً وبطشاً وتدميراً ثم يدّعي الانتصار؟!
 نحن اليوم بحق أمام فرصة نادرة قد نجعل منها لأنفسنا وشعبنا مخرجاً، فالتركيز على  كافة أشكال المقاومة الشعبية السلمية غير المسلحة على نحو عاقل ومدروس بعيداً عن العنتريات العسكرية غير المجزية ولا المتكافئة في موازين الربح والخسارة ودراسات الجدوى، هو السبيل الأضمن الذي يمكننا من استهداف كعب أخيل المتمثل في ضعف شرعية الوجود الإسرائيلي الاحتلالي والاستيطاني في أرضنا المرتضاة من حقوقنا المبتغاة، واللاشرعية العنصرية للسلوك الاحتلالي وكل ما اقترفته الآلة العسكرية من جرائم بحق شعبنا سواء أكان في غزة أم في الضفة وعموم الأرض الفلسطينية. فجرائم الحرب الإسرائيلية التي باتت تتوثّق وتتراكم في الأروقة الدولية، أصبحت تشكل اليوم ملفاً من أخطر الملفات يتطلب اهتماماً وتركيزاً استثنائياً من قبل الفلسطينيين والعرب في صوغ الرؤى والمواقف والتكتيكات الواجب استخدامها في المعركة التي يمكن أن يخوضها الشعب الفلسطيني هذه المرة على حلبة القضاء والعدالة الدولية، خصوصاً ونحن نشاهد اليوم إسرائيل وهي تقوم بالبحث عن المخارج القانونية والدبلوماسية التي تمكنها من الإفلات من قبضة العدالة أمام تقرير غولدستون مثلاً. ولنجعل من هذه المعركة السياسية التي يمكن لها أن تسير جنباً إلى جنب مع أي مسار تفاوضي مسرباً نضالياً لا يقل أهمية ولا خطورة عن مراحل وأشكال النضال الوطني الفلسطيني، ويمكن له إذا ما أحْسَنّا أداءنا وإعدادنا واستعدادنا لاستخدامه أن يغير وجه المعادلة ويقلب الطاولة، بحيث يصبح حلمنا في الحرية والاستقلال بقيام الدولة أمراً أوسع قبولاً وقضاءً لأمرٍ كان مفعولاً يكون أقرب إلى النفس من حبل الوريد، ولتكن المقاومة الشعبية ومعركة العدالة والشرعية خطّين متلازمين في اتجاه ٍ واحد هو الدولة.
 فما الذي يمنع القوى والمؤسسات والمنظمات والفصائل وحتى التي شاخت وعجزت عن الفعل المقاوم التقليدي الكلاسيكي، أن تتكاتف وتقوم بتنظيم النشاطات والاحتجاجات وممارسة كل أشكال ومظاهر المقاومة الشعبية مروراً ووصولاً للعصيان المدني إن استطعنا لذلك سبيلا ودعت الحاجة لذلك؟! ولماذا تقتصر الاحتجاجات والتظاهرات على جهات محددة ومحدودة دون الآخرين؟! لماذا بعض الفصائل لا تمارس مثل هذه الأشكال والنشاطات النضالية إلاّ في مواسم ومناسبات معينة؟! ألا تعني ممارستها لها ولو موسمياً إقراراً صريحاً بأهميتها وجدواها؟! فلماذا لا تخرج الفصائل من موتها السريري نحو هذا الشكل الراقي وغير المكلف في النضال التحرّري؟!
 أليس ظلماً وقصوراً وطنياً أن تظل مسيرة الجدار مقرونة فقط بمجموعات وجهات محددة في قريتي نعلين وبلعين وكفى اللّه الآخرين شرّ النضال؟! ألم تكن تحمل مشاركة د. سلام فياض - رئيس الوزراء ، في المسيرة الأسبوعية معانيَ ورسالة صريحة لكل مواطن ؟! ثم، من ذا الذي يمنع الأدباء والمثقفين والفنانين من تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية المختلفة والاعتصامات الاحتجاجية كشكل دائم لا موسمي من أشكال هذه المقاومة، وذلك أضعف الإيمان بأقل الأثمان؟! أسئلة تبقى برسم كل فلسطيني. فالحرية والاستقلال يبقيان من الجميع وللجميع، والنضال التحرّري في المقاومة الشعبية واجب على هذا الجميع ولا يستثني أحداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق