الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

جمعية لتحرير الشعب المصري


عبد الحليم قنديل
نعم، مصر في لحظة خطر عاصف، وبأكثر مما كانت عليه في أي وقت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فنحن بصدد بلد عند مفارق الطرق، وفي سنتين حاسمتين سوف يتقرر فيهما مصير البلاد لزمان طويل مقبل.
بدأت السنتان بالفعل عند حاجز أيلول (سبتمبر) 2009، وعلى الطريق علامات زيف عن وضع النظام العائلي المستبد الناهب التابع، انتخابات تجديد نصفي لمجلس الشورى، وانتخابات كاملة لمجلس الشعب على منحدر شهور نهاية 2010، وانتخابات رئاسة في أيلول (سبتمبر) 2011، وضع من فضلك ألف قوس ثقيل أسود حول كلمة "انتخابات"، فانتخابات نظام الديكتاتور عمل عبثي وفيلم كارتون، وتحولت إلى تعيينات بالأمر الإداري بعد تعديلات الانقلاب على الدستور التي استفتى عليها صوريا في 26 آذار (مارس) 2007، بعدها انتقلنا من "تزوير" الانتخابات إلى "تشفير" الانتخابات.
وأسوأ ما يمكن أن يجري، أن تنزلق أطراف المعارضة المصرية إلى لعبة نظام الديكتاتور، وأن تتورط في "انتخاباته"، وأن تشارك - بالقصد أو بدونه- في خداع الناس، وفي تزييف إرادة الشعب، وفي إضفاء مسحة جدية مفتعلة على لعبة هزلية تماما، وأن تعطي من "شرعية" وجودها الانتخابي مددا لنظام غير شرعي بالجملة، أن تعطي "شرعية" لعملية اغتصاب مباشر للبرلمان وللرئاسة، فلعبة النظام معروفة بالتفاصيل وخطوط السير، وهي أن ينظم انتخابات برلمانية تنتهي - في يوم واحد - إلى مذبحة تصفية شاملة للمعارضين الجديين، وأن يوزع ميراث المقاعد المغدورة بنصاب "الكوتة الأمنية" على أحزاب مرخص بها أمنيا، وعلى أن يلعب هؤلاء - في دور لاحق- دور "الكومبارس" في انتخابات رئاسة صورية، وأن تنتهي اللعبة - بإجراءاتها المزيفة- إلى التمديد لرئاسة مبارك الأب أو التوريث الرسمي لمبارك الابن، وقد أصدر "ائتلاف المصريين من أجل التغيير"، وهو إطار وطني جامع لأحزاب وحركات سياسية وشخصيات عامة، وقادة إضرابات واعتصامات اجتماعية، أصدر "ائتلاف التغيير" وثيقة بالغة الأهمية عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ووضع فيها شروطا عشرة لضمان الحد الأدنى من جدية وسلامة وصحة الانتخابات، وكلها من قواعد الحد الأدنى المعترف بها دوليا كمعايير لنزاهة الانتخابات، وبلور الائتلاف نصا كاملا لمشروع قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية، ودعا نواب الائتلاف السبعة - مع نواب المعارضة الآخرين - لتقديم التشريع إلى البرلمان قبل نهاية العام الجاري، وأن تكون الخطوة اختبارا أخيرا لنوايا الحكم، وأن تقاطع المعارضة كل انتخابات النظام في حال رفضه لشروط الحد الأدنى، والمرجح - بالطبع - أن يرفض النظام هذه الشروط البديهية لتنظيم أي انتخابات قابلة للاعتراف بنتائجها.
ونتصور أن دعوة الائتلاف لا يصح أن تتوقف عند نداء المقاطعة، بل أن ننتقل إلى تصور أكثر شمولا، نقطة البدء فيه: الخروج من ملعب النظام، فحين يكون الخصم حكما، لا تعود ثمة لعبة ولا ملعب، ولا أهداف تجد شباكها في مرمى مغلق يضيع معه الجهد المبذول، ويمضي الزمان المستحق، ويتحول وقت الحسم إلى وقت ضائع مقتطع من أعمارنا، ومن فرصة البلد في النجاة، فماذا نفعل إذن ؟، ربما نجد أول الخيط في نص البيان التأسيسي لائتلاف المصريين من أجل التغيير، والذي يصوغ تصورا مكتملا لمرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب إنهاء نظام الديكتاتور، وبطريق المقاومة المدنية والعصيان السلمي، البيان الذي صدر في 4 نيسان (أبريل) 2009 يرسم الهدف والوسيلة بإجمال، ودون التطرق لتفصيل صار لازما في خطة قابله للتطبيق من الآن، وفي مجرى الزمن العاصف الذي ينتظرنا في عشرين شهرا تبدأ أول كانون الثاني (يناير) 2010.
واقتراحنا الذي نتقدم به باسم حركة كفاية غاية في البساطة، العنوان: جمعية عمومية للشعب المصري، ومن أربع موارد بشرية، أولها: النواب المعارضون الحاليون والسابقون، ثانيها: الشخصيات العامة والأدباء والعلماء والمفكرون وقادة الرأي العام، ثالثها: قادة أحزاب وجماعات وحركات سياسية تقبل الانضمام للمبادرة، ورابعها: قادة الإضرابات والاعتصامات الاجتماعية والنقابات المهنية والعمالية الأصلية والموازية، ومن مجموع هؤلاء تتكون جمعية الشعب المصري، وبثقل تمثيل شعبي مباشر وغير مباشر، ويعبر عن رغبة أغلبية تفوق بكثير نصف مجموع الشعب المصري، فالنواب المعارضون الحاليون والسابقون - وحدهم- يمثلون نسبة تكاد تصل إلى 40" من المصريين، وفي دورات انتخابات أجراها النظام بنفسه، ووصلوا لمقاعدهم بتضحيات دموية، وعبر " ثغرات النزاهة" أتاحتها ظروف في جدار التزوير المصمت، والشخصيات العامة قوة تأثير معنوي غلابة، وبعضها يعادل - في تأثيره الجمعي- حزبا بكامله، وقادة الجماعات السياسية والاجتماعية ذراع ميداني واصل بأثره إلى جغرافيا مصر كلها، وإلى الطبقات الحية كلها، وميزة الفكرة واضحة، فهي تنهي سباقا لا معنى له في تشكيل جماعات عمل مشترك محدود هنا أو هناك، وبادعاءات عريضة تفوق المقدرة الفعلية على التأثير والانتشار والمجازفة الملهمة، ثم أنها تنهي "الفصام النكد" بين المطالب السياسية والمطالب الاجتماعية والوطنية، وتبلور إرادة الشعب المصري في هيئة وطنبة جامعة، وفي قبضة يد قادرة على تحدي نظام الديكتاتور، وبفوائض تمثيل شعبي يعطي مصداقية هائلة للتحرك الميداني، وبهدف الانهاء السلمي لنظام الديكتاتور، فالفكرة المقترحة لا تتوقف عند طلب تشكيل هيئة الجمعية العمومية للشعب المصري، وفي حدود تتراوح عدديا من 500 - 1000 شخصية من الموارد الأربعة الكبرى، وفي برلمان حقيقي للمصريين، بل تعطي هذه الهيئة الشعبية الجامعة حق اختيار "البديل الرئاسي"، والبديل الرئاسى شيء مختلف عن المرشح الرئاسي، فطبقا لنص المادة 76 من الدستور الحالي، والتي جرت صياغتها على المقاس العائلي بالضبط، وجعلت من المستحيل تقديم مرشح رئاسي جدي قادر على هزيمة مبارك الأب أو الابن، ولا تسمح بالترشح لغير أدوار "الكومبارس" التي لا يتقبلها شخص يحترم نفسه، والحل: في بديل رئاسي وليس في مرشح رئاسي يستحيل ترشحه، وقد يكون البديل الرئاسي في صورة "رئيس بديل" تختاره الجمعية العمومية للشعب المصري، أو في "مجلس رئاسي بديل" بحصانة شعبية، وهذه الخطوة هي العمود الفقري لخطة بديلة عن الذهاب لملعب النظام، وفي أجواء بيئة سياسية ساخنة، وتحت أبصار الدنيا كلها، فالبديل الرئاسي عنوان لقارعة كامنة تحت سطح الركود المصري، ويفجر معركة سياسية من نوع مختلف في مصر، فلا يعود المشهد على ما هو عليه الآن من بلادة، نظام للديكتاتور وفئات تعارضه في خفوت أو في جلبة دخان، بل نظام بديل يقوم في مواجهة نظام غير شرعي، نظام بديل ينهض كقوة تحرير للمصريين، ويصمم على دفن سلطة تحكم بقوة الاحتلال الأمني، وينقل الوضع كله من معنى المعارضة السياسية إلى معنى المنازعة السياسية، وخلق راية جديدة لحركة تضم أوسع جموع الناس، وتجمع توكيلات بالملايين للبديل الرئاسي، وتوجه خطاب تنحي لمبارك، وتطلب تسليم البلاد للبديل الرئاسي وحكومة ائتلاف وطني تختارها الجمعية العمومية للشعب المصري، وتقود سلاسل تظاهرات وإضرابات واعتصامات شعبية، وبهدف واضح صريح ووحيد لحملة ضغط سلمى مكثفة، وهو اجبار مبارك على التنحي، والتقدم بمصر إلى مرحلة انتقالية - لمدة سنتين - تحقق المطالب العاجلة المجمع عليها للشعب المصري، وتنتقل بالبلد من حكم العائلة إلى حكم الشعب.
ولا نظن أن الفكرة مستحيلة التحقق، ولا هي عصية على التنفيذ، وقد حظيت بترحيب أولى واسع، ربما تكون نقطة البدء - إجرائيا - في السعي لتشكيل "هيئة تأسيسية لجمعية الشعب المصري" يبادر ائتلاف التغيير بالدعوة إليها، فلائتلاف التغيير رؤوس جسور ظاهرة وقادرة، وله الأيادي الواصلة إلى أطراف الجماعة الوطنية كلها، وجماعة الموقعين الأولى على بيانه التأسيسي - 300 شخصية تقريبا - نواة أقدر وأجدر من غيرها، ففيها سبعة من نواب الشعب المعارضين البارزين، وفيها غالب الشخصيات العامة ذات التأثير الواسع، وفيها قادة أحزاب وحركات وتحركات اجتماعية ونقابية منظورة، وفي نص البيان التأسيسي للائتلاف روح راديكالية تحفزه أكثر على التقدم للمبادرة الكبرى، وإن كان الانفتاح الواسع على الآخرين مطلوبا بطبائع الأمور، فلا يصح لأحد أن يتنكر أو أن ينكر ثقل وجهد جماعة الاخوان المسلمين، والتمثيل الواسع لنوابها الحاليين والسابقين، ولا يصح لأحد أن يتنكر أو أن ينكر جدوى الاضافة الحيوية الممكنة لجهد أحزاب ونواب وقادة اجتماعيين ونقابيين من كافة ألوان الطيف المعارض.
قد نكون نحلم، لكنه الحلم القابل للتحقق، وبشرط أن يتحول الحلم إلى هدف وخطة واجراءات، تبتعث روح مصر من رماد اللحظة، وتعتصم بقوة الناس، وهي وحدها القادرة على هزيمة الحراس، وفتح أبواب النور بدلا من دوام التخبط في أنفاق الظلام.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق