الثلاثاء، 13 أبريل 2010

النضال والإرهاب


محمد الجندي
يرجع الكثيرون الإرهاب التكفيري إلى الشيخ أبن تيمية، أو إلى الوهابية، أو إلى الباكستاني أبي الأعلى المودودي. والواقع أن جميع المذكورين براء منه. إنه يعود إلى الراعي الأميركي أولاً، وإلى الأموال البترولية ثانيا، وأيضاً إلى أموال المخدرات، ثالثا.
المرحوم ابن تيمية دعا إلى النضال ضد الغزاة المغول، ولكن لم يدع إلى قتل الناس عموماً بحجة الكفر، وحتى لو فهم، بأنه  دعا إلى ذلك، فليس قوله منزلا،ولا يؤلف مرجعا دينيا.
الجهاد وجد في فجر الإسلام، دفاعاً للمسلمين عن أنفسهم. أما في أيام الأمويين والعباسيين، وبعدئذ، فلم تكن الحروب جهادا، وإنما حروب غزو، وتوسيع للإمبراطورية القائمة. و«الجهاد» الذي درج منذ ثمانينيات القرن الماضي هو بدعة أميركية، استخدمتها الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها الدولية، مثلما استخدمت الصهيونية في أوروبا وأفريقيا وآسيا والأميركيتين، ومثلما استخدمت الأصوليات المسيحية والعرقية لزعزعة الدول وتمزيق البلدان.
الأموال البترولية التي شقت البوسنه هل التي دمرت أفغانستان المنكوبة عدة مرات،وهي التي شقت البوسنه وكوسوفو عن يوغوسلافيا السابقة، لتصبحا مشيختين أميركيتين؛  وتسببت، وما تزال تتسبب بالآلام لشعب الشيشان، وأيضا لمسلمين الفيليبين والصين، وأندونيسيا وماليزيا ونيجيريا، وكذلك للأقليات الإسلامية في أوروبا هعي التي سببت المجازر البشعة في مصر والجزائر، وحبل كل ذلك على الجرار.
والمجازر، والقتل الأهوج في كل مكان، لا يهدف إلى شيء. ففي الجزائر ،مثلا، هل كان قتل الرعاة، وقتل المثقفين، يؤدي إلى تغيير النظام أو إصلاحه؟
الأموال إياها جندت زعماء طائفيين، استفادوا من الفقر المنتشر لتجنيد  مجموعات كبيرة او صغيرة من البسطاء، الذين وصل بهم الألم المعيشي والاجتماعي، لدرجة يرضى بها البعض بالقيام بعمليات انتحارية مقابل مبلغ يدفع لعائلاتهم، مبلغ بخس ولا يساوي شيئاً.
الإيمان قوة روحية ويمكن أن يساعد في إصلاح المجتمع، ولكن لا عبر ركام الفتاوى ، التي يهرف أصحابها بما لا يعرفون، والتي لا تتناقض فيما بينها فحسب، وإنما قد تتناقض مع العلم، ومع المجتمع؛ تتناقض مع العلم حينما تتدخل في الاستنساخ، وتحرم السينما، وهذا الكتاب أو ذاك؛ وحرمت من قبل نظرية داروين، دون أن تعرفها طبعاً، والراديو، وكروية الأرض، وغير ذلك؛ وتتناقض مع المجتمع حينما تعمل على شقه،  وتحرض على القتل، أو على ارتكاب جرائم من نوع آخر. إن الإيمان كقوة روحية يمكن أن ينهي الناس عن القتل وعن السرقة وعن التجسس وعن الفساد الإداري والاقتصادي، إلخ، وأن يدفع الناس إلى الأخوة والتضامن والعمل المشترك، إلخ.
والإيمان كقوة روحية يمكن أن يساعد في الدفاع عن المجتمع ضد الاحتلال وضد الاستعمار، وذلك في منظور وطني، لا في منظور طائفي. وحينئذ يكون الإيمان قوة دافعة إلى الأمام، لا قوة شادّة إلى الوراء.
ليس من الدين في شيء طرح المرحوم أبو الأعلى المودودي الباكستاني (أحد منظري التشكيلات الدينية)، بإقامة حاكمية الله في المجتمع. كان الملوك والأمراء في أوروبا يحكمون باسم الله، وكانوا يكذبون بذلك على الله وعلى الناس، فليس لله وكلاء يحكمون باسمه على الأرض. والذين حكموا، أو يحكمون باسم الله، ارتكبوا، ويرتكبون مختلف الجرائم. هل من حاكمية الله هدر ثروات البلاد، ومنحها للاستعمار؟ هل من حاكمية الله قتل طالبات المدارس ومعلماتهن، وتفجير مدارسهن؟هل من حاكمية الله جلد امرأة، لأنها راجعت دائرة قضائية دون محرم؟ هل من حاكمية الله الحكم بالجلد على صحفية لأنها تلبس بنطلون؟ هل ما يجري في الصومال هو حاكمية الله؟ هل المجازر الطائفية عموماً هي من، أو من أجل حاكمية الله؟
بوجه خاص، هل امتهان المرأة، واعتبارها جارية هي من  حاكمية الله؟ في الماضي كانت العبودية مألوفة؛ وكان المرء يقتني العبيد، مثلما يقتني المواشي، فهل العقل القبلي الذي كان يقبل بذلك هو من حاكمية الله؟
في فجر الإسلام كان ثمة دعوة للتخلص من العقل القبلي: «الناس سواسية كأسنان المشط»، «طلب العلم ولو في الصين»، (الإفراج عن الأسير مقابل تعليم عشرة أشخاص؛ حظر بيع المرأة وبيع الأولاد وإعطاء المرأة بعض حقوقها، تحريم الوأد، نصف الإرث، نصف قيمة الشهادة)، الخ. وكان المفروض بذلك أن يدفع إلى التطور غير أن من حكموا باسم الدين أعادوا العقل القلبي (وهم حكموا باسم الدين، أيضاً لا باسم الله فليس في التاريخ الإسلامي نظام يحكم باسم الله».
أيضا ليس في الاتريخ الإسلامي مرجعية للدين («لارهبانية في الإسلام»)، وحتى الأئمة الأربعة لم يؤلفوا مرجعية دينية إلا في أواخر العصر العباسي، ولم تكن آراؤهم غير ملزمة فحسب، وإنما أيضا كانوا مطاردين من قبل الخلفاء قبل الخليفة المتوكل. الفتاوى والمرجعيات الدينية وجدت في مراحل تالية.
المرأة هي إنسان، مساوية للرجل في كل شيء، وتبرهن، أنها كذلك، في العلم وفي الإدارة وفي السياسة وفي الأعمال وفي الجيوش. والكلام عن الفضيلة فيما يتعلق بالمرأة ليس فقط مخالفا للمنطق، وإنما للدين أيضا. فالحكم في الدين هو على الزاني والزانية، لا على الزانية وحدها، والذي يريد أن يحاسب المرأة على علاقاتها يجب أن يحاسب الرجل أيضا، الذي يقوم في ظل التدين بمختلف المخازي والجرائم. فالعلاقات غير الشرعية على اختلافها، والاغتصاب والاعتداء الجنسي، واستغلال المنصب أو الوضع الاجتماعي، كل ذلك منتشر إلى درجة كبيرة لدى الرجال في الأوساط المحافظة، وإذا كان مبررا و«شرعيا» وأد المرأة في البيت، فيجب نفس الوأد للرجل (؟).
من جهة أخرى، تجريم المرأة بالزنا يقتضي وجود أربعة شهود يرون الميل في المكحلة، وفي ذلك استحالة. أي عمليا غير ممكن تجريم امرأة بالزنا، العقل القبلي فقط هو الذي يقوم بتجريمها لمجرد الاشتباه، وبقتلها أحيانا. فضيلة المرأة وفضيلة الرجل، يجب أن تكون اجتماعية لا جنسية، ففضيلة أي منهما تتعلق بإخلاصه لعمل، وبحسن علاقاته، وبعدم ارتكابه لأي من الجرائم المعادية للمجتمع أو المعادية للإنسانية.
الحجاب لا علاقة له بالفضيلة، وليس من الدين في شيء بالعكس، قد يساعد على إخفاء الرذيلة، وهذا يحصل كثيرا. قد يمكن اعتباره زيا الناس أحرار في لبسه، ولكنه بالضجة التي تثار حوله، لم يعد زيا، وإنما أصبح شعارا طائفيا، استفزازا بالنسبة للطوائف الأخرى، وأصبح من جهة أخرى رمزا لاستعباد المرأة من قبل الرجل، فهو مثل دمغة تطبع على جبينها وتدل على ملكية رجلها لها.
وإذا ما تجاوزنا كل ما تقدم، فالطائفية التي يراد إرجاع الناس إلى أيامها الماضية، تنطو على الاستهانة بالناس، رجالا ونساء، وبالتقدم الذي حققه الإنسان عبر آلام تاريخية طويلة، وأيضا على التبعية المباشرة، أو غير المباشرة للاستعمار.
النضال ليس «إرهابا» ولا علاقة له بـ «الإرهاب» لقد فرضه تاريخيا الغزو الاستعماري للشعوب، فهو قبل كل شيء رد على ذلك الغزو وليكون مجديا، توضح تاريخيا أنه، يجب أن يقوم به تنظيم سياسي يمثل حق المجتمع في التحرر من الاستعمار، وهذا التمثيل ينطوي على الحفاظ على وحدة المجتمع، التي من دونها لا يمكن لأي نضال أن يكون مجديا ومع التطور أصبح من الواضح، أن قضية الشعوب واحدة والنضال هو مهمة شاملة، لأن الاستعمار شامل، ولا يعفي أحدا، فهو إذا لم يحتل، ويرتكب المجازر، يخرب المجتمع، ويعمل على شقه، وتمزيقه، وإضعافه، وإضافة إلى ذلك ينهب ثروات العالم، وينتج الفقر على أوسع نطاق. وتلك المهمة الشاملة تتطلب أوسع تضامن بين الشعوب، وهذا لا يمكن أن تقوم به سوى تنظيمات سياسية معادية للاستعمار.
ومعاداة الاستعمار تعني معاداة الإدارة الاستعمارية لا الأشخاص وإنما تشكيل ذي مهمة استعمارية، ومعاداة مؤسسات النهب، ومؤسسات التخريب (المخابرات والتشكيلات المرتبطة بها) ولا تدخل في معاداة الاستعمار معاداة الشعوب، فمعاداة الإدارة الأميركية كمؤسسة ذات وظيفة استعمارية دولية لا تعني معاداة الأميركيين. بالعكس تماما يجب التحالف مع الشعب الأميركي ضد الاستعمار الذي يهمشه، ويفرض عليه البطالة والعصابات وهبوط المستويات المعيشية، إلخ.
التشكيلات الطائفية يمكن أن تناضل، وان تعادي الاستعمار، ولكن على أساس وطني، فإذا لم تتوفر الأرضية الوطنية ينتهي النضال بذهاب دم الناس هدرا، وربما بمآس اجتماعية.
وزعماء التشكيلات الطائفية هم المسؤلون عن الإرهاب، أما مجندوهم فوضعهم يختلف. إن الإدارة الأميركية، والإدارات المتحالفة معها، وإدارات العالم الثالث عموما المتحالفة بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإدارة الأميركية ترتكب بذريعة الإرهاب مختلف الجرائم ضد الإنسانية.
ففي أفغانستان مثلا، محاربة «الإرهاب» هي محاربة الشعب الأفغاني، وتقوم بها أميركا والحلف الأطلسي بدم بارد. وفي بلدان عديدة ثالثية تقوم الإدارات بارتكاب مجازر ضد شعوبها بذريعة محاربة الإرهاب، إنه مشهد عام للجرائم على نطاق عالمي ضد الشعوب، بذريعة الإرهاب بينما هي أشد أنواع الإرهاب وحشية، وهي التي صنعت الإرهاب الطائفي.
وإذا كان المرء لا يستطيع تبرير الإرهاب الطائفي، ولا انعكاسه على المجتمع، فإنه في الحقيقة أمام جريمة دولية مزدوجة يرتكبها الإرهاب الاستعماري، والإرهاب الطائفي في نفس الوقت.
وإذا ما كان «الإرهاب» الطائفي موجها ضد الاستعمار، فلا يمكن لأي قوة وطنية إلا أن تكون معه، ولكن على أرضية وطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق