الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

15 عاما على المعاهدة

كتب : عريب الرنتاوي

السفير الإسرائيلي السابق في الأردن عوديد عيران، كتب في هآرتس يوم أمس مقالا بعنوان "أنظروا إلى الشرق"، قيّم فيه راهن العلاقات الأردنية الإسرائيلية بعد مرور 15 عاما على "المراسم المؤثرة" لتوقيع معاهدة وادي عربة، عيران وصف هذه العلاقات بأنها "في حضيض مقلق وتثير إحساسا بخيبة الأمل وإضاعة الفرصة"، لافتا إلى أن حديث الملك عبد الله الثاني للجريدة ذاتها في الثامن من أكتوبر الجاري عبّر عن مدى عمق واتساع هوّة "الخلاف والاغتراب بين الدولتين".

أما عن أسباب هذا التردي في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، فقد علّقها "السفير السابق" والمدير الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي" على البلدين، لكنه في معرض شرحه وتوضيحه، بدا متأكدا من أن إسرائيل، وليس الأردن، هي المسؤولة عن هذا التردي، فماذا قال الرجل، وهل جاء بجديد زيادة عمّا تقوله "معارضتنا الإسلامية والقومية واليسارية"؟، يقول عيران:

منذ 1994 تميز سلوك حكومات اسرائيل تجاه المملكة الأردنية الهاشمية وسيادتها بالاستخفاف وعدم الاكتراث بحاجاته وحساسياته، وتصرفت هذه الحكومات كما لو أن هذه العلاقات مضمونة سلفا ودائما (هذا ما يردده معارضو المعاهدة ليل نهار، لا يجب أن تطمئن إسرائيل إلى أن سلامنا معها طريق ذي اتجاه واحد، أو أننا في جيبها).

إن مناطق مثل العقبة – ايلات، والبحر الميت وغور بيسان، لم تشهد الاستثمار الذي وعدت به، ولم تتحول إلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، مشروع مطار السلام لفظ أنفاسه، ومشروع تحويل أنشطة ميناء إيلات إلى ميناء العقبة ظل حبرا على ورق، والذنب في ذلك يعود بقدر كبير إلى إسرائيل وفقا للدبلوماسي الإسرائيلي والمعارضة الأردنية على حد سواء.

المصلحة الاسرائيلية في القدس تتفوق بلا شك على مصالح الاردن، يقول عيران، لكن اسرائيل اعترفت في اتفاق السلام بمكانة الاردن الخاصة في المدينة، ويخلص إلى القول أن ترجمة هذه المادة من المعاهدة، كان كفيلا بتحقيق نتائج أفضل من الوضع الحالي الذي تسيطر فيه جهات فلسطينية (السلطة) وعربية – اسرائيلية (رائد صلاح) على مناطق حساسة في المدينة. (ألا ينهض خطابنا الرسمي والشعبي علي فرضة أن التعدي على الأقصى والمقدسات، انتهاك للمعاهدة ومس بدورنا في القدس ؟!).

فكرة قناة البحر الاحمر – البحر الميت تنطوي على ضرر كبير كامن في ثناياها، الاردنيون يعشقون الفكرة وفي اسرائيل خلاف بين المؤيدين والمرتابين الذين ينتمي الكاتب إلى معسكرهم، ينبغي ان يعرض على الاردنيين خطة بديلة يقول عيران، تحسن مصالحهم، بدل الاسترخاء واغراق الفكرة بآلاف الصفحات من الاستطلاعات.

تنقل اسرائيل كميات كبيرة من الماء الى الاردن، لكن سياستها قصيرة الرؤية. ففي الامد البعيد لا بديل من التعاون الاردني – الاسرائيلي – الفلسطيني في انشاء مصادر ماء تلبي حاجة الزيادة السكانية (أحيلكم إلى الضرر الذي لحق بصورة السلام والمعادة جراء إقدام إسرائيل على تزويجد الأردن بمياه ملوثة أو امتناعها عن تزويده بكامل حصته من المياه

يستحضر عيران محادثة مع مسؤولي الحكومة الاردنية الكبار في احدى الليالي بعد فشل محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان فينقل عن أريئيل شارون قوله بأنه اخطأ بقوله ان الاردن هو فلسطين، وينصح الكاتب بعدم بالتوقف عن ممارسة عادة الندم على أحاديث من هذا النوع، او بمعنى آخر الندم على تجاهل "الجارة الشرقية" لإسرائيل. (وحول هذه النقطة بالذات، يمكن التوقف أمام الجدل الواسع الذي تحدثه التصريحات الإسرائيلية بخصوص الأردن، وحالة الاستفنار و"الاهتياج" التي تتسبب بها عن حق في أوساط رسمية وشعبية واسعة النطاق).

بعد كل هذه الأخطاء والخطايا التي قارفتها إسرائيل بحق الأردن، وأفضت إلى "تبريد" سلامها معه، ينتقل عيران لتعداد مسؤوليات النظام الأردني عن التردي، فلا يجد غير ما أسماه سماح القيادة الأردنية، للصحافة والشارع بالاهتياج، وهو وإن ألمح إلى مسؤولية "الفلسطينيين في الأردن" عن "تطرف" النقابات المهنية والمعارضة السياسية، إلا أنه لم يجد عذرا أو مبرر، لعجز حكوماتنا عن "منع الاهتياج"، حتى وإن كانت أسباب هذا الاهتياج كما ألمح هو بالذات، عائدة إلى انتهاك سيادة الأردن أو المس بالقدس والمقدسات، أو اقتراف أبشع المجازر بحق شعبي لبنان وفلسطين.

عيران صريح للغاية وهو ليس ممن يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان علنا ويطالب بانتهاكها وتخطيها في الغرف المغلقة، هو يدعو حكوماتنا علنا وبكل صراحة (وقاحة) لقمع شعبنا ومصادرة حقه في التعبير عن رأيه، ثم يأتيك بعد ذلك من يحدثك عن "واحة الديمقراطية الإسرائيلية وصحراء القمع العربية".

ويختم عيران بـ"تبشيرنا" بزمن نواجه فيه كأردنيين امتحانات صعبة شرقا وغربا، فكل نتيجة للتفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين ستؤثر في الاردن، وأي انسحاب أمريكي من العراق سيعرض الأردن لأخطار أمنية وعسكرية وموجات لجوء جديدة، وهو – كثّر الله خيره – يدعو حكومة بلاده، للاهتمام باستقرار الأردن وحاجاته.

لا نحتاج إلى أكثر مما قاله عوديد عيران لننضم إلى قافلة الذين أشهروا "كفرهم" بعملية السلام ومعاهداتها ومفاوضاتها، وهي بالمناسبة تكاد تضم في ركبها ستة ملايين أردني، ومن شتى المنابت والأصول، شاء عيران أو أبى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق