الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

حرامية بغداد..

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد

في الشهر الماضي، حوادث عديدة بارزة ألقت الضوء على ما وصفها اللواء قاسم الموسوي- المتحدث باسم قيادة الجيش العراقي في بغداد- بأنها اندلاع outbreak موجة من "الجرائم العنيفة frenzy of violent crimes". وشرح Richard Kerbaj- صحيفة نيويورك تايم- "كيف أن كل واحد (الجميع) يبحث عن وسيلة لتحقيق أقصى ربح/ دخل سريع quick buck، بينما لا يظهر على السطح سوى المتمردين وعصابات الجريمة." في الواقع فإن الأيام الحالية لمستويات الجريمة الفاعلة في العراق، تعكس في حقيقتها وأهدافها: مأسسة الجريمة institutionalization of criminality التي قد تُقوض تنمية البلد في الأمد الطويل.

الطريق نحو ظهور عصابات المافيا القوية في العراق، لم تبدأ مع الغزو/ الاحتلال العام 2003. ففي أعقاب حرب الخليج 1990-1991: تم تقليص السيادة الإقليمية للعراق curtailment of Iraqi territorial sovereignty بإقامة "مناطق حظر الطيران no-fly zones"، وفرض العقوبات (المقاطعة/ الحصار). وبادر رأس النظام العراقي لما قبل الاحتلال بتكييف سيطرته على البلاد من خلال نقل/ تحويل devolving جزء من السلطة إلى القبائل والعائلات الموالية. كما أن تقنين توزيع السلع الحياتية الأساسية في سياق المحسوبية والفساد التي غلّفت إتفاقية برنامج "النفط مقابل الغذاء oil-for-food program"، شجّعتْ الابتزاز graft في كافة أنحاء العراق، لتزدهر هذه العوامل وتتحول إلى قوة أكثر فساداً ودموية بعد الغزو/ الاحتلال (2003).

في العام 2002 أفرغ رأس النظام العراقي السجون ارتباطاً بتحضيراته لمواجهة الغزو الذي كانت الولايات المتحدة تتهيأ استعداداً لشنّه على العراق. ما أعقب الغزو/ الاحتلال هو موت الدولة العراقية، وكان إسقاط تمثال رأس النظام رمزاً لهذه النهاية وإيذاناً بانفجار موجات النهب الشامل والفوضى التي أغرقتْ البلاد.. (دون إنكار لعصابات الجريمة المنظمة التي هيأتها واستقدمتها قوى الاحتلال من الخارج)..

تفكيك قوات الأمن العراقية (الجيش والأمن والشرطة) من قبل سلطة التحالف المؤقتة CPA، وليمتد إلى تسريح الآلاف من حرس الحدود، قَلَبَ البلاد إلي بيت بدون أبواب أو شبابيك. يُضاف إلى ذلك، محاولة نقل العراق فجأة ودفعة واحدة إلى سوق حرة بإلغاء الحواجز الجمركية abolition of trade tariffs.. هذه الإجراءات (الجرائم) المقصودة من قبل الاحتلال أفرزت سريعاً وبقوة جرائم التهريب- التي كانت قد ازدهرت في ظل العقوبات (الحصار) أصلاً- وصارت ظاهرة متفشية rampant.

وفي حين عبّرت سلطة الائتلاف المؤقتة عن سعادتها وفخرها بازدياد أعداد السيارات وصحون الفضائيات satellite dishes التي أخذت بالانتشار في أسواق بغداد، فإن إحدى العواقب القاتلة التي ترتبت على غزو/ احتلال العراق وبقيت محل تعتيم هي أن العراق أصبح نقطة عبور عالمية لتدفق الهيرويين من أفغانستان (عبر إيران)- أكبر منتج لخشخاش الأفيون، ولتتجه من العراق إلى الإمارات الخليجية والدول الغربية.. (بل وأيضاً موطناً جديداً لزراعة خشخاش الأفيون)..

المكافآت المالية العالية للمتورطين في هذه التجارة، تزامنت accentuated مع تفشي البطالة العامة الواسعة mass unemployment والفقر في العراق. ووفقاً للأمم المتحدة- التقرير العالمي للمخدرات العام 2008، يُباع الكيلوغرام الواحد من الهيرويين ويتدرج في سعره من بلد المنشأ وفق مراحل انتقاله على هذا النحو (بالدولار الأمريكي): أفغانستان (بلد المنشأ) 3000.. إيران 3200.. سوريا 17000.. الأردن 21000.. أوربا 35000.

حميد قدسي Hamid Ghodse- رئيس مجلس مراقبة المخدرات/ الأمم المتحدة- ذكر العام 2005: لا يمكنك تحقيق السلام، الأمن والتنمية، دون حضور فعال لمكافحة المخدرات." تعمل عصابات المافيا العراقية وعلى نطاق واسع من خلال الرادارات وبمستويات رهيبة horrendous levels.. تتواجد وتُهيمن على ساحة العنف التي اتسعت في البلاد، كما وتقوم بالتغطية عليها..

وفي الوقت نفسه، ارتبط هذا العنف بتصاعد القدرة على خلق سوق أكبر للمخدرات. في العام 2007 حصلت زيادة كبيرة وبنسبة 23% في تعاطي المخدرات بين الأطفال والشباب وفقاً لـ علي الموسوي- رئيس المنظمة المحلية لـ NGO- فرع المحافظة على حياة الأطفال Keeping Children Alive.

رغم أن المؤسسات الأمنية العراقية تحسنت بدرجة ملحوظة منذ (إعادة) تأسيسها، فإن مأسسة العصابات الإجرامية تعني بأنها منتظمة قادرة على رشوة أو تجاوز موظفي الجمارك والأمن bribe or bypass customs and security officials. في برنامج للجزيرة مؤخراً، تم طرح السؤال التالي: هل خسرتْ حكومة العراق الحرب على المخدرات؟ ذكر الدكتور عبدالرحمن حميد- طبيب بيطري/ محافظة المثنى بأن مهربي المخدرات ابتدعو طريقة بفتح سنام الجمل وإخفاء المهربات في هذا الجزء من الجمل كمستودع تخزين مؤقت.

المخدرات ليست المصدر الوحيد لتمويل الممارسات الجنائية، فقد حدثت عمليات سطو مسلّحة عديدة على البنوك في أنحاء البلاد. الحرس الرئاسي في العراق ممن يحمون كبار مسئولي حكومة الاحتلال في بغداد.. اقتحموا أحد فروع مصرف الرافدين الحكومي بتاريخ 28 تموز/ يوليو.. قتلوا حراس البنك، وسرقوا ما يُعادل 4.8 مليون دولار بالعملة العراقية.. (مع ملاحظة أن هؤلاء الحراس/ الحرامية كانوا حماية أحد نواب رئيس الجمهورية ممن أخفوا مسروقاتهم في بناية صحيفة هذا المسئول.!!)..

يُضاف إلى ذلك، ومنذ العام 2003، صارت الطبقات العليا والمتوسطة هدفاً للاختطاف والابتزاز kidnapping and extortion. وهذه الأحداث ساهمت، إلى جانب العف، في إجبار الملايين على الهرب من البلاد. نُشرت صور أقارب المخطوفين في كل مكان في بغداد. قوى الأمن الفاسدة Corrupt security forces تبذل القليل للحد من الجريمة، ووصلت مبالغ الفدية المدفوعة لتحرير أطفال مخطوفين إلى 63 ألف باون استرليني.

الأطفال كذلك يقعون ضحايا البغاء لاتحادات منظمات الجريمة prostitution syndicates. ذكرت مجلة تايم في وقت مبكر من هذا العام بأن فتاةً (11-12 عام) تم بيعها بمبلغ 30 ألف دولار. نقل الخبر ناشط في حقوق الإنسان، شهد شراء وبيع الفتيات في العراق وعلى نحو مشابه لتجارة المواشي... "رأيتُ أُمهات يساومن وكلاء بشأن أسعار بناتهن."

تحقيقات حكومة الاحتلال في بغداد نسَّبت 60%-70% من النشاط الإجرامي في البلاد إلى المتمردين (المقاومة) وعصابات تابعة لها!!؟؟ ومع كل ما يُقال، فعندما تتواجد حكومة ضعيفة في ذاتها غارقة في الفساد والكسب غير المشروع، وتهدد بتخفيض ميزانيتها الأمنية.. (حكومة حرامية).. فمن السهل رؤية كيف أن العصابات الإجرامية تصبح قادرة على الانتعاش.

إن مأسسة الجريمة في العراق سوف تبقى حقيقة تطبع الحياة اليومية في البلاد ومفتاح التحدي لحكومة ضعيفة تلهث (وتزعم) العمل على فرض سيادة القانون.. (لغاية كنس البلاد من الاحتلال وحكومة الاحتلال وبناء سلطة وطنية قوية تُجسد طموحات كافة أبناء الشعب العراقي في تحقيق الأمن والحياة الكريمة..)..

ممممممممممممممممممممممممممـ

The thieves of Baghdad, James Denselow, guardian.co.uk, Friday 9 October 2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق