الأحد، 11 أكتوبر 2009

هل تستسهل حماس قتل الفلسطينيين؟

د. محمد سعد أبو العزم

عندما يتساءل البعض حول السبب في سقوط كل هؤلاء القتلى حين تعالج حماس الأحداث الأمنية الكبيرة؟ فهناك الكثير من الإجابات الحاضرة لهذا السؤال، ومنها: انعدام المهنية، الاستعانة بالقسام المدرب على مواجهة الاحتلال وليس فض النزاعات، تعمد حماس فعل ذلك لتثبت سيطرتها وقوة الردع عندها، أو استسهال القتل عند حماس واستهانتها بدماء الناس.

هذه التساؤلات التي أطلقها الكاتب "محدم شراب" ظهرت على الساحة بقوة في الفترة الأخيرة، ولاسيما بعد أحداث مسجد ابن تيمية برفح، والذي دخلت فيه حماس في مواجهة مع السلفية الجهادية أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، ومن هنا كان من الأهمية بمكان الاستفادة بالمعلومات المتاحة والاستعانة بالإجابات التي طرحها نفس الكاتب لتفسير ما حدث.

تكمن المشكلة الأولى في غزة أن هناك عشائر قد اعتادت أن تكون فوق القانون، وعندما فرضت حكومة حماس القانون على الجميع، رفضت ذلك بعض هذه العشائر لأنها لا تقبل أن يجري على أبنائها ما يجري على العوام من الناس، ولأن الحركة مصرة على تطبيق القانون؛ فإنها ترفض التهديد، وتبدأ عملية إرسال الوسطاء وهو ما يستغرق المزيد من الوقت ويحدث بعيدًا عن الإعلام، ولكن هناك من يغذي الأحداث ويسكب عليها الزيت لإشعالها وتأجيجها، حيث يتم تزويد هذه العشيرة بالمال والسلاح الذي يفوق ما تمتلكه شرطة حماس، وبدلا من أن تفرض الشرطة النظام والقانون على المنطقة التي تعيش فيها هذه العشيرة، تفرض العشيرة سيطرتها وتقيم الحواجز وتمنع الشرطة الاقتراب من المكان لاعتقال سارق أو مجرم، وهكذا تتحول المنطقة إلى ثكنة عسكرية محاطة بالألغام يحرسها القناصة من فوق المنازل المأهولة بسكانها، وعندما ينفذ صبر الحكومة الذي يُفسر دوماً بأنه ضعف، تُرسل الشرطة لاعتقال هذا الشخص مهما كلف الأمر، حيث يتم تفجير الألغام وإطلاق النار عليها، ليسقط من الشرطة ضحايا بين قتيل وجريح، وبعد أن كانت القضية مجرد استدعاء مطلوبين للتحقيق، تتحول إلى حالة من حالات التمرد المسلح على القانون.. ولأن الشرطة لا تملك نصف الأسلحة التي تمتلكها هذه العشيرة من ألغام ومضادات للدروع، فلن يكون أمامها إلا أمرين اثنين لا ثالث لهما، إما التفاهم مع هذه العشيرة بغض الطرف عن تصرفاتها كما كانت تفعل سلطة فتح، وإما الاستعانة بكتائب القسام لدعم الشرطة وتطبيق العدالة، وبمجرد دخول القسام على خط المواجهة يبدأ الإعلام في الاهتمام بالحدث ويسلط الضوء عليه وكأنه حدث للتو وليس منذ أشهر استُنفذت فيها كل الفرص لتفادي هذه المواجهة، وكما في كل مرة، تنتهي المواجهة بسيطرة كتائب القسام على المنطقة ومن ثم تسليمها للشرطة.

هذا الأمر يتكرر في ظروف ومناسبات عدة وبنفس الأسلوب، ففي الأحداث الأخيرة ظهر الأمر وكأنه بدأ وانتهى في نفس اليوم لمجرد أن أحد الدعاة أعلن إمارة إسلامية، فهاجمته حماس وقتلته هو ومن معه، ولكن الحقيقة أن تلك الفتنة بدأت منذ أعوام عندما بدأ "الظواهري" يركز في إصداراته على مهاجمة حماس، حيث اعتبر البعض ذلك ذريعة لتكفير الحركة، لتبدأ التفجيرات في قطاع غزة وتطال أماكن عامة وخاصة، وكان أبرزها تفجير منزل الدكتور "مروان أبو راس" رئيس رابطة علماء فلسطين، وعلى الرغم من أنه هذه التفجيرات كانت يتيمة من حيث التبني، إلا أن من ينسبون أنفسهم للسلفية الجهادية كانوا يؤيدونها على اعتبار أنها تدل على ضعف حركة حماس.

بعد فترة لمع اسم الشيخ "عبد اللطيف موسى" وهو طبيب داعية، كان حتى وقت قريب من أنصار السلفية العلمية، ولم يكن له مشكلة مع اليهود أو حتى مع سلطة فتح، فهو لم يعتقل يوماً أو يتعرض لمحاولة اغتيال من اليهود لأنه بعيد تماماً عن الأحداث، ومعظم خطبه كانت تركز على الجانب الدعوي وسيرة السلف الصالح، ثم تغيرت لغة خطابه بالتدريج وأصبح من مؤيدي التيار السلفي الجهادي، وتطور هذا الخطاب مؤخرًا للتهجم على حركة حماس ووصفها بأنها سلمت رقبتها للشيطان وأصبح الحزب عندها إله يُعبد من دون الله، وقد بدأ هذا الهجوم يزداد ضراوة بعد أن صادرت الأجهزة الأمنية بعض المواد التي يتم تجهزيها لتنفيذ تفجيرات، ووصل إلى ذروته عندما اتخذ الشيخ من مسجد "ابن تيمية" برفح مقراً له، ليلقي فيه دروس تحرض على حماس كحركة كافرة يجوز استحلال دماء أبنائها.

ولكن الأحداث الأخيرة بدأت عندما وافق الرجل الذي تبرع ببناء المسجد على تسليمه لوزارة الأوقاف، حيث رفض ذلك الشيخ "عبد اللطيف" وهدد بأنه لن يسلم المسجد إلا على جثته وجثث من معه، وعلى الرغم من إدخال حماس لمجموعة من الوسطاء لإنهاء المشكلة بهدوء، إلا أنه طالب أنصاره بالتحصن في المسجد بكامل سلاحهم وأحزمتهم الناسفة، ثم وقف بينهم يخطب الجمعة ويعلن فيها قيام إمارة إسلامية تطبق الحدود وأحكام الجنايات، استمر حصار الشرطة للمسجد حتى خرج المصلين من صلاة الجمعة، ثم استمر إلى ما بعد العصر، وكل هذا الانتظار يواكبه محاولات لأكثر من جهة تحاول إخراج المتحصنين في المسجد بسلام، وعندما استطاع "محمد الشمالي" أحد قيادي كتائب القسام إقناع بعض المسلحين والاتصال بأهلهم لتسليم أنفسهم، شعر الشيخ ومساعديه بأن القائد "الشمالي" خطر عليهم، فقرروا إطلاق النار عليه وقتله رغم أنه لم يكن يحمل سلاح، ويقف مع ذوي بعض المتحصنين في المسجد .. وهنا بدأت المواجهة مع جماعة أعدت نفسها جيدا لهذه المعركة بأحزمة ناسفة وألغام ومضادات للدروع ورشاشات ثقيلة، وهي مواجهة لو حدثت في أي دولة في العالم مهما كانت إمكانيتها لكان عدد الضحايا أضعاف ما سقط في رفح، بسبب نوعية السلاح المستخدم، بالإضافة لميدان المواجهة المكتظ بالسكان المدنيين، ولنا في تجربة مخيم "نهر البارد" مثال على ذلك .

بالرغم مما سببته هذه الأحداث من جراح مؤلمة للقضية الفلسطينية، إلا أنها كشفت عن وجه آخر للمشكلات التي ستواجه الإسلاميين في حالة وصولهم للحكم، ويبقى من الأهمية بمكان فهم كواليس ما يحدث في غزة، حتى نستطيع الحكم على المواقف التي تتخذها حكومة حماس، وحتى يمكننا معرفة إن كانت حماس قد أصبحت تستسهل قتل الفلسطينيين أم لا؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق