الأحد، 11 أكتوبر 2009

الفقر والتدهور المتواصل للقدرة الشرائية للأجراء

1- الانهيار المستمر للقدرة الشرائية للوحدة النقدية :

ارتفعت الاسعار منذ 1979 الى حدود الان بوتيرة سنوية سريعة ، وعادت الان بوتيرة يومية بشكل سريع جدا ، ووصل مجموع الارتفاع منذ تاريخ 1979 إلى الان إلى اكثر من 700 ٪ على الاقل .

وتعتبر هذه المرحلة اخطر مرحلة عرفت فيها الاسعار ارتفاعات متنامية وبسبب نهج سياسة تحرير الاسعار تطبيقا لسياسات النقد الدولي ، والتقويم الهيكلي ، واملاءات الخارج... وعملت الحكومات المتعاقبة بالمغرب منذ الثمانينيات الى اليوم على تطبيقها ، وشكلت هذه الارتفاعات السبب المباشر والاساسي في تآكل القدرة الشرائية للوحدة النقدية من جهة ، وللحد الادنى للاجور من جهة اخرى .

2- تآكل القدرة الشرائية للوحدة النقدية :

لناخذ على سبيل المثال 100رهم لنبين التآكل الذي اصاب قدرتها الشرائية في السوق بسبب ارتفاع الاسعار منذ 1979 الى سنة 2009 .

تدهور القدرة الشرائية لدرهم واحد حسب المواد انطلاقا من مؤشر تطور تكاليف المعيشة من 1973 الى الان 2009 يجب انفاق اكثر من 15 اليوم ( 2009 ) .

مثل تقريبي :

1- درهم واحد - اكثر من 9.00درهم

(1973) (2009)

2- اللباس : 1-درهم - اكثر من 3.5 درهم

1973-2009

3- السكن : 1- درهم - اكبر من 9.00

1973-2009

4- الصيانة والوقاية والصحة : -1 درهم - اكثر من 9.00 درهم

1973 -2009

5- النقل والترفيه ومختلفات : -1 درهم - اكثر من 15.00 درهم

1973-2009

يتضح لنا من خلال هذه الامثلة المتواضعة جدا ان القدرة الشرائية للوحدة النقدية عرفت تدهورا مهولا بسبب ارتفاع الاسعار بحيث اصبح درهم واحد في سنة 1973 ، بالنسبة للتغذية يساوي اليوم اكثر من 12.00 درهما وقس على ذلك بالنسبة للباس والسكن والتطبيب والصيانة والتعليم والسفر والتخييم والعطلة والصحة والنقل ومختلفات ...

3- مفهوم مضمون مايسمى بالحد الادنى للاجور :

لقد نهج الحاكمون سياسة تجميد الاجور منذ الاستقلال ، وكانت لهذه السياسة خلفيات اقتصادية وسياسية وهي التي اوصلت الوضع الاجتماعي الحالي الى الباب المسدود .

في سنة 1979 صدر ظهير تقنين بموجبه عملية ربط الاجور بارتفاع الاسعار ، وفي سنة 1979 صدر ظهير يتعلق بتحديد الحد الادنى للاجور ، ومنذ ذلك الحين لم يتم تطبيق نظام السلم المتحرك ، وسارت الحكومات المتعاقبة على هذا النهج لانها كانت تتوخى من وراء تجميد الاجور استجلاب الرسمال الاجنبي ، وخلق الشروط المواتية لتشجيع التراكم الراسمالي على الصعيد الداخلي ، وبهذا الاجراء تكون الدولة هي التي عممت الاستغلال الفاحش للطبقات العاملة المنتجة فيها والنظرة الى الاجرة على العموم ، والحد الادنى على الخصوص ، من هذه الزاوية ، والتي تعتبر الاخيرة تكلفة فقط ، فهي التي تفسر لنا اليوم لماذا يعيش الاقتصاد الوطني ركودا مستديما ، على عكس مايطلقون عليه التنمية المستدامة ، ويعرف الاقتصاد الوطني ازمة خانقة - فتجميد الاجور وتآكل القدرة الشرائية لاغلبية المواطنين ، وتحرير الاسعار ادت الى تناقص الطلب ، مما انعكس على حيوية السوق الداخلي ، وعلى نشاط المقاولات .

وحتى تكتمل الصورة ، فيكفي النظر الى توزيع الحد الادنى للاجور الحالي ، رغم هزالته ، ورغم كونه لايؤدي الى عدد كبير من العاملين في القطاع الخاص اذا كان هناك فعلا قطاع خاص وهذا نقاش اخر في موضوع وحديث اخر، لانه ولُد من رحم قبل ان يستكمل شروط الولادة الطبيعية فاصبح جنينا وُضع مجهضا قبل 9 اشهر ، وحتى القطاع العام .

لقد اصبح الحد الادنى للاجور اليوم بدون معنى ودون أي مدلول اجتماعي او اقتصادي وقد لايحتاج الى تبرير ذلك مادامت الارقام الرسمية والمتيسرة والواقع الميداني واحوال الناس تنطق هي بنفسها لتعبر عن التردي الذي وصلت اليه الاوضاع المعيشية للماجورين ، والنساء العاملات ، والمزارعين ، وفئة "الكسالة" بالحمام ، والحطابة بالغابة ، والتجار الصغار ، والحرفيين الصغار ، والموظفون الصغار والمتوسطون ، والعاطلون ، والمياومون ، والكسابة الصغار ، واصحاب الطاكسيات ، والمحامون ، والاطباء ، والمدرسون، والتلاميذ ، واصحاب المهن الاخرى المتواضعة ، والبائع المتجول ، والبناء ، والصيدلي والقائمة عرض الوطن والمواطنين .

هل يمكن ل"كسال او طيابة بالحمام " يتعايشان واوساخ وميكروبات ودرجة حرارية عالية لاتطاق ، وهما يتقاضيان مقابلا عبارة عن صدقة وليس أجرا في غياب اية ضمانات قانونية ودستورية ، ان يقتني ما يحتاج اليه من المواد الغذائية بما قيمة اجرته لاتتعدى 10.00 دراهم ، ونحن نعرف الاثمان الحالية للمواد الغذائية مثلا ناهيك عن المستلزمات الاخرى التي تحتاجها مثل هذه المهن الخطيرة من دواء وتغذية ولياقة بدنية وووو؟.

هل يمكن لهذه الفئة مثلا وكباقي الفئات الاخرى ايجار منزل للسكن بهذا الثمن 10.00 دراهيم ، وحتى في سكن الصفيح او الايل للسقوط لا يمكنك العثور على مسكن يلائم اجرتك الهزيلة نظرا لارتفاع السومة الكرائية بكيفية صاروخية ، ونحن نعلم كذلك ماهي اثمان التجهيزات المنزلية ؟ .

هل يمكن تحقيق التطبيب لجميع افراد الاسرة بماقيمته اكثر من 180 في الشهر ، ونحن نعرف اليوم بان اثمان الخدمات الطبية واثمان الادوية يرتفع بشكل مستمر وشهري ان لم نقل يوميا ، واصبحت تشكل اليوم موادا في متناول المحظوظين فقط .

هذه مجرد امثلة تبين بوضوح بان الحد الادنى للاجور اصبح دون معنى بالشكل الذي طبقته الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية في واقعنا .

لهذا يجب علينا ان نتخلى عن مفهوم الحد الادنى للاجور ونتبنى مفهوما اخر يكون له معنى ومضمون على ضوء مستوى المعيشة المتوسط ، ولهذا كان صواب شعار الجمعية المغربية لحقوق الانسان ،الذي رفعته بمناسبة مناهضة الفقر :

"جميعا ضد العطالة والغلاء والفقر ومن أجل العيش الكريم"

والصواب كذلك ان نتكلم عن الحد الادنى للمعيشة .

4- مفهوم الحد الادنى للمعيشة ، يمكن تقييم الحد الادنى للمعيشة :

في:

التغذية + اللباس + السكن + التجهيز المنزلي+ الصحة + النقل والمواصلات+ الترفيه والثقافة + الانترنت + التعليم + مواد وخدمات اخرى .

تقييم الحد الادنى للعيش يمكن تلخيصه في طريقتين :

1- اعتماد طريقة " القفة " والاحتكام الى السوق ، وهذا منطق لربما سيحدد الحد الادنى للعيش في مستوى مرتفع .

2- الطريقة الثانية ، نعتمد احصائيات تنشرها اجهزة الحكومة الرسمية حول استهلاك الاسر والتي تبين التناقض الصارخ بين الانفاق المتوسط للاسر وقيمة الحد الادنى للاجور وحتى الاجور في الوظيفة العمومية وفي القطاع الخاص وخدمات المهن الحرة .

اذ تبين هذه الاحصائيات ان الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والاغنياء اصبحت شاسعة ولا تطاق ، بسنة 1991 مثلا وبالمدن وصل متوسط الاستهلاك للاسر 4016 درهم شهريا للاسرة ، والان تدحرج هذا الرقم مع العلم ان الاسعار تضاعفت وتيراتها عشرات المرات من 1991 الى الان .

اذن لهذه الاسباب بات ضروريا اعادة النظر في مفهوم الحد الادنى للاجور واستبداله بمفهوم الحد الادنى للمعيشة بشكل حقيقي وليس للاستهلاك والاعلام الذي يدير شؤون البلاد ب 1+1 يساوي قرد” وليس قرش”.

هذا عن الفرق بين محتوى الحد الادنى للمعيشة ، اما عن الفوارق في المداخيل ، فانها اعمق بكثير ، خصوصا اذا ادخلنا ضمن عناصر المقارنة التجهيزات الاساسية وميزانيتي البوادي والمدن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق