الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

مسح زفر السلطة

بقلم : توجان فيصل (كاتبة اردنية )

..لماذا تتبرع الحكومة الأردنية "بمسح زفر" السلطة الفلسطينية ، خاصة وأن السلطة في أزفر حالة مرت بها في تاريخها كله ؟؟

فهذا، لا أقل، ما يعنيه تصريح وزير الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الذي خرج به علي وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية يوم كتابة هذا المقال (الإثنين)، والذي مفاده أن اجتماعات اللجنة العليا الفلسطينية-الأردنية التي كان مقررا عقدها الخميس ، بعد غياب دام اثني عشر عاما لا أقل ، تأجل بناء علي طلب الجانب الفلسطيني وبسبب" انشغال الحكومة الفلسطينية " !!

منشغلة منذ اثني عشر عاما ؟؟ وبماذا الآن تحديدا بعد سفر جورج ميتشل الذي لا يلتقيها إلا لاستكمال شكليات زعمه أنه يتحدث للأطراف كلها؟؟ وبعد أن رفضت سوريا استقبال رئيس السلطة ذاته مما ينسحب علي مواعيد أخري كانت مجدولة لحكومة رام الله تربأ الأطراف الأخري بنفسها عن السير بها استنكارا لما قامت به سلطة رام الله، أو خشية أن توسم بأنها متواطئة بشكل أو بآخر معها في فعلتها؟؟ السلطة والحكومة مرفوضتان في الخارج ، وفي الداخل هما مختبئتان في مقر الرئاسة لا تجرؤان علي مواجهة الشعب الحانق عليهما، كما أنهما تتحاشيان الالتقاء بالصحافة التي تطرح

أسئلة محرجة كيفما صيغت.

ولهذا كان جمهور أبو مازن يوم الأحد حين ألقي خطابه الذي زاد طينه بلة ، هم أعضاء حكومته وأركان سلطته ، مع أنه لا ضرورة لجمهور عند بث خطاب متلفز. ولكن الحكومة "فاضية شغل" إلي حد أن تعمل كمبارس لملء كراسي قاعة .. ربما شعروا بلزوم أن يكون لأبو مازن "رعية" حتي يبرر خوضه الانتخابات الرئاسية، كونه لم يعد لديه شعب.

وحتي حملات الشتم الإعلامي التي كان يتنطع لها كبار رجال السلطة والحكومة ممن تورطوا مع أبو مازن بحيث أضاعوا فرصة القفز من سفينته، أحيلت بالتدريج للأصغر ثم الأصغر بحيث بدأنا نري وجوها جديدة تقبل بأي دور مقابل "الظهور والانتشار ".

ولا نخوض في أمر انشغال حكومة رام الله المزعوم لأننا آسفون علي عدم مجيئها لعمان. فلا السلطة الفلسطينية ولا حكومتها مرحب بهما في الأردن ، ليس شعبيا حتما وبإجماع كامل الشعب من كافة الأصول والمنابت. ولكننا نتوقف عند فحوي تصريح "وزير الإعلام والاتصال" الناطق باسم حكومتنا.

فالشعب كان يتوقع أن يكون أول تصريح لحكومته بما يفيد نفيها لكل هذا الهمز واللمز من طرف أبو مازن في قناتها بالتلميح بأن هنالك دولا عربية ضغطت باتجاه عدم التصويت علي تقريرغولد ستون، "سواء أنكرت أم لم تنكر هذا" ، حسب قول أبو مازن الذي كرره في خطابه العدواني ليلة أمس .

وكحد أدني كان الشعب يتوقع أن تعلن الحكومة أنها هي من أجّل ، إن لم تلغ ، اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، علي الأقل كون تفاصيل هذا التنسيق وجزئياته لا مكان لها بين أولويات مصيرية مطروحة الآن .. ناهيك عن أن مصير هذه السلطة وحكومتها وكامل طاقم رجالها أصبح في مهب الريح بعد سقطتها التاريخية تلك ، مما يجعل التنسيق معها مضيعة وقت.

وحين يخرج علينا الناطق باسم الحكومة ليقول أن الجانب الفلسطيني مشغول بمهاتراته تلك عنا وعن تفاصيل ذلك التعاون الثنائي (الزراعة والصناعة والطاقة والثقافة والتعليم والجمارك والصحة والدواء) التي يفترض أن تهمه هو أكثر مما تهمنا نحن الذين خياراتنا منوعة وحدودنا وأجواؤنا ومياهنا مفتوحة علي العالم كله، فمعني هذا ان السلطة غير معنية حتي بضرورات معيشة شعبها في الضفة وهي التي تروج لحل بديل عن التحرير اسمه "الأمن الاقتصادي" ، كما أنها تذرعت لإنقاذ إسرائيل من المحاسبة التاريخية علي جرائمها بزعم خوفها من إضرار الأخيرة بالوضع المعيشي

لأهالي الضفة!!

ومن هنا لا يمكن أن نزعم أننا أكثر حرصا من السلطة الفلسطينية علي تلك التفاصيل المعيشية التي ظلت جارية كالعادة لاثني عشر عاما ، وحتما ليس إلي حد أن تتطوع حكومتنا، حسب تصريح أمين عام وزارة الصناعة والتجارة الأردني المرفق بذات تصريح وزير الأعلام ، بأن ترتب "عقد إجتماع ثلاثي أردني فلسطيني إسرائيلي مشترك لبحث المعوقات التي تعترض التبادل التجاري وبحث إزالة الصعوبات التي تواجه المصدرين الأردنيين إلي أراضي السلطة والتي سببها الجانب الإسرائيلي وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة في كلا البلدين"!!

حكومة السلطة مشغولة بأمور أهم منا ومن كل علاقاتها بنا.. ولكن إن كنا مستعدين لترتيب لقاء ثلاثي مع الإسرائيليين، فهي ستجد الوقت حينها. هذا مع أنه قبل أيام فقط كانت السلطة تعلن أنها لن تجلس مع إسرائيل حتي لبحث السياسات العليا كالتسوية السلمية ما لم توقف الأخيرة الاستيطان في القدس والضفة.

ولكن إذا تطوعنا نحن لجمعهم لبحث ما أوكل لنا من أمور أقل أهمية (مهام تدبير المنزل بعمومه كون الست السلطة وحتي حكومتها مشغولتين بما هو أهم)، فالسلطة ستجلس معنا دون شرط وقف الاستيطان!!

قبل أيام كان العرب يلعنون أوباما لأنه جمع أبو مازن بنتنياهو ويعتبرون ذلك انصياعا منه لإسرائيل وتنكراً لمباديء العدالة التي أعلنها وخدمة لمصالح إسرائيل بما يفوق مصالح أمريكا ذاتها، ولعنوا السلطة لأنها قبلت ولو بزعم العودة لمفاوضات بقصد التوصل لحل لكامل القضية الفلسطينية وصولا لإقامة دولة فلسطينية .. فماذا سيقال عنا إن قمنا بذات العمل، وإسرائيل ليست دولة حليفة لنا ، بل هي الدولة التي تعلن أنها ستحيلنا لوطن بديل وتبدل وتغير فينا ؟؟!!

وماذا عن "الدولة الفلسطينية ذات السيادة " ، ولماذا ستقبل إسرائيل بإقامتها فتفقد بذلك دورها المهيمن علي الفلسطينيين والذي يمكنها، عبر وجودها كمحتل تحديدا، من أن تندس في تفاصيل شؤون الصناعة والزراعة والتجارة والصحة والدواء والتعليم .. الخ ، في فلسطين والأردن معا، مما يوفر لها بالتالي جسرا تعبر عليه إلي اقتصاديات المشرق العربي وبخاصة الخليج ؟؟!!

وعودة لبقية تصريحات مسؤولينا عن اللقاء الثلاثي الذي يضم العدو الإسرائيلي. فالنص المنقول عن حكوماتنا عبر وكالات أنباء عالمية يقول ان ما سيتم بحثه ليس فقط "المعوقات التي تعترض التبادل التجاري " ، بل يكمل : "وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة بين البلدين".

هذا ليس مجرد تصريح عابر يتناول علاقات "ثنائية أخوية" بيننا وبين الفلسطينيين ، هذا شروع في كونفدرالية سابقة علي قيام الدولة (لمن يصدق أنها ستقوم في هكذا بيئة).

وحين تقوم مكونات هكذا كونفدرالية بوجود الطرف الثالث باعتباره الطرف "الجامع للشمل" رغم "انشغالات" البعض .. فهو ليس الكونفدرالية وحسب ، بل هو البينولوكس الثلاثي الذي تقوده إسرائيل.

بداية ، نحن لا نريد مشاريع مشتركة مع رجال أعمال السلطة ، من أمثال أولاد أبو مازن وأولاد كل الذين سيعلنون من جانبنا أنهم لا يملكون كذا وكذا مستعينين "بالنقاب" الاقتصادي المالي الذي حذرنا منه في مقالتنا علي هذا الموقع بعنوان "احذروا المنقبين ".. فتلك طريقة تبرئة مضحكة لا تنطلي علينا . فلا إشهار ذمة يقتصر علي جرد بعض ما لا يملكه المعني ، ولا صك براءة يؤخذ بالاستناد إلي بعض ما لم يرتكبه المعني من جرائم.

حكومتنا لم تصمت فقط علي اللمز السلطوي ، بل نجح هذا اللمز في جعلنا نتطوع علنا لإتمام جمع شمل حكومة السلطة التي تتصنع التمنع ، بحكومة الاحتلال .. وهذا سبب مضاف كي نرفض المشاريع المشتركة ، لأن لمزا مشابها قد يسكتنا عن المزيد.. ونحن دولة مهددة علنا بالتحول لوطن بديل ، وآخر ما نريد تصديره لنا "مشاريع" رجال سلطة بلا سلطة ولا دولة ، والأهم : بلا غيرة علي الوطن وعلي ودماء وأعراض أهله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق