الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

السلطة و"أهم تحديين" يواجهان إسرائيل

كتب : عريب الرنتاوي

في خطابه أمس الأول امام الكنسيت، لفت رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو إلى "أهم تحديين" يواجهان دولة إسرائيل بقيادة حكومته، حكومة اليمين واليمين المتطرف: الأول، استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة...والثاني، إسقاط تقرير غولدستون وقطع الطريق على مراميه وأهدافه، نتائجه وتوصياته ومفاعليه.

التحدي الأول، بلغة أقل تورطا في "التورية" و"الدبلوماسية" من تلك التي استخدمها "بيبي"، يتلخص في كيفية الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن لإسرائيل أن تجمع في الوقت ذاته، بين استئناف المفاوضات واستمرار الاستيطان في القدس والضفة، كيف لها أن تجمع بين السلام والاستيطان، بين المفاوضات والإملاءات، فوقف الاستيطان أو تجميده عند نتنياهو، يعني "شرطا مسبقا" مرفوضا سلفا، حتى وإن أجمع على هذا "الشرط/المطلب/الالتزام" العالم بأسره.

أما التحدي الثاني، والذي استغرق جل خطاب نتنياهو، فيتعلق بتقرير غولدستون، وقد فضحت تفسيرات نتنياهو للتقرير ووصفه لتوصياته، حجم القلق الذي يصيب قادة إسرائيل المدنيين والعسكريين من مغبة تحويلهم إلى أقفاص الاتهام، وملاحقتهم كمجرمي حرب في مختلف دول العالم، وقد أوضحت "الضحكة الصفراء" التي ارتسمت على وجه تسيبي ليفني "الميت"، ما عجزت كلمات نتنياهو عن إيضاحه، لا سيما وهو يردد أسماء أولمرت وباراك وليفني كقادة لن تسمح إسرائيل بملاحقتهم كمجرمين وقتلة، وقد أصابنا كل ذلك بالغثيان ونحن نسترجع فصول التخاذل الفلسطيني الرسمي في جنيف.

واللافت في أمر "أهم تحديين" يواجهان إسرائيل وحكومتها، أن التقرير بشأنهما يتوقف إلى حد كبير على "توجه السلطة الفلسطينية ووجهتها السياسية" في قادمات الأيام، فهي وحدها يمكنها أن تقدم "أطوق النجاة" لإسرائيل وحكومتها، أو تحجبها عنها، فإن هي أصرت على "وقف الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات" عمّقت مأزق نتنياهو وحكومته وكيانه، وإن هي تراجعت عن شرطها أو "لحسته"، تكون قد أخرجت هؤلاء من مأزقهم وحررتهم من عنق الزجاجة الذي يجدون أنفسهم محتبسين فيه.

والسلطة وحدها، صاحبة الولاية في متابعة تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان وأمام المحافل والمحاكم الدولية، فإن هي فعلت، تكون قد نجحت في إحقاق مبدأ "عدم الإفلات من العقاب" وبرهنت على أن إسرائيل ليس بمقدورها أن تكون "خارج القانون الدولي وفوقه" ورسخت القاعدة القائلة بأن التوجه نحو السلام لا ينبغي أن يكون على حساب العدل والعدالة، وإن هي أخفقت أو تراجعت تكون قد فقدت أهليتها كقيادة وممثل شرعي وحيد، وتكون قد جرّت على نفسها وشعبها الخزي والعار، فلا قيمة لسلام، بل وبئس السلام إن لم يقترن باستعادة الحقوق وإشاعة العدل وتعميم العدالة.

حتى الآن، لم تظهر السلطة الفلسطينية ما يدفعنا ويدفع شعبها ومحبيه وأصدقائه للارتياح والاسترخاء، أو ما يدفع في المقابل، نتنياهو وحكومته وكيانه للقلق والتوتر والحساب والتحسب، مع أنها – السلطة - وفي هاتين المعركتين بالذات، تمتلك أوراق قوة وضغط كافية للظفر والانتصار، فالسلطة "لحست" أو تكاد، شرط وقف الاستيطان، وقبلت إن تٌسَاقَ إلى قمة نيويورك الثلاثية بالسلاسل، وها هي تجري اليوم مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في واشنطن، تعطيها اسما كوديا ملتبسا: "محادثات مع الولايات المتحدة" بدل "مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة أمريكية".

والسلطة في جنيف اقترفت "المعصية"، وأحالت الخطأ إلى خطيئة وهي تجهد في الشرح والتوضيح والتفسير والتبرير لـ"الفعلة النكراء"، وهي وإن عادت تحت ضغط "عاصفة الغضب" الفلسطينية إلى طرح التقرير من جديد على موائد البحث والتصويت في مجلس حقوق الإنسان، إلا أنها لم تعد مؤتمنة ولا موثوقة لمتابعة هذا الملف حتى نهاياته الظافرة، فقد ثبت أن كل شيء عندها، قابل للمقايضة واليبع والشراء، بما في ذلك دماء شهداء غزة وعذابات ضحاياها، وبفرض حسن النوايا والأسارير، فقد ثبت هذه السلطة مصابة بـ"هشاشة عظام" مستفحلة، تجعل جهازها المناعي ضعيفا للغاية وقدرتها على "الصمود والتصدي" مشكوكا فيها.

لكننا ونحن نحذر السلطة من مغبة تقديم أطواق النجاة لإسرائيل وحكومة اليمين بزعامة نتنياهو، نحذر أيضا مختلف قوى الشعب الفلسطيني الحية من مخاطر الاسترخاء والركون إلى ما يمكن أن تجود به قرائح أركان الفريق المتحكم بالقرار الفلسطيني، فهؤلاء لن يعودوا إلى الطريق القويم، ولن يتساوقوا مع مصالح شعبهم الوطنية العليا إلا تحت سيف الضغط والتهديد، وهم سيستأنفون فورا ومن دون إبطاء، طريق الهرولة والتهافت وتقديم التنازلات المجانية ومقارفة الفضائح القبيحة، إن أحسوا للحظة واحدة، بأن "نواطير مصر نامت عن ثعالبها"، فالحذر الحذر، واليقظة اليقظة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق