الثلاثاء، 23 فبراير 2010

الصين والعرب، والنفط والدولار


بقلم: نصر شمالي
على الرغم من استمرار الأزمة المالية/ الاقتصادية الأميركية، بل تفاقمها في الحقيقة، حيث تزيد المديونية الأميركية على 80 في المائة من مدّخرات العالم كلّه، وعلى الرغم من الحاجة الأميركية الماسة للتعاون والتنسيق مع بكين، التي تشكّل العلاقات الإيجابية معها بالذات أحد أهمّ صمامات الأمان للاقتصاد الأميركي وأهم عوامل الدعم للدولار الأميركي، فإنّ واشنطن لا تبدو حريصة على مراعاة هذه الحاجة الماسة، بل على العكس، تبدو مصمّمة على استفزاز الصين وجرّها إلى ميادين الصراع، فأية دولة هذه الدولة العظمى، ومن الذي يحكمها فعلياً وعملياً لا شكلياً وظاهرياً؟
إنّ الأمر يستدعي إلقاء نظرة سريعة على الأزمة المالية/ الاقتصادية الأميركية، وعلى تركيبة جماعات المال والأعمال الأميركيين، وهذا ما سوف نفعله بإيجاز شديد، ولكن من خلال الرؤية الصينية تحديداً لهذه الأزمة ولهذه الجماعات، فقبل حوالي عام (في 18/3/2009) وعبر شاشة إحدى محطّات التلفزة العربية، أطلّ خبير اقتصادي صيني ليقول ما يلي:
 إنّ حال الدولار الأميركي في الأزمة المالية الدولية يشبه حال السفينة تايتانيك قبل أن تغرق. وإنّ  بين ركّاب سفينة الدولار من يعتقد بحتمية غرقها ويعمل على مغادرتها، ومن يعتقد بنجاتها وسلامتها وبالبقاء على متنها، والصين التي تمتلك أكثر من تريليونين دولار أميركي (أي أكثر من 2000 مليار دولار) وهو أكبر احتياطي من نوعه في العالم أجمع، لم تفقد ثقتها بسفينة الدولار ولا ترى أنها سوف تغرق، ولذلك قرّرت البقاء على متنها.. للأسف الشديد!
لقد عبّر الخبير الصيني (سونغ هو نغبينغ) صراحة وعلناً عن أسفه الشديد لأنّه شخصياً يعتقد أنّ الدولار الأميركي سوف ينهار، ربّما بعد عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً. قال: إنّي واثق من أننا سوف نشهد نحن في حياتنا انهياره، لكنّ ذلك لا يعني انهيار البلد برمته (أي الولايات المتحدة) فهم (الأميركيون) قد يستبدلون العملة بعملة أخرى، والدولار بدولار جديد، وقد تحلّ محلّ الدولار الأميركي عملة عالمية موحّدة، وهو ما توجد مساعي الآن لتحقيقه.
وعن الغطاء الذي يجعل الدولار الأميركي سيد العملات في العالم قال الخبير الصيني: أصبحت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية القوة المهيمنة في العالم. فبعد العام 1945 كان الاقتصاد الأميركي يحقّق ناتجاً إجمالياً محلياً يعادل نصف إنتاج العالم، وكانت الاحتياطيات الأميركية من الذهب تعادل نصف احتياطيات العالم، فصارت للاقتصاد الأميركي ميزة على مجمل الاقتصاد العالمي، وصار الدولار العملة الاحتياطية للعالم أجمع. ولكن بعد العام 1971 أغلقت نافذة الذهب الأميركي، وفقد الدولار فجأة قيمته الداخلية. (أي أنّ الدولار فقد غطاءه الذهبي، لكنّه بقي سيّد العملات، فكيف كان ذلك، وأين ذهب الاحتياطي الأميركي من الذهب؟).
 في معرض الإجابة على السؤالين قال الخبير المالي الصيني: في العامين 1972 – 1973 كان هناك منتدى سرّي تجري فيه لقاءات ومفاوضات حول زيادة أسعار النفط أربع مرّات عن أسعاره في العام 1971، وأعتقد أنّ الدكتور كيسنجر كان له دور أساسي في إعادة تدوير الدولار مع النفط (أي أنّ حرب 1973 ساعدت على تحويل النفط إلى غطاء للدولار بدلاً من الذهب). وهكذا فإنّ السبب الذي يجعل الصين تحتفظ اليوم بهذا الكمّ الضخم من الدولارات هو حاجتها لشراء النفط من الشرق الأوسط، لأنّ الجميع (المنتجين) يريد الدولار والدولار فقط مقابل النفط. ولو أنّ بلدان الشرق الأوسط استبدلت الدولار النفطي باليورو النفطي فإنّ بلداناً آسيوية كبيرة (كالصين) ستضطر إلى تغيير سياستها في ما يخص احتياطياتها من العملة الأجنبية، وتحزم أمرها وتمتلك اليورو بدلاً من الدولار، الأمر الذي سيغيّر قواعد اللعبة الدولية من الأساس وبشكل كبير، وسيحدث ما يشبه هزّة أرضية تضرب النظام العالمي!
أمّا في معرض الإجابة عن السؤال الثاني، المتعلّق بالمصير الغامض لاحتياطي الذهب الأميركي الذي اختفى ليحلّ النفط محلّه، فقد قال الخبير الصيني أنّ البديهي والطبيعي والمعهود، والمفهوم من قبل الجميع، هو سيطرة الحكومة على العملة وعلى عملية طباعتها، لأنّ العملة هي السبيل القانوني المشروع الوحيد لتنظيم العلاقات ولتسوية الديون ومستحقاتها، فكيف يمكن أن تترك هكذا وظيفة للقطاع الخاص وللعائلات؟ لكنّ البنك المركزي في الولايات المتحدة (وكذلك بنك إنكلترا المركزي) أسّسه صيارفة، أو أصحاب بنوك خاصة. إنّه يخضع لسيطرة صيارفة من القطاع الخاص يمتلكونه. وأعتقد أنّ بعض العائلات (اليهودية)، عائلات الصيارفة من السلالات المالية، موجودة (في مثل هذه المواقع) على مدى قرون من الزمن، وهي تزداد قوة على قوة، وبالتالي فإذا كان بإمكانها السيطرة على البنوك المركزية فذلك يعني أنّها تمتلك قوة تأثير هائلة في سياسات الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، وربّما في سياسات عدد آخر من دول العالم، وأعتقد أنّ هذا الأمر ينبغي أن يثير اهتمام أحد ما في مكان ما!
نفهم من كلام الخبير الصيني أنّ الاحتياطي الذهبي الأميركي صار في عهدة العائلات إياها، وجرى استبداله بالنفط (العربي تحديداً) كغطاء للدولار بهمّة أمثال كيسنجر. ونفهم من كلامه أنّ هذه العائلات هي من يستفزّ الصين ويؤزّم العلاقات معها اليوم، غير آبهة للأصول والأعراف والشرائع والقوانين التي تنظّم علاقات البشر وتحفظ لكلّ ذي حقّ حقّه، كما هو حالها مع العرب وثرواتهم وبلادهم ومصيرهم!
                                           ns_shamali@yahoo.com
 Postwd By: s-dori@scs-net.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق