الجمعة، 23 أكتوبر 2009

المقاومة الوطنية العراقية.. شرط لازم للتحرير..


د. أبا الحكم

· لا تحرر بدون المقاومة الوطنية العراقية.

· المقاومة الوطنية.. شرط لازم لحركة التحرر العربية.

· المنهج التحرري الوطني والقومي.. لا يجب أن يتأثر بأجندات إقليمية ودولية.

· تغييب المقاومة الوطنية العراقي، وهي تمثل قوى الشعب العراقي المناهضة للاحتلال..

· محاولة إجهاض فاشلة لحركة التحرر العربية في بعدها القومي.

لم تنشأ المقاومة الوطنية العراقية بإيعاز من الخارج، ولم تكن محسوبة على أحد غير أهلها، ولم تأت من فراغ، كما أنها لم تأت كرد فعل محض على الاحتلال، إنما هي استمرار للصراع القائم بين قوى الأمة المناضلة والمجاهدة، وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي، وبين قوى التآمر والتدخل الأجنبي بكل أشكاله. فقد كان الحكم الوطني في العراق يصارع الامبريالية والصهيونية وكل قوى الشر والظلام التي تناصب الوطن والأمة العداء. وكانت المقاومة في قلب هذا النظام لم تنفصل عنه لا في السلم ولا في ظل الاحتلال الغاشم.. المقاومة منهج مستمر في حياة الحزب والدولة تصارع وتقاوم من أجل الأهداف الوطنية والقومية. ومن هذا التوصيف فأن المقاومة الوطنية العراقية، التي كانت تمثل جوهر النظام الوطني باتت تحمل عبأ التحرير، فهي قد توسعت وانتشرت أفقياً وعمودياً لتشمل كل شرائح المجتمع العراقي.

إن احتلال العراق لم يكن حدثاً مفاجئاً أو طارئاً، إنما كان حدثاً مدبراً منذ بداية السبعينيات، تعززت مخططاته في عام 1979 وامتدت إلى عام 1991 وتأكدت خلال الحصار الشامل حتى الاحتلال في عام 2003. هذا الحدث الزلزال قد حقق الآتي :

أسقط نظاماً سياسياً وطنياً وقومياً استطاع أن :

أولاً- يبني قاعدة قوية متحررة للأمة.

ثانياً- يحمي الأمة من أعدائها التاريخيين طيلة عقود.

ثالثاً- قدم أنموذجاً لدولة الوحدة العربية المنشودة.

دمر الدولة بطريقة التحلل :

أولاً- فكك الجيش الذي يعبر عن الروح الوطنية والقومية.

ثانياً- فكك أجهزة الأمن المختلفة.

ثالثاً- دمر مرتكزات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

رابعاً- دمر البنية التحتية للدولة (ماء، كهرباء، طرق، وشبكات الصرف الصحي، وغيرها).

خامساً- لوث البيئة والمياه والأجواء بمواد مشعة وسامة.

سادساً- نشر الأمراض والأوبئة (الايدز) و (المخدرات) و (والتفسخ الأخلاقي).

سابعاً- أشاع الطائفية والعنصرية في نسيج الشعب العراقي.

شرَعَ في اجتثاث البعث، قتلَ وطاردَ وأبادَ مناضليه، وكفًرَ أفكاره القومية التقدمية وحقق إقصاءً مذهبياً وقومياً وثقافياً حياله، وهو الفكر الذي يعبر عن حقيقة وجود الأمة ومستقبلها.

أبعد العراق عن محيطه العربي بهدف :

أولاً- محو هويته العربية.

ثانياً- تشويه الدين الإسلامي الحنيف.

ثالثاً- إبعاده عن مهمته التاريخية للدفاع عن الأمة في أمنها القومي.

رابعاً- إخلاله في التوازن الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني لردعه عن العدوان على شعبنا الفلسطيني المناضل وحماية شعبنا العربي من العدوان.

رابعاً- تدمير أحد أهم ركائز الأمن القومي العربي وحجر الزاوية فيه، وهو العراق كقوة إقليمية حقق توازناً إستراتيجياً حيال الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة.

الأهداف هذه كلها قد تحققت في ظل الاحتلال الأنكلو- أمريكي الغاشم. وهي أهداف يراد من خلالها أن تصل الإمبريالية والصهيونية بمشاركة صفوية فارسية فعاله إلى أهدافها، بعد أن أصبح الوضع العربي جامداً وراكداً بانتظار (سايكس- بيكو) جديدة للمنطقة تقوم على تقسيمها على وفق خرائط جديدة تغير وجهها، وقد تختفي دولاً عربية من الخارطة، ثم الانتقال من جغرافيا- سياسية إلى أخرى تباعاً لاقترابها من القضية الفلسطينية، تكون مرشحة للتدمير وعلى أساس منهجها القومي التحرري في المنطقة، وذلك تبعاً لنظرية الدومينو(Domino theory) حيث جرب الأمريكيون حظهم العاثر في آسيا وفشلوا كما فشلوا على أرض العراق وأمام مقاومته الباسلة.

المقاومة الوطنية العراقية هزمت أمريكا في العراق، فأنقذت دمشق العروبة لحد الآن من زحف القوات الأمريكية الغازية، كما أنقذ جيش العراق الوطني من قبل سوريا العزيزة من براثن الصهيونية القابعة والمتربصة في تل أبيب، وأنقذ صقور الجو من العراق سماء مصر عام 1973، وأنقذ العراق مدن الكويت بصواريخ الحسين التي أخرست قواعد إطلاق الصواريخ الإيرانية الحاقدة. وحين هدد الكيان الصهيوني الدول العربية بالاجتياح، أعلن العراق ((إذا اعتدت إسرائيل على أي دولة عربية، فسنحرق نصف إسرائيل)). كما لا أحد ينسى حزمة الصواريخ التي أمطرتها القيادة العراقية الوطنية على هذا الكيان

أنها معادلة إستراتيجية لا فكاك من احتسابها، إذ يمثل العراق عمقاً إستراتيجياً لسوريا وللأردن أمام العدو الصهيوني المتربص، كما يمثل العراق عمقاً إستراتيجياً لهما أمام زحف الخطر الفارسي الصفوي عبر التاريخ.

فهل يغفل البعض هذا الأمر.. ويتجاهله البعض الآخر كحقيقة جيو- إستراتيجية شاخصة؟ ويتجاهل المقاومة الوطنية العراقية وهي تمثل مستقبل العراق المحرر؟ وهل يصب هذا التجاهل في المصلحة الوطنية والقومية؟ وهل هناك من يعتقد بأن الاحتلال سيبقى في العراق يعبث بأمنه وشعبه وثرواته ومستقبله إلى الأبد؟ وهل يعتقد البعض بأن شعب العراق يقبل بحكومة عميلة شاركت باغتياله وتدميره ونهب ثرواته وإرجاعه عقود إلى الوراء؟!

فعلى وفق هذا الاعتقاد الخاطئ، أوقصر النظر، أو الاعتقاد المغرض، تبرز محاولات فاضحة للتغييب والتعتيم والإقصاء، تضع المقاومة الوطنية العراقية في مجال الشد والجذب مرة نحو ما يسمى (بالمصالحة الوطنية)، ومرة نحو ما يسمى (بالعملية السياسية)، ومرة أخرى نحو ما يسمى بالمشاركة في إدارة (دولة القانون)!!.. ولكن هذه المجالات، التي تتعرض للشد والجذب لا تخرج عن إطار التخطيط الإستراتيجي التكتيكي للاحتلال.. وتلك عملية مكشوفة تماماً وخاسرة من بداياتها، طالما يتجاهل البعض معادلة الصراع وقواعده والنتائج التي ستتمخض عنه، لأن ميزان تعادل القوى لصالح المقاومة الوطنية العراقية على أرض الواقع.

نعود إلى المقاومات العربية، وليس القصد ألتقليل من شأنها ومكانتها وما أنجزته، إنما وضع التوصيف في ضوء واقع الصراع وتحولاته على جغرافيا- سياسية في كل من لبنان وفلسطين، وكليهما تختلفان تماماً عن واقع الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر للعراق وشكل الصراع المسلح وطبيعة التناقضات التي تتحكم فيهما. فالشعب اللبناني لا يعاني من احتلال عسكري مباشر كما يعاني شعب العراق، والشعب الفلسطيني يعاني من احتلال استيطاني صهيوني مركب وخطره لا يتحدد بفلسطين إنما يمتد إلى خارجها أيضا، كما يعاني من انقسام القوى التي كانت قد توزعت فصائل تبعاً لأيديولوجيات كانت قد أجمعت على الهدف الرئيس وهو التحرير، أما الآن فقد تركت هذا الهدف ووضعت نفسها إلى جانب ما يكرس الانقسام في جغرافيتين- سياسيتين إحداهما (الضفة) والأخرى في (غزة)، وهذه حالة تجسمت وقطعت شوطاً بعيداً يتساوق مع ما تريده (إسرائيل) لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها، وذلك بدفع (غزة) إلى مصر تدريجياً ودفع (الضفة) إلى جهة الشرق لإنهاء دور الأردن!!

فالمقاومة الفلسطينية قد انقسمت خطين أحدهما وضع بيضه كله في سلة (التسوية)، وهذا خيار مغلق تماماً. والآخر وضِعَ في حيز جغرافي من أجل (التدجين) لأغراض بعيدة المدى إقليمياً ودولياً، طالما كان التأثير الإقليمي قوياً في غزة فأن التوافق الإقليمي-الأمريكي يعمل على قدم وساق لإنهاء القضية الفلسطينية. وليس ذلك افتراضاً نظرياً، إنما تخطيطاً استراتيجياً يجمع عليه تلاقي المصالح الإسرائيلية والأمريكية والفارسية، لإنهاء الملفات الساخنة للمنطقة، لأن إيران تعمل وتفتش عن حلول لمشكلاتها في الخارج وخاصة الملف النووي، ولكن ذلك لم يكن حصوله وارداً قبل تدمير العراق وتفكيك عناصر قوته الوطنية والقومية!!

إذاً.. الصراع ذو البعد الإستراتيجي قد يتحول من رئيسي إلى ثانوي والعكس صحيح في مجرى الصراع والتناقض، فيما تظل قضية فلسطين قضية مركزية قومياً ولا غبار على ذلك، بيد أن مفاتيح الصراع في الظروف الراهنة تكمن في جغرافية- العراق السياسية المحتلة عسكرياً.

فكيف تتحرر فلسطين وأحد دعامات الأمن القومي العربي محتلاً؟ وكيف تتخلص الشام التاريخية من الضغوط الثقيلة والمستمرة حد التآمر، والعراق تطبق عليه جيوش الغزاة؟ فالمسألة ليست شخصية أو حزبية أو قطرية إنما هي قومية ذات بعد قومي إستراتيجي يتوجب الانتباه إليها وعدم التفريط في جوهرها الإستراتيجي، حتى عند المناورة في مسار إدارة الصراع تكتيكياً، وليس ذلك من المستحيلات!!

والتساؤل هنا.. لماذا العرب مأخوذون بالتبعات السياسية الإقليمية على حساب مصالحهم الوطنية والقومية؟ فالتعامل الثنائي مع الآخر لا يشترط التسليم لتلك السياسات والإذعان لها بالرغم من توجهاتها المعادية الدفينة بالضد من تلك المصالح.. دولتان إقليميتان أجنبيتان لا يجب الانسياق وراء سياساتهما على أساس (الدين أوالمذهب) أو (الوساطة البريئة) أو على أساس (الانحياز) في صراعات لا تخدم المصلحة العربية العليا.

فهناك محددات للعمل الثنائي، ومحددات للعمل الإقليمي، ومحددات في الشأن الدولي. فلا يجوز خلط الأوراق في التعامل على هذا المستوى أو ذاك.. كما لا يجوز تضخيم العلاقات الثنائية على حساب المصلحة القومية والعكس صحيح، إذ لكل حالة تعامل لها محدداتها وسياقاتها في الوقت الذي يرى فيه الكيان الصهيوني منذ عقود من السنين، أن تعامله مع البلدان العربية تعاملاً إنفرادياً، وكذا الأمر يرى فيه الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة أن تعاملها مع البلدان العربية تعاملاً انفرادياً وليس تعاملاً (كتلوياً) كما نحن نعتقد بأن العرب (كتلة سياسية واحدة)!!

لست بصدد التعرض لمثل هذا الموضوع، ولكن التوازن الضروري في التعامل الثنائي والمتعدد الأطراف يجنب العرب من الانزلاق نحو الاستغلال والتبعية التي تنتهي بتكريس الشرذمة والتمزق والتوزع حصصاً تحت مظلة هذا وذاك، على أساس ما يرسمه الغرب من سياسات وتوصيفات وتسميات لها مدلولاتها السياسية والإستراتيجية في قاموس الإعلام والسياسة.

فالمقاومة الوطنية العراقية هي مقاومة شعب العراق، وليست فئة منه ولن تذهب المقاومة في منزلق الطائفية أو العنصرية أو الفئوية أو العشائرية أوالمناطقية بأي حال من الأحوال.. أنها مقاومة الشعب العراقي، كل الشعب العراقي، من أجل تحرير الوطن وليس من أجل الوصول إلى السلطة.. إذ ليس في ذهن المقاومة الوطنية العراقية والمناهضين للاحتلال ما يرمي إلى ذلك، لأن التحرير هدف مركزي لا يعلو عليه هدف آخر.. ولأن المقاومة الوطنية العراقية هي ((حركة تحرر وطني)) وهذا المنطلق الفكري والإستراتيجي يتوجب أن يشكل قاعدة لدعم المقاومة الوطنية العراقية لا لتجاهلها والتعتيم عليها والعمل على إقصائها وهي على أبواب النصر المؤكد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق