الأحد، 8 نوفمبر 2009

اوباما خطابات تهدئة وأفعال حرب

قسم الدراسات / مركز الأمة للدراسات والتطوير

ساهمت خطابات الرئيس الأمريكي اوباما حول السلام والانسحاب وأسبقية الحروب في خلق واقع وهمي في العالم العربي والإسلامي وهي محاولة لإيهام الرأي العام وامتصاص زخم الصدمة والتعبير عن أرادة تغيير حقيقية في السياسية الخارجية الأمريكية والتي تلقي بظلالها على الأزمات الداخلية وقدرة الولايات المتحدة على التملص من أفخاخ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأمريكا والعالم وكابوس الفشل العسكري المتسق بها.

يبدو أن عجلة الحروب الأمريكية مستمرة بالرغم من إعلان الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية من العراق على لسان الرئيس الأمريكي اوباما عندما أعلن إستراتيجية الانسحاب من العراق وإنهاء الحرب فيه وكما قال انسحاب مسؤول؟, وبالفعل حشد الإعلام العربي والعراقي التابع والملحق كافة موارده وسوق إعادة الانتشار على أنها مرحلة تنفيذ الانسحاب من المدن العراقية وتطبيق جاد لتوقيتات إستراتيجية الانسحاب من العراق, وفي حقيقة الأمر هذا التكتيك لا يعدو سوى دعاية سياسية إعلامية ذات منحى عسكري, وتلك التكتيكات لم تأت وفق رغبات جنرالات القوات الأمريكية بل هو حيدان أجبرتهم عليه المقاومة العراقية, وتمثل مرتكزات خطة الخداع الاستراتيجي الأمريكية الجديدة لتغليف الحروب بخطابات السلام والإصلاح السياسي وتصحيح أخطاء الحرب، ويمكن أن نراقب تصريحات جنرالات الحرب الأمريكان وفي احد التقارير المترجمة ومنها تصريح الجنرال "كيسي General Casey" رئيس أركان الجيش حيث يقول:- "على البنتاغون أن يخطط لتوسيع عمليات القتال والاستقرار في حربين لغاية عشر سنوات "؟؟. وفي إشارة واضحة لديمومة عجلة الحرب في العراق وأفغانستان بعيدا عن بريق مفردات الخطاب الإعلامي والسياسي الأمريكي ذات التفسير لمزدوج, وبالرغم من الانهيار العسكري والسياسي في أفغانستان وتخبط الإدارة الأمريكية بين التعزيز والتمويل والانسحاب نرى أن الجنرال مكريستال McChrystal في شهادة له أمام الكونغرس لمح إلى أن الحرب في أفغانستان تأخذ منحى اعنف عندما قال أن "حرب أفغانستان من المحتمل أن تكلف دافعي الضرائب الأمريكان وشعوب الدول الأخرى أعضاء الناتو بلايين الدولارات على مدى سنوات عديدة قادمة" وهي إشارة واضحة إلى استمرار النزعة العسكرية الأمريكية التوسعية بل وتعزيز منهجية الحروب بالوكالة .

وردت قبل أيام تصريحات مضللة عبر وسائل الإعلام تشير إلى أن الحكومة الأمريكية لا تعلم حجم المتعهدين ( المرتزقة) في العراق وأفغانستان وأنهم يؤثرون على الوضع الأمني, وتلك التصريحات تعد تضليلا ضمن خطة الخداع الاستراتيجي وتلاعب واضح بعقول الرأي العام لأن وكالة الاستخبارات المركزيةCIA ووزارة الخارجة الأمريكية هما من يتعاقد مع المرتزقة ويحددون مهامهم الحربية واللوجستية والمعلوماتية, ويعلمون بالضبط عديد الظهير العسكري هناك, حيث أشار تقريراً من البنتاغون إلى تواجد 250 ألفاً من أصحاب العقود الخاصة حالياً في العراق وأفغانستان, ويطلق عليهم تسمية "المرتزقة" طالما أنهم يمارسون عمليات عسكرية مقابل ثمن وهم أصبحوا اليوم الجيوش الظهيرة للحروب الخفية لأمريكا في العالم, علما أن عدد كبير من هؤلاء المتعاقدين(المرتزقة) يحملون مختلف الأسلحة ويشاركون قوات الاحتلال في مهام عسكرية وعمليات خاصة , ومنهم من يحمل الجنسية الأمريكية وآخرون من جنسيات أخرى ,وعند إضافة شركات المرتزقة والمتعهدين إلى عديد القوات النظامية الأمريكية في العراق يصل مجوع القوات الاحتلال المحاربة الى 350 ألفاً وبتكلفة 9 بليون دولار شهرياً أو أكثر بقليل.

أضحت أمريكا عاجزة عن المناورة وحسم الحروب العبثية التي شنها بوش وإدارته , خصوصا إذا علمنا أن المصالح والمكاسب المالية وعائدات تلك الحروب لم تعد دولية وتخض للولايات المتحدة الأمريكية كدولة بل هناك مصالح تقوم على أساس تلك الحروب ذات منحى شخصي لها صلة برؤوس الأموال للشركات الكبرى وأبرزها المرتزقة هؤلاء القتلة المأجورون المتعاقدون للقتال مقابل المال , ناهيك عن شركات النفط والسلاح التي لها الدور الأكبر في شن الحروب وديمومتها , ولم يعد هناك قانون دولي أو حقوق إنسان أو أي من تلك القيم التي تجاهر بها أمريكا خصوصا بعد فضائح التعذيب واستشهد بتقرير مترجم أخر يشير إلى أن الجنرال بترايوس Petraeus قد اعتراف وأقر بأن الولايات المتحدة انتهكت معاهدات جنيف والقانون الدولي؟ وطالب الجنرال سانشيز Sanchez- القائد العام السابق لقوات الاحتلال في العراق بتشكيل لجنة نزيهة truth commission للتحقيق في المظالم التي حصلت أثناء إجراءات التحقيق ولا يقول الجرائم طبعا هذا ذر الرماد في العيون لان المطالبين هم الذين ارتكبوا تلك الجرائم وكان الرئيس الأمريكي اوباما قد تراجع عن الإصلاح الذي وعد به في هذا المجال وكان ضمن خطاب الحملة الانتخابية والملفت لنظر قرار اوباما بعدم نشر صور التعذيب وإيقاف إجراءات التحقيقات الخاصة بممارسات التعذيب في أبي غربي وبقية المعتقلات الأمريكية، وتلك مفارقة تدخل ضمن ازدواجية المعايير والخطاب حيث يدعم اوباما مشروع قانون إعادة كتابة "قانون حرية النشر Freedom of Information Act " وبينما يمنع هو نشر صور التعذيب وإساءة المعاملة الأسرى العراقيين والمعتقلين في السجون الأمريكية , ويبدو انه توقع فتح مضمار كبير لا يمكن غلقه يتعلق بجرائم التعذيب والاغتصاب واستمرار الاعتقال بدون محاكمة فيما يسمى "الاعتقال الاضطراري .preventive detention" ولأن عدداً كبيرًا من المعتقلين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة والاهانة والإذلال والاغتصاب، وعند تقديمهم للمحاكمة ستتكشف أدلة وشواهد بشأن حقائق غير مسموح لها بالظهور تمس بسمعة أمريكا وجيشها العالمي, ونتذكر أن ابرز خطابات اوباما للسلام كانت تتعلق بحقوق الإنسان وإنهاء الحرب.

بات من الضروري الصحوة من الأحلام الوردية وعدم الجري خلف أوهام والوقوف على ارض قوية ولا يمكن لأي مسؤول أمريكي الخروج عن النهج والمرتكزات الإستراتيجية الأمريكية وخصوصا التوسعية ضد العالم العربي والإسلامي وارادات جماعات الضغط الساعية إلى فتح الأسواق بالقوة والنزعة العسكرية في الحصول على تسهيلات وقواعد عسكرية في جميع دول العالم ضمن نظرية الإمبراطورية الكونية التي يحلم بها ويسوقها عملاء التأثير في أمريكا, لذا فان عجلة الحروب مستمرة ومنهجية الاعتقالات قائمة ونهج التعذيب دائم دون مسائلة, وخطابات السلام لا تعدو سوى سحابات صيف ومحطات تهدئة ومناورة ضمن خطة الخداع الاستراتيجي الشاملة ويبدو ان السياسة الخارجية الأمريكية مستمرة في نهجها الحربي وفي المسار الخاطئ واقتبس قولا مأثورًا بشأن السياسيين : (لا يمكن تصديق كلماتهم، من هنا وجب الحكم على أفعالهم).