الأحد، 8 نوفمبر 2009

لو فعلها عباس لاعتبرناه بطلا وغفرنا له ما تقدم!

محمود عبد الرحيم:

هل يمكن ان نصدق اعلان محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينة عدم خوض الانتخابات المقبلة؟ وهل بالامكان تصديق مبرراته او بالاحرى اتهاماته لواشنطن وتل ابيب،وتحمليهما تبعة يأسه ونية الابتعاد عن المسرح السياسي الفلسطيني ؟ ام ان الامر لا يعدو كونه مسرحية هزلية جرى اخراجها امريكيا واسرائيليا؟

في تصوري ان الرجل غير صادق نهائيا فيما ذهب اليه،وانما مناورة فاشلة من عشرات المناورات التى لجأ اليها لابتزاز الشارع الفلسطيني وتخويفه من سيناريو فراغ السلطة وسطوة حماس او صعود من هو اسوأ منه مثل محمد دحلان الذي بات يطرح نفسه للقيادة ويحظى بدعم امريكي واسرائيلي منذ سنوات بعيدة،نظرا لخدماته اللامحدودة في ملاحقة المقاومين او احداث فوضى امنية،واستعداده لتصفية القضية الفلسطينية والتوقيع على اي اتفاق مستقبلي يلقى به الاسرائيليون.

ويحضرني هنا المشهد الهزلي الذي بدأ بحالة لغط وشائعات وتسريب خبر اعلان الرجل عدم الترشح،ثم خروج احد اسوأ المقربين لعباس ياسر عبد ربه لينفي للصحفيين عدم صحة ما تسرب، ثم يأتي المساء ليعلن ابو مازن بنفسه قرار الانسحاب.

ويزيد المشهد درامية ويغلفه بنكهة كوميدية ما نشرته الصحف الاسرائيلية عن اتصال الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز به،وترجيه الا ينسحب حتى لا يضيع مستقبل الشعب الفلسطيني في اقامة دولة،لانه وحده القادر على صنع السلام،حتى نتانياهو الذي يشتكي منه عباس،يقول فيه شعرا ويعتبره الخيار الافضل الجدير بالدعم، وكذلك السيدة كلينتون.

الا يمكن استنتاج اكثر من دلالة من وراء ذلك،والتأكد من ان ما جرى ليس الا محاولة هزلية لترميم شعبيته المنهارة التى لا تتجاوز 23% حسب استطلاعات الرأي

فضلا عن محاولة خداع الجماهير بالقاء تبعة فشله داخليا وخارجيا على الآخر،وتبرئة نفسه وخياره الاستسلامي الفاسد والمدمر الذي لم يجرأ حتى الآن ان يعترف بأنهما كارثة حلت على الشعب الفلسطيني،ونالت من جوهر القضية والمصالح العليا للدرجة التى يستحق عليها المحاكمة.

ونأتي لمبرره المتهافت،وحديثه الغث عن خديعة او خيانة واشنطن وتل ابيب له ورفض تجميد الاستيطان،هل يمكن لعاقل ان يقتنع بهذا الكلام ؟!

فسلوك امريكا واسرائيل طول الوقت يسير باتجاه الوعود ثم حنثها او ممارسة ضغوط لانتزاع ما تريدان ، فما الجديد اذن؟!

الم يتم وعده بما هو اكبر من تجميد الاستيطان او بالاحرى بدولة في العام 2005،ثم تم تأجيل الموعد سنة فسنة حتى انتهت ولاية بوش الذي لم يمض قبل ان ينقل السفارة الامريكية للقدس ومنح "وعد بلفور جديد" يستجيب للمطالب الصهيونية في اسقاط حق العودة للاجئيين وتهويد القدس ورفض حدود 67،وعندما جاء اوباما الم يعده بحل للمشكلة سريعا، لكن ملامح الصورة اتضحت منذ الاشهر الاولى لحكمه وهي ان سيد البيت الابيض الجديد صهيوني اكثر من سلفه ويلتزم بامن ومصالح الدولة العبرية وحدها،وان الامر لن يعدو الا ان يكون استهلاكا للوقت من جديد في جولات مكوكية لديبلوماسيين امريكان او لقاءات بين وفود اسرائيلية وامريكية،غايتها الجلوس على مائدة التفاوض،وليس حسم الملفات المحسومة سلفا حتى من قبل "اتفاق اوسلو" الملعون،فى حين تسير المخططات الصهيونية في طريقها،وتفرض وقائع جديدة على الارض،بمباركة امريكية ودعم لامحدود كذلك .

ان عدم التعلم من كل هذه الدروس القاسية ورصيد الفشل الكبير والرهانات الخاسرة المتتالية وتجاهل كل هذه المعطيات وتناسى ان واشنطن ليست وسيطا نزيها وانما شريك معاد للمصالح الفلسطينية ، يشير اما الى غباء او تواطؤ،وان كنت ارجح الثانية .

فهل يمكن ان ننسى ان محمود عباس ذاته صنيعة امريكية اسرائيلية،فمن استحدث منصب رئيس الوزراء،ووأتي به ليحجم سلطة عرفات،ويضغط عليه لانتزاع تنازلات اكبر ؟ومن دعم وصوله للرئاسة واعتبره الوجه الاكثر قبولا دوليا واقليميا،اليست واشنطن وتل ابيب؟

فهل يمكن بعد ذلك ان نصدق ان بامكانه ان يشق عصا الطاعة ويتمرد عليهما ام يقدم فروض الولاء التى اهمها الاعلان صبح مساء ان الخيار المسلح مرفوض وصورايخ المقاومة عبثية والعمليات الاستشهادية مدانة،وان الخيار الاوحد هو المفاوضات،بالاضافة الى استهداف المقاومين،واستعداء من يرفض انبطاحه وتنازلاته المجانية حتى من بين ابناء فتح وقياداتها التاريخية مثل المناضل الشريف فاروق قدومي.

اذا كان فعلا صادقا وبريئا ومخلصا للقضية او حتى اذا كان لديه الاستعداد للتكفير عن خطاياه بحق الشعب الفلسطيني،فكان عليه بدلا من مسرحيته الهزلية ان يوقف تآمره هو ورفاقه الانتهازيون على قوى المقاومة،وان يشرع في اجراءات تعيد للقضية الفلسطينية زخمها وروحها،من قبيل الشروع فورا في انجاز المصالحة الوطنية وانهاء حالة الانقسام،وليس الرضوخ الى الاعداء الحقيقيين واصطناع عدو وهمي من ابناء الوطن مثل حركة حماس.

والاهم من ذلك تأكيد خيار المقاومة المسلحة من جديد،والتوقف عن مهزلة التفاوض العبثية،لان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغيرها،حسبما تخبرنا التجربة التاريخية ، بالاضافة الى تصفية السلطة والعودة الى الكيان الجامع الذي تم اختطافه واضعافه من قبل حركة فتح لصالح سلطة صنعها الاحتلال،اعنى منظمة التحرر الفلسطينية ،واعادة بنائها من جديد او استبدالها بكيان جديد يتوافق عليه الجميع،فلا معنى لسلطة تحت الاحتلال ومسمى دولة لايعترف به اي احد قبل انجاز مشروع التحرر الوطني،ولا معنى لمؤسسات موزاية لمؤسسات منظمة التحرير كالمجلس التشريعي او رئاسة دولة ورئاسة حكومة،ولا معنى لاحتكار القرار من قبل حركة فتح واستبعاد الآخرين خاصة حماس والجهاد التى اثبتتا انهما جزء رئيس وفاعل من المعادلة الفلسطينية.

لو حدث هذا يمكن لقيادة فلسطينية وطنية تحظى بالقبول العام في الداخل والخارج ان تبزغ وليست شخصيات مشبوهة عميلة تنتظر القفز على السلطة باي ثمن، ويمكن للقضية وحالتها النضالية ان تعود فتية ويمكن ساعتها عودة الروح للتضامن العربي والاسلامي والعالمي والتفافهما حول الحق الفلسطيني.

لو فعلها عباس،ساعتها يمكن ان نصدقه،ونعتبره بطلا ،ونغفر له ما تقدم ،ونترحم عليه حين يرحل .

*كاتب صحفي مصري