الاثنين، 15 مارس 2010

غطاء عربي للسلطة أم لأمريكا و"إسرائيل"؟


حسن المدهون
قد يظن من يتأمل في فترة الأربعة أشهر التي جاء الحديث عنها في إطار الموافقة وتأمين الغطاء لرئيس السلطة لبدء المفاوضات مع "إسرائيل"، أنّ هذه الأشهر الأربعة هي أشهرٌ حُرُم، سيتم خلالها إيقاف القتال الدائر بين الأطراف أو بالأحرى بين الطرفين المتنازعين، وبدأ تجربة تفاوضية لإيقاف هذه الحرب، وإحلال السلام مقابل الأرض، كما يزعم المروجون لمبدأ إعادة الحقوق من خلال التفاوض، ولكنّ الحقيقة أنّ المفاوضات التي سوف تأتي لن تكون غطاءً لرئيس السلطة، بقدر ما هي غطاء لكل من أمريكا و"إسرائيل"، فالأولى تحتاج إلى إنجاز ولو إعلامي، والثانية تعرف أنّ المفاوضات المباشرة لعشرين عاما لم تأت أكلها فكيف إن كانت في هذه الفترة وبشكل غير مباشر!.
ولا شك أنّ هذا الغطاء العربي جاء متماشياً مع المبادرة العربية، التي أصبحت سُبةً في حق هذه الدول والكيانات التي أجمعت عليها، فهم مصرون على عدم تبني مبادرة عربية للحرب ولا قطع العلاقات الدبلوماسية بسحب السفراء و لا حتى توبيخ "إسرائيل".
وأمام المبادرة العربية التي أُقرت في قمة بيروت والتي كان فيها دلالة واضحة على عدم قدرة قيادة السلطة ومنظمة التحرير على اتخاذ تنازلات جوهرية في القضايا الأساسية العالقة، كقضية القدس واللاجئين والحدود، لذا رأى حكام العرب وأسيادهم ضرورة أن يتحمل الحكام جزءا من الثقل في التنازلات، لذلك جاءت هذه المبادرة التي تخطت مسألة الاعتراف "بإسرائيل" إلى التطبيع معها، شريطة الانسحاب من حدود ال 67. ولا بأس من القبول حالياً بمبدأ تبادل الأراضي للحصول على نفس مساحة ما بعد حدود 67، كما جاء في عدة تصريحات لصائب عريقات، ومن قبله وزير الخارجة المصري أبو الغيط، وهو ما يعني عملياً الموافقة على الاستيطان القائم خلافاً لما تدعيه السلطة، ذلك أنّ مبدأ التبادل إنّما يأتي كصيغة مقبولة عند السلطة تحفظ لها ماء وجهها للقبول بالمستوطنات القائمة حالياً، ومن يدري فربما كان التبادل يشمل أيضا ما تعتبره "إسرائيل" تجمعات عربية كبرى، تحقيقاً لمبدأ يهودية الدولة.
فرئيس السلطة تنفيذاً لإرادة أمريكا باستئناف المفاوضات، تحقيقاً لخطتها بإقامة دولة فلسطينية خلال عامين أو خلال ألف عام، رأى أن لا يخطئ مرة أخرى كما فعل إبان سحب تقرير غولدستون استجابة للإرادة الأمريكية، ثم تخلت عنه الدول العربية واحدة تلو الأخرى، حتى قال له أحدهم: لو شاورنا لنصحناه بعدم سحب التقرير.
فحتى لا يقع في الخطأ نفسه أعلن عباس أنّه قد أرسل استيضاحات للإدارة الأمريكية، ومن ثم عرض الإيضاحات على قادة العرب ليبرر لنفسه التهاوي أمام أمريكا وليأخذ الغطاء العربي منهم حتى لا يتركوه وحيداً على تلك الشجرة التي يتغنى بها الكل، ولعل الاستعجال بأخذ الغطاء العربي قبل أيام من القمة العربية كان بسبب ما واجهه من رفض استقبال في ليبيا، ومن تصعيد إعلامي في تونس، ويبدو أنّ قرب الاثنتين من أوروبا له تأثير واضح ينبئ بما ستكون عليه هذه القمة.
وهذا الإجماع المتوقع من حكام العرب لم يكن ليفسده تصريح وزير خارجية سوريا الذي يحتفظ بخط رجوع، كعادة كل حكام العرب عندما يتعلق الأمر بالتنازلات، رغم أنّه يتوجه برسائل مبطنة تارة ونداءات لاستئناف الوساطة التركية دونما خجل أو حياء!.
والشيء الذي لم تقله السلطة ولا أصحاب الغطاء العربي هو ما هي المرجعية لمثل هذه المفاوضات، هل هي اتفاقات كامب ديفيد والتي يُزعم بأنّها اختفت من أرشيف رئيس وزراء "إسرائيل" وبشكل مفاجئ، أم هي جلسات مفاوضات عباس-أولمرت والتي يرفض نتنياهو الاعتراف بها والتأطر بإطارها، أم هي مقررات أنابوليس أم مدريد أم واي ريفر أم أم أم....
بل إنّ الأمر الذي يلفت الانتباه غداة موقف وزير خارجية سوريا - الذي شرب لبن السباع- موقف وزير خارجية مصر أبو الغيط الذي حذر في اليوم التالي من مغبة تحول المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة، وكأن البطولة التي كانت في عدم التفاوض إلا بإيقاف الاستيطان تحولت إلى التفاوض غير المباشر دون المباشر!!!.
لا شك بأنّ الحكام وإن كانوا قد أعطوا السلطة هذا الغطاء الوهمي الذي لا قيمة له سوى القيمة الإعلامية وحفظ ماء وجه السلطة التي تتبجح بالإجماع العربي، الذي سرعان ما سيتهاوى أمام أية تنازلات جديدة قد تقدم عليها السلطة، فهؤلاء المجمعون سرعان ما تتكشف فعلتهم عند اقتسام التنازلات التي دوما ما تُحمّل للسلطة الفلسطينية التي أُنشأت لمثل هذا الغرض.
والسؤال الذي يجب أن يبقى مطروحاً، هو هل حقاً أنّ مثل هذا الغطاء سينفع السلطة التي تكشفت سوأتها يوما بعد يوم، أم هل سيكون غطاءً حقيقياً لكيان يهود ليستمر في مجازره ضد أهل فلسطين وتهويده للمقدسات الإسلامية، أو ربما هدم المسجد الأقصى لا سمح الله!؟
وأظن الجواب معروف وقد ظهرت بوادره يوم الجمعة 5/3/2010، عندما اقتحم الاحتلال اليهودي ساحات الأقصى، ولكن هذا الغطاء لن ينفع كيان يهود عندما تحزم الأمة أمرها وتستعيد سلطانها المسلوب فيكون الغطاءُ غطاءً جوياً لجيوش الخلافة الزاحفة نحو فلسطين، لتحررها كاملة وتعيدها إلى سلطان الإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق